“كورونا” واقتصاديات الدول الخليجية.. هل سنشهد في القرب العاجل إنهيار هذه الاقتصاديات التي تعتمد على النفط؟
كتب “جوناثان فولتون” في مقال نشره المجلس الأطلسي، أن العالم يتحرك بجدية لمكافحة فيروس “كورونا” الذي أصبح بالتأكيد مصدر قلق كبير للصحة العامة، وأكد “فولتون” أن تأثير هذا الفيروس الخطير على اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي يعتبر أيضًا قضية أثارت الكثير من المخاوف. ولقد كشفت العديد من المصادر الاخبارية أن منتجو النفط الكبار في العالم يستعدون لبحث تخفيض إنتاجهم لمواجهة الآثار السلبية لإنتشار فيروس كورونا ومن المتوقع أن يلتقي ممثلو منظمة أوبك وحلفاؤها هذا الأسبوع وسط تزايد الدعوات إلى اتخاذ إجراء لدعم أسعار النفط وقد بلغ سعر النفط الخام أدنى مستوى له خلال عام، بعد أن انخفض بنسبة 20 في المئة، منذ ارتفاعه في شهر يناير/كانون الثاني.
وعلى صعيد متصل، ذكرت العديد من التقارير الصحية أن هذا الفيروس وصل إلى معظم الدول العربية ومن بينها الكويت والعراق والإمارات والسعودية والبحرين وقطر وسلطنة عمان ورغم أن عدد الإصابات في هذه الدول مجتمعة ما تزال أقل من مثيلاتها في دول أخرى ككوريا الجنوبية وإيطاليا، إلا أن تبعات هذا الفيروس على اقتصادياتها ستكون أيضا كارثية في فترة قصيرة مع استمرار انتشاره ويعود السبب في ذلك إلى أن هذا الفيروس المتسلل يوجه ضرباته القاسية وشبه القاضية للقطاعات الاقتصادية الواحد تلو الآخر وفي مقدمتها قطاعي السياحة والنفط ويدل على ذلك خلو الفنادق وتوقف حركة السفر وإلغاء الأنشطة العامة والمعارض وإغلاق معالم سياحية في الدول التي أصابها الفيروس واستمرار تراجع أسعار النفط الخام إلى مستويات أقل من 50 دولارا للبرميل في السوق العالمية.
كما ذكر الكاتب، أن معظم الدول العربية الواقعة على ضفاف الخليج الفارسي تعتمد في غالبيتها على النفط أو على السياحة أو على كليهما في تحقيق إيراداتها المالية الرئيسية. ويبرز الاعتماد الأساسي على النفط في دول كالسعودية والكويت والإمارات والبحرين وسلطنة عمان وفي هذه الدول باستثناء قطر التي تعتمد على صادرات الغاز إلى شرق آسيا بالدرجة الأولى تشكل إيرادات النفط 60 إلى 90 بالمائة من الدخل العام وتعد الصين المستورد الأول للنفط الخليجي تليها اليابان والهند وكوريا الجنوبية وقبل فيروس كورونا الذي تم تسجيل انتشاره أواخر العام الماضي 2019 كان الاقتصاد الصيني يستورد يوميا 1,5 إلى 2 مليون برميل نفط من السعودية، أي أكثر من ربع الصادرات السعودية.
ولفت الكاتب إلى أنه مع توسع انتشار هذا الفيروس الخطير توقفت عملية إنتاج الآلاف من الشركات الصينية بشكل جزئي أو كامل ومن تبعات ذلك حتى الآن تراجع أسعار النفط بنسبة تصل إلى نحو 25 بالمائة خلال أقل من شهرين، من نحو 65 إلى أقل من 29 دولار للبرميل بسبب تراجع الطلب والاستهلاك العالميين. فالصين على سبيل المثال لا تستورد حاليا سوى 8 ملايين برميل بدلا من 11 مليون برميل نفط في اليوم ومما يزيد الطين بلة أن تراجع الأسعار والاستهلاك مستمر رغم استمرار تخفيض إنتاج اوبك بأكثر من 2 مليون برميل يوميا. ويشكل هذا المنحى الذي يتوقع استمراره بسبب صعوبة احتواء كورونا تراجعا حادا في إيرادات دول الخليج وخطرا على استقرار اقتصادياتها وعملاتها التي تعاني أيضا من استنزاف احتياطاتها المالية في الخارج بشكل متسارع منذ التراجع الدرامتيكي الأخير لأسعار النفط عام 2014.
