الخبر وما وراء الخبر

نحو عقد “صفقة قرن” مقاوِمة

21

بقلم/ إيهاب شوقي/ العهد الاخباري

من المقولات السياسية البليغة والتي أثبتت جدارة وثقة مع اختبارها عبر التاريخ، مقولة للمفكر السياسي الايرلندي “إدموند بيرك” تقول: “كل ما تحتاج إليه قوى الشر لتنتصر هو أن يمكث أنصار الخير بدون عمل ما”.

وقد يظن المعسكر الصهيو- أمريكي، أنه على أعتاب انتصار يتمثل في تمرير تصفية القضية الفلسطينية، عبر استسلام الشعوب أو أصحاب الحق دون عمل ما يردع هذه الخطط التصفوية.

ولأن العدو يعلم جيدًا أن هناك محورًا للمقاومة وقطاعات شعبية حرة لم تفقد وطنيتها وشرفها وثوابتها، فإن خطط العدو تتجه نحو محاصرة هذه القوى الحية وتقوية معسكر التبعية والعمالة، للايحاء بأن الحالة العامة هي الهزيمة والاستسلام.

ولمواجهة ذلك ولانقاذ أمتنا وقضايانا، ينبغي أولًا رصد ممارسات العدو وأساليبه، حتى تكون المواجهة مبنية على رصد وتحليل دقيق.
لعل قيادة ترامب ونتنياهو للمعسكر الصهيو – امريكي، هي النسخة الأكثر صراحة وفجاجة وتعبيرًا عن حقيقة هذا المعسكر، والذي يعد نسخة حديثة من المرابين اليهود، والذين كان لهم شعار معبر اشتهر به امشل ماير باور(1743 – 1812) وهو: “دعنا نتول إصدار النقد في أمة من الأمم والاشراف عليه، ولا يهمنا بعد ذلك من الذي يسن القوانين لهذه الامة”.

وقد طرح امشل ماير باور هذا الشعار على شركائه، ليشرح لهم جوهر الدافع الذي حدا بالمرابين اليهود السعي للحصول علي السيطرة على مصرف إنكلترا عام 1694.

بينما اليوم واضافة الى التحكم المالي في المصارف وسيطرة البنك وصندوق النقد الدوليين على قرارات الأنظمة المستسلمة للتبعية وتداعياتها، فإن هناك ايضًا اصدارات أخرى غير النقد، وهي اصدار السياسات والمفاهيم والمشكلات التي من خلالها يتم التحكم بقرارات الأنظمة ومصائر شعوبها بصرف النظر عن قوانين هذه الدول وثوابتها ومحددات أمنها القومي.

وبالتأمل يمكننا رصد ما فعله هذا المعسكر مع الزعماء لدرجة ان يقف ترامب متفاخرا في خطاب له، بأن نقل السفارة الامريكية للقدس المحتلة