خطأ أردوغان الاستراتيجي.. تركيا على أبواب حرب عظمى في سوريا
في أعقاب الاجراءات التركية لدعم مواقع الإرهابيين التكفيريين الموجودين في إدلب ضد هجمات الجيش السوري وقوات المقاومة ، قتل عدد كبير من القوات التركية الليلة الماضية من خلال هجمات طيران الجيش الروسي بالقرب من قرية البارة في جبل الزاوية على ضواحي محافظة إدلب. حيث كان الإرهابيون المرتبطون بتركيا يخططون أيضاً لبدء هجمات على جبهة سراقب لإشغال الجيش السوري لمنعه من مواصلة العمليات في منطقة جبل الزاوية المهمة جنوب إدلب.
وزعم المرصد السوري لحقوق الإنسان التابع للمعارضة السورية فجر يوم أمس الجمعة مقتل 34 من الجنود الأتراك في محافظة إدلب السورية. كما أكد محافظ هاتاي الحدودية مع إدلب مقتل 33 جندياً خلال الهجمات. وفي الوقت نفسه ، ادعى مراسل قناة CBS أن الخسائر التركية قد تصل إلى 50 جندياً.
لقد مرت أربعة أشهر منذ بدء حملة تحرير إدلب ، والتي تقدم خلالها الجيش السوري كثيراً واستعاد جزءًا كبيرًا من الأراضي المحتلة من تحت سيطرة الإرهابيين. وكانت تركيا أحد أكبر الداعمين للإرهابيين في ادلب معارضة لهذا التقدم وطالبت بإنهاء عملية تحرير إدلب من خلال تهديدات متكررة بشن هجوم مضاد على الجيش السوري ، وفي هذا الصدد وخلال الأسبوع الماضي كانت القوات والمعدات التركية في طريقها إلى إدلب ، والتي واجهت هجمات من مقاتلات الجيش السوري.
موسكو: تركيا تنتهك الاتفاقيات وهي المسبب الأساسي للأحداث
مع تصاعد ردود الأفعال تجاه الليلة التي تكبدت فيها القوات التركية خسائر فادحة في سورية قالت وزارة الدفاع الروسية في بيان توضح فيه السبب الأساسي لما حدث يوم (الجمعة) إن الجماعات المسلحة والإرهابية شنت هجمات عنيفة ليلة أمس على مواقع الجيش السوري في إدلب سعياً الى كسر خطوط دفاع الجيش السوري ، وأكد البيان “ان أنقرة لم تبلغنا بوجود قواتها في ادلب للمرة الثانية ، حيث كانت القوات التركية من بين العناصر المسلحة التي استهدفتها الغارات الجوية على إدلب ليلة أمس.
وفي هذا البيان ، أنكرت وزارة الدفاع الروسية فعليًا اطلاعها على أي معلومات حول تواجد القوات التركية أو تخطيطها لتنفيذ عمليات ضد الجيش السوري ، ومن أجل التخفيف والحد من التوتر أكد البيان أن “روسيا فعلت كل ما في وسعها لوقف اطلاق النار في ادلب بعد علمها بمقتل القوات التركية”.
وفي تتمة لردود الفعل الرسمية الروسية تجاه الهجمات الجوية التي نفذتها الطائرات الروسية ليلة أمس ضد خطوط امداد الإرهابيين والتي أسفرت عن مقتل عدد من الجنود الاتراك ، دافع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في اجتماع مشترك مع نظيره اللوكسمبورغي عن جهود الجيش السوري لمواصلة العمليات ضد الإرهابيين مضيفاً أن الجيش السوري له الحق في محاربة الإرهابيين في إدلب وأن موسكو لا تستطيع منعه. كما أعلنت وزارة الدفاع الروسية إنها على تواصل دائم مع القوات العسكرية التركية.
وانتقد لافروف تركيا قائلاً إنه يمكن تأكيد أن أنقرة لم تلتزم بالاتفاق السابق مع روسيا. كما أشار إلى أن تركيا لم تلتزم بقرارات مجلس الأمن بشأن عدم دعم وتزويد الإرهابيين بالسلاح.
وأعلن وزير الخارجية الروسي أيضًا عن اجراء محادثة هاتفية بين الرئيسين بعد الحادث الذي وقع الليلة الماضية. ووفقاً لقناة الميادين اتفق بوتين وأردوغان على عقد قمة مشتركة بين كبار المسؤولين في البلدين في المستقبل القريب.
ومع ذلك ، لم يكتف الروس بالموقف السياسي وحده ، وأعلنت قيادة البحرية الروسية أنها أرسلت سفينتين حربيتين مسلحتين بصواريخ كروز من مضيق البوسفور إلى الساحل السوري. حيث تتوجه السفينتان ، المدعوتان “الأدميرال ماكاروف” و”الأدميرال غريغوريفيتش” ، إلى الساحل السوري حالياً.