وفي سياق متصل، أشار الكاتب إلى أن العديد من التقارير الاقتصادية الصادرة عن مجلس التعاون الخليجي ذكرت أن التبادل التجاري لدول المجلس مع الصين في 2018 بلغ 173 مليار دولار، منها نحو 97 مليارا صادرات سلعية خليجية للصين وتشكلت الصادرات النفطية نسبة 81% من إجمالي الصادرات السلعية للعالم في العام ذاته- بينما بلغت الواردات السلعية للدول الخليجية من الصين نحو 75 مليار دولار ولكن مع القيود المفروضة الآن على حركة الطيران من وإلى الصين، وكذلك الاحتياطات التي يتم اتخاذها تجاه حركة التجارة بشكل عام، من شأنها أن تحد من قيمة التجارة بين الصين والدول النفطية العربية، وبخاصة في ظل التراجع المرتقب في طلب الصين على النفط من السوق الدولية، والذي سيؤثر على الصادرات النفطية للدول العربية النفطية.
وعلى الصعيد نفسه، توقع الكاتب، تأثيراً سلبياً لفيروس كورونا على أسعار النفط، والتجارة المباشرة مع الصين، لا سيما أن الصين من أكبر الشركاء التجاريين مع السعودية وبعض دول الخليج الفارسي. وأضاف أن قطاع البتروكيماويات سيكون الأكثر تأثراً، مع تأثر محدود لقطاع السياحة والطيران، والذي يعتمد بدوره على النفط بشكل غير مباشر. وأوضح أن تأثير الفيروس يعتمد على استيعاب اقتصاديات الخليج للأزمة، وإيجاد علاج فعال له، لافتاً إلى أن فيروس سارس السابق، كلف الاقتصاد العالمي، نحو 40 مليار دولار. وبلغ التبادل التجاري بين السعودية والصين خلال العام 2018، نحو 63.3 مليار دولار، منها صادرات سعودية بقرابة 48.59 مليار دولار، وبلغت صادرات النفط منها نحو 29.6 مليار دولار. وشهدت الفترة الماضية إيقاف الشركات العالمية لمصانعها في “ووهان” الصينية، وبعض مدن الصين الأخرى، مع توقف حركة السفر من الصين وإليها، وهو ما يؤثر على حركة التجارة والطلب على النفط.
وذكر الكاتب أنه على الرغم من العديد من الأزمات التي مرت بها المنطقة العربية، ومن بينها الدول النفطية، إلا أنه لا يوجد حتى الان تصور للدول النفطية العربية للتعامل مع أزمة “كورونا”، وتداعياتها الاقتصادية السلبية. قد تكون هناك تصورات قُطرية، لكنها تغيب على المستوى الإقليمي والمؤسسي. فلم نسمع صوتا مثلا لمنظمة الدول المصدرة للنفط أوابك، لتتحدث عن مستقبل النفط العربي واقتصاداته في ظل السيناريوهات المفتوحة لأزمة كورونا. ولا يغيب عن المتابع للشأن الخليجي حالة التفتت التي أصابت مجلس التعاون الخليجي بعد أزمة حصار قطر، حيث أصبح مجرد كيان ورقي، رغم أن الأزمة تفرض نفسها، وتداعياتها السلبية قد تكون أحد العوامل التي تساعد على إنهاء الخلافات الخليجية، والتفكير في مستقبلها الاقتصادي، وخاصة في ظل تقديرات لصندوق النقد الدولي باحتمال قرب نفاد الاحتياطات المالية الخليجية.
وأكد الكاتب أن مصيبة “كورونا” جاءت في زمن يغص بالمصائب السياسية والاقتصادية على الدول العربية وتكمن المشكلة الأساسية في أن اقتصادياتها على العموم ضعيفة المرونة للتكيف مع الواقع الجديد الذي يزداد صعوبة. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن اقتصاديات دول مثل تونس ومصر والمغرب أكثر قدرة على التكيف من اقتصاديات دول الخليج بسبب تنوع مصادر دخلها ووجود قطاعات تقليدية زراعية وصناعية قادرة على زيادة إنتاجها في المدى القصير وتوفير قسم هام من المواد الاستهلاكية الأساسية للسوق المحلية. غير أن ذلك يتطلب دعم هذه القطاعات عن طريق تشكيل خلية أزمات تقدم التسهيلات الضريبية والقروض الميسرة والاستشارات المطلوبة وغير ذلك من وسائل المساعدة اللازمة.
واختتم الكاتب قوله أن أزمة “كورونا” والمستقبل الصعب، يتطلب من جميع الدول العربية مضاعفة جهودها أكثر من أي وقت مضى لتنويع مصادر دخلها وعدم الاستمرار في ربط مصير اقتصادياتها بقطاع واحد أو اثنين، لأن مثل هذا الربط يعني إيصالها في المدى المنظور إلى حالة شبه ميؤوس منها وفتح الباب أمام اضطرابات سياسية واجتماعية ليس لها نهاية.
(الوقت التحليلي)