في رحاب الشهيد القائد. الحلقة ال(١٤).
ذمار نيوز || مقالات ||
[ 5 ابريل 2020مـ -12 شعبان 1441هـ ]
بقلم الاستاذ / فاضل الشرقي.
– مباشرة دوة صرخة مزلزلة ومجلجلة لم يسبق لها مثيل في ذلك الوقت، ثلاث صرخات عم صداها كل أرجاء المسجد، وبالذات من الجناح الشمالي الذي تجمع واحتشد فيه المكبرون من صعدة، وضحيان، وسحار، وهمدان، وخولان، تجمعوا بالمئات، كانت مفاجئة حقا، وكانت صرخة مرعبة كادت أن تذهب بلب صالح والوفد الرئاسي والحكومي، وتسمر كل الجنود في أماكنهم، حقا لقد ارتعدت لها فرائصهم وقلوبهم، وأبدانهم، أقسم أني كنت مركز جدا على صالح ورأيته انتفظ من مكانه فزعا وجلا، وأحاط به حراسته من كل مكان، وقامت الصلاة، والكل بلا شك يسأل نفسه ما الذي سيحدث بعد الصلاة؟ يا للهول من أين دوت هذه الصرخة، ومن أين احتشد كل هؤلاء المكبرين؟ فالمعتاد أسبوعيا أن الصرخة تكون بالعشرات فقط كل جمعة، بل لا يكادون يصلون للعشرين، سلم الإمام وفورا قبل أن يكمل سلامه قفز صالح للبوابة الأمامية التي دخل منها خارجا، وولى هاربا فزعا خائفا، وأغلقت كل أبواب الجامع لأكثر من نصف ساعة على كل جموع المصلين، حتى وصل مقر إقامته، لقد كان يوما فارقا واستثنائيا في مسيرة الشعار والمكبرين، لم يصدق أحد ما حصل، وطار صيت هذه الصرخة في الأرجاء.
– كان صالح الذي عرف بعنجهيته وكبره وغروره وعظمته يريد أن يتحدث في الناس بعد صلاة الجمعة في جامع الإمام الهادي كما قال هو في خطاب له في العام ٢٠٠٤م ولكنهم استفزونا حسب قوله، فهو لم ينس هذا الموقف وكان في نفسه منه ما فيها، فعلا لم يلق صالح كلمته تلك التي كان قد حضر نفسه لها، فالصرخة فعلا أنسته أو أربكته، أو أفقدته توازنه، لقد طار لبه منها حقيقة، وأخذ الخوف منه مأخذه، والذي حدث هو أنه عندما ذاع خبر زيارة صالح لصعدة وأداء صلاة الجمعة في جامع الإمام الهادي، أدرك المكبرون – كما كانوا يسمونهم- أنهم أمام خيار مصيري، وتحد حتمي، وأمر مفصلي، فتداعوا للصلاة في جامع الهادي بكل شجاعة، وثقة، وقناعة، وازداد حماسهم لقضيتهم ومبدئهم وقائدهم الذي لا يمكن أن يخذلوه، أو أن يتخلو عنه، وإن لم يكونوا بمستوى هذا التحدي في حينه ووقته، لكنه الله الذي يتدخل فيقوي النفوس، فأداء الصرخة أمام الرئيس وفي حضوره لم يكن بالأمر السهل والهين، صحيح أن السيد والمجاهدين لم يكونوا في صراع مباشر مع صالح ونظامه، وحاول السيد تفاديه بأي طريقة ممكنه، فهو في صراع مباشر مع أمريكا وإسرائيل منذ اليوم الأول، والشعار ليس موجها لصالح ولا لنظامه، لكن صالح أصر على دخول هذا الصراع وفرضه وخوضه بالوكالة ولا زالت نتائج هذه الحماقة وتبعاتها إلى اليوم، وصحيح أن رفع الشعار أمام صالح وفي حضرته كان يحتاج لشجاعة عالية، وعزيمة صادقة، وثقة مطلقة، وهذا هو الذي حصل، ورفع الشعار بشكل عام في ذلك الوقت كان أمرا صعبا ويحتاج لشجاعة كبيرة، ولا تتصورون أنتم كم كان الشعار مخيفا ومرعبا في تلك المرحلة على الطرفين، على الذين يرفعونه والذين يعارضونه، بل والذين لا يرفعونه، عندما تبدأ بأول صرخة لك وخاصة في المسجد كنت تشعر بنوبة ورعدة خوف شديدة، ورعشة ونفظة غير طبيعية، وكان مرعبا جدا لكل المعارضين، كانت ترتعد فرائصهم، وترجف قلوبهم منه، إنه سلاح قوي وفعال، حتى الآن لا زال يرعب ويخيف الأعداء في كل جبهات ومحاور القتال عندما يسمعوه إنه “سلاح وموقف” كما سماه الشهيد القائد “رضوان الله عليه”.
– ذهب صالح من جامع الإمام الهادي مباشرة إلى منطقة الطلح التي تبعد حوالي ١٥ كم عن مدينة صعدة، وتناول طعام الغداء في منزل الشيخ/ فارس مناع، وأخيه حسن مناع الذي كان أمين عام المجلس المحلي للمحافظة، بعد الغداء جلس لساعة جُمع له مشايخ ومسؤلي المحافظة، وبخهم وشتمهم، وأهانهم على عجزهم عن اسكات الصرخة، وتوعد وتهدد، ولكن حصل التدخل الإلهي مرة أخرى، انظروا ما الذي حصل؟ قالوا له أن الموضوع ليس أكثر من مجرد عناد، وتحرك طائش من شباب طائشين، فهم لو تركوا، وتوقفت السلطة عن ملاحقتهم، وسجنهم، واعتقالهم لانتهى الموضوع تلقائيا وتلاشى، وبرروا وقدموا الأدلة والشواهد على ذلك، حينها اقتنع بوجهة نظرهم، وقال طالما والأمر كما ذكرتم فاتركوهم وشأنهم، وافرجوا عن المساجين، حينها لم يكن الشعار يرفع بعد في الجامع الكبير بصنعاء، وكان في سجن الأمن السياسي بصعدة مجموعة من المساجين.
تحرك صالح عبر منفذ البقع تقريبا، وفي اليوم الثاني ذهب محافظ صعدة ومعه مجموعة من المشايخ لمقابلة المساجين في سجن الأمن السياسي بصعدة، وطلبوا منهم التوقيع على تعهدات خطية، ولكنهم ووجهوا بالرفض القاطع، وباءت محاولتهم تلك بالفشل، وبعدها في اليوم التالي قرروا الإفراج عنهم دون قيد أو شرط، وتوقفوا عن الإعتقالات في جامع الإمام الهادي بصعدة، وتقوى الشعار والمكبرون أكثر وأكثر في نتائج عكسية لكل تلك الأماني والتوقعات والأحلام السلطوية، يتبع….