ووفقًا لقناة العربية ، هدد فلاديمير جاباروف ، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الدوما الروسي ، أنقرة بالفشل جراء اتخاذها تدابير غير معقولة قائلاً: ان أي عملية عسكرية تركية في إدلب ستنتهي بشكل سيء بالنسبة لتركيا.
ويشير رد فعل الروس ككل إلى تأكيد سلطات موسكو على الحاجة إلى وقف التدخل العسكري التركي لدعم الإرهابيين في إدلب ، مما قد يحمل تهديدًا ضمنياً ضد تركيا ، والتي حملت تصريحاتها نغمة تهديد بضرب مواقع الجيش السوري بعد عملية الليلة الماضية.
تركيا في حالة صدمة
لقد ردت حكومة أردوغان ، التي شددت على مدار الشهر الماضي على أن قواتها لن تنسحب من المناطق المحيطة في أدلب ، وخاصة من مناطق مواقع المراقبة المحاصرة من قبل الجيش السوري ، بشكل مختلف تجاه الموضوع في أعقاب هجوم الليلة الماضية ، مما يعكس التأثير المفاجئ والصادم لأنقرة. ووفقًا لوكالة الأناضول التركية انه في أعقاب هذا الهجوم عقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اجتماعًا طارئًا لمجلس الأمن القومي التركي لمناقشة القضايا المتعلقة بسوريا وإدلب.
بينما صرحت موسكو في بيان لها الليلة الماضية إنها قامت بتنفيذ غارات جوية ، ادعى حاكم هاتاي أن الجنود الأتراك قتلوا في الهجوم الذي شنته الطائرات المقاتلة السورية.
وبعد مضي ساعات ، أعلنت الحكومة التركية أنها قصفت مواقع الجيش السوري.
ونقلت وكالة الاناضول للأنباء عن فخر الدين آلتون مدير الاتصالات في المكتب الرئاسي التركي قوله ” ان الوحدات البرية والجوية التركية استهداف جميع المواقع المعروفة للحكومة السورية” حيث قررت تركيا الانتقام من هذه الغارة. في الوقت نفسه ، ذكرت التقارير إن الدفاع الجوي السوري اعترض صاروخين أطلقا من الأراضي التركية على قاعدة حميميم الجوية ، حيث تتمركز القوات الروسية في هذه القاعدة.
هذا وقد ادعى وزير الدفاع التركي خلوصي آكار يوم (الجمعة) إن البلاد ردت بشدة على الضربة الجوية التي شنها الجيش السوري على القوات التركية في إدلب. ووفقاً لموقع TRT الإلكتروني ادعى آكار أن المقاتلات والمدفعية التركية استهدفوا 200 موقع تابع للجيش السوري ، مما أدى إلى تدمير خمس طائرات هليكوبتر و23 دبابة ومنظومة دفاع وقتل وجرح 309 من أفراد الجيش السوري.
من ناحية أخرى ، يرفض وزير الدفاع التركي المزاعم الروسية بعدم علمها بوجود القوات التركية بين صفوف الإرهابيين وفي تصريحات متناقضة مع مسؤولين آخرين في أنقرة الذين أعلنوا أن سوريا مسؤولة عن هجوم الليلة الماضية ، أكد على أن تواجد القوات التركية كان بالتنسيق مع الجهة الروسية وأن المسؤولين الروس كانوا على دراية بمكان وجود القوات التركية ولم يكن أي من “العناصر المسلحة” موجودًا إلى جانب القوات التركية.
وأكد وزير الدفاع التركي “لقد حذرنا بعد الهجوم الأول ، لكن الغارات الجوية استمرت واستهدفت سيارات الإغاثة ايضاً”.
عدم رغبة الناتو في الدخول على خط الأزمة
ولكن في أعقاب الهجوم الذي وقع الليلة الماضية على تركيا كعضو في حلف شمال الأطلسي ، دعا النظام التركي بناءً على البند الرابع من قانون تأسيس الناتو ، إلى عقد اجتماع طارئ للمنظمة حول موضوع التطورات في إدلب ، والذي عقد يوم الجمعة من قبل الدول الأعضاء.
وعلى هامش اجتماع الدول الغربية هذا ، وعلى الرغم من محاولة إظهارهم الدعم السياسي لحليفهم ، يبدو أن الأعضاء الغربيين غير مستعدين للانخراط مباشرة في التطورات السورية وفي التعامل مع الجيش الروسي خلاقاً للتوقعات التركية. لذلك أكد قادة الناتو من خلال مواقفهم على ضرورة وقف العمليات العسكرية السورية والروسية ضد الإرهابيين ، ومشددين على ضرورة ضبط النفس من كلا الجانبين.
وفي هذا الصدد ووفقًا لوكالة رويترز للأنباء أعربت وزارة الخارجية الأمريكية ، عن “قلقها الشديد” ازاء الغارات الجوية على القوات التركية في إدلب ، مضيفتاً ان واشنطن تقف إلى جانب حليفتها.
وقال بيان وزارة الخارجية الامريكية “نحن نقف الى جانب حليفتنا تركيا في حلف شمال الاطلسي وما زلنا ندعو الى وقف العدوان الوحشي لنظام الاسد وروسيا والقوات المدعومة من ايران.”
كما دعا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ يوم (الجمعة) إلى وقف عمليات مكافحة الإرهاب السورية الروسية في محافظة إدلب. وقال ستولتنبرغ في مؤتمر صحفي عقب الاجتماع الطارئ الذي عقده الناتو اليوم بشأن سوريا: “الناتو يدعم تركيا في الوقت الحالي ويبحث أعضاؤه أيضًا عن سبل لفعل المزيد”.
ودعا الأمين العام لحلف الناتو سوريا وروسيا إلى وقف العمليات ضد الجماعات الإرهابية في إدلب وقال: “يجب تخفيف الموقف الخطير الحالي [في إدلب] ويجب أن نعود إلى شروط وقف إطلاق النار عام 2018 لتجنب حدوث فاجعة إنسانية”.
كما دعت الدول الغربية في اجتماع مجلس الامن حول التطورات السورية إلى وقف للاشتباكات والهجمات في إدلب من منطلق “انساني” ورأوا ان ارسال مساعدات إنسانية لجميع المناطق أمر ضروري. كما دعت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإستونيا إلى وضع حد فوري للنزاع.
ولكن بينما كان الرد الغربي كما الماء البارد على توقعات أنقرة بتدخل الناتو في الدفاع عن عنها بموجب المادة 5 من قانون تأسيس حلف الناتو ، لم يأخذ الغربيون الحاجة إلى تشكيل منطقة حظر طيران في إدلب على محمل الجد ، وفي هذا الخصوص فإن القادة الغربيون يسعون إلى االاستفادة من الأوضاع المتوترة في العلاقات التركية الروسية بشأن القضية السورية ، ولا سيما عملية تحرير إدلب ، باعتبارها فرصة عظيمة لتقليل الخلافات مع أنقرة وإبعاد تركيا عن روسيا. وفي هذا الصدد ، سعى سفير الولايات المتحدة لدى الناتو ، كاي بيلي هتشيسون ، إلى عزو مقتل الجنود الأتراك إلى شراء نظام الدفاع الجوي (S-400) وقال “آمل أن يرى أردوغان أننا حلفاء تركيا في الماضي وفي المستقبل. وهم يرون الآن ما هي روسيا وما تفعله”. وآمل أن تثني تركيا عن شراء 00S-4 من روسيا. ”
الضغط عن طريق فتح الأبواب أمام المهاجرينيبدو ان اليأس التركي من الدعم العسكري لحلف الناتو ، فضلاً عن خطر مواجهة الجيش الروسي إذا كانت ترغب في مواجهة الجيش السوري ، دفع أنقرة إلى اللجوء إلى ورقة الضغط المستمرة على الحكومات الأوروبية والتهديد بإعادة فتح أبواب اللجوء امام اللاجئين السوريين وغيرهم الى اوروبا. وفي هذا الصدد ، قال مراسل وكالة الشرق الأوسط ان تركيا هددت أوروبا وحلف شمال الأطلسي بفتح حدودها أمام اللاجئين السوريين وازالة جميع العوائق التي تحول دون تدفق المهاجرين إلى أوروبا.
ونقلت وكالة رويترز أيضًا عن مسؤول تركي رفيع المستوى في أنقرة أن الاخيرة أمرت الشرطة وخفر السواحل وحرس الحدود بعدم منع المهاجرين السوريين من الدخول. وقال المسؤول التركي إن أنقرة قررت عدم منع المهاجرين السوريين من الوصول إلى أوروبا عن طريق البحر أو الجو.
وفي الوقت نفسه ، أكد المتحدث باسم الحزب الحاكم في تركيا بشكل غير مباشر على تنفيذ تهديد فتح أبواب اللجوء. ورداً على تقارير في بعض وسائل الإعلام حول اعتزام البلاد فتح الحدود أمام المهاجرين السوريين ، قال: إن سياسة أنقرة الخاصة بالمهاجرين لم تتغير ، لكن تركيا لن تكون قادرة بعد الآن على منعهم من الدخول.