هل يَصدق العدوان بقرار وقف النار في اليمن أم يُناور؟
اعداد/ شارل ابي نادر/ العهد الاخباري
لم يكن للاعلان الذي أطلقه تحالف العدوان حول وقف اطلاق نار شامل في اليمن لمدة أسبوعين اعتبارا من يوم الخميس قابلة للتمديد، وقعًا غير عادي على مسار المواجهة والحرب، وخاصة بعد صدوره على لسان المتحدث باسمه العقيد الركن تركي المالكي، والذي لم تكن تحمل اعلاناته خلال فترة العدوان أية مصداقية تدعو لأخذها على محمل الجد. بل على العكس من ذلك، كانت دائما تلك الاعلانات تخفي أكثر من مناورة سياسية أو ميدانية أو عسكرية، حيث كانت تستعمل (اعلانات العدوان) كبديل أو كمخرج لتفادي ورطة أو خسارة أو انتكاسة في الميدان او في السياسة .
بعد تحديد المالكي أن: “الهدف من وقف النار هو تهيئة الظروف الملائمة لتنفيذ دعوة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لليمن لعقد اجتماع بين حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي والحوثيين (جماعة أنصار الله)، وفريق عسكري من التحالف تحت إشراف المبعوث الأممي لبحث مقترحاته بشأن خطوات وآليات تنفيذ وقف إطلاق النار بشكل دائم، وخطوات بناء الثقة الإنسانية والاقتصادية، واستئناف العملية السياسية بين الأطراف اليمنية للتوصل إلى حل سياسي شامل في البلاد”، أين هي النقاط التي يجب بحثها والتي دفعت نحو هذا الاعلان من قبل العدوان؟ وكيف يمكن إظهار جدية أو مناورة العدوان في وقف اطلاق النار؟
1 – الوضع الميداني والسياسي والدولي للعدوان
حاليا، يعيش تحالف العدوان اليوم وفي بدايات العام السادس من حربه الجائرة على اليمن أصعب أيامه من كافة النواحي الميدانية والسياسية والدولية، وحيث يطرح اليوم وقفًا لاطلاق النار، يبدو في الحقيقة كمن يستجدي وقف العمليات العسكرية بانتظار تغييرٍ ما ينتشله من ورطة متعددة الاتجاهات:
– ميدانيًا، خسر في الداخل اليمني جميع مواقعه ونقاط ارتكازه الأساسية، والتي كانت مؤهلة لأن يتقدم منها نحو صنعاء أو نحو الحديدة أو نحو صعدة أو في أي اتجاه من الاتجاهات التي تمحورت عملياته العسكرية خلال العدوان على التقدم اليها، بالاضافة لاستسلامه شبه الكامل على كافة محاور المواجهة الحدودية الجنوبية مع اليمن، والتي خرجت تقريبا من معادلة الزحوفات ومحاولات التقدم التي طبعت اغلب سنوات العدوان.
– سياسيًا، أصبح للقبائل اليمنية في المناطق الشرقية موقف وموقع مؤثر في المعركة، وذلك بعد أن فرضت نفسها في معارك المواجهة البرية الأخيرة (نصر من الله والبنيان المرصوص وفأمكن منهم) شريكًا فاعلًا في عملية الدفاع والتحرير مع الجيش واللجان الشعبية، وحيث أصبح موقفها يشكل ورقة وطنية رابحة في تلك العملية ضد العدوان، يكون الأخير قد خسر تلك الورقة التي طالما راهن عليها.
– دوليًا، لم يعد للمجتمع الدولي ولمؤسساته أية امكانية للتهرب من جريمة التواطؤ أو التخاذل في السكوت عن تلك الحرب الظالمة والتي خالفت بجميع معطياتها مبادىء ومفاهيم وقوانين تلك المؤسسات الدولية الأممية، الأمر الذي زاد من الضغط الدولي على تحالف العدوان وبالتحديد على السعودية، لوقف الحرب والعدوان وافساح المجال للتفاوض السياسي في اليمن.
2 – الوضع المقابل لليمنيين
أثبت الجيش واللجان الشعبية ووحدات أنصار الله موقعهم كقوة وطنية لا يمكن تجاوزها أو الانتصار عليها، بالرغم من قدرات وامكانيات دول العدوان، والتي فازت بدعم اقليمي وغربي غير محدود في حربها على اليمن، وحيث جربت تلك الدول كل الوسائل العسكرية والميدانية والسياسية كي تربح المواجهة في الميدان، أو كي تدفع الجبهة الوطنية اليمينة نحو الاستسلام، فقد كان الصمود اليمني لافتًا وصادمًا لتلك الدول.
بعد المسلسل الناجح للعمليات البرية المذكورة في الشرق اليمني، والتي وضعت وحدات الجيش واللجان الشعبية على تخوم مأرب، كآخر وأقوى معقل للعدوان داخل اليمن، وبعد التماس العدوان الخسارة المؤكدة لمرتزقته في محاولته مواجهة تقدم الجيش واللجان الشعبية المرتقب نحو المدينة ومحيطها، بعد كل ذلك، وحيث ضاق الخناق على عمليات العدوان وعلى موقفه العملياتي المهزوم في مارب حكما، كان مخرج وقف اطلاق النار واظهار حسن النية (المخادعة) نحو الذهاب للحل السياسي.
لم يكتف اليمنيون بتثبيت معركتهم داخليًا، بل أوجدوا بفضل تميزهم بتصنيع وتطوير قدرات وأسلحة نوعية، من صواريخ باليستية وطائرات مسيرة ومنظومات دفاع جوي فعالة، معادلة ردع استراتيجي، وضعتهم في مصاف الدول القوية القادرة على التأثير في مسار الاحداث الاقليمية والدولية حتى، وذلك بعد أن دخلوا بقوة على مسرح العمليات الاستراتيجية المرتبط بصناعة وبتجارة النفط الدولي وبحركة التجارة والأسواق العالمية.
أمام كل تلك المعطيات المذكورة، في وضع تحالف العدوان المأزوم، مقارنة مع الموقف الثابت والقوي والمُبادر للجيش واللجان الشعبية اليمينة، لم يُظهر القادة اليمنيون الاّ كل حسن نية نحو (المناورة المبادرة)، وحيث سارعت تلك القيادات الى وضع النقاط التي ممكن أن تحمل جدية وتشكل مستندا للسير بالمبادرة، والتي حدَّدوها من ضمن الرؤية الوطنية لايقاف العدوان ووقف الحصار، وضمن وثيقة حل شامل لانهاء الحرب والحصار والسير في تسوية سياسية، مع اشتراطهم ضمانة دولية جدية مختلفة عن سابقاتها، تُبقي الجبهة الوطنية اليمينة يدا على الزناد لحماية الانتصار، ويدا أخرى تحمل فيها وثيقتها ورؤيتها لوقف الحرب نحو الحل السياسي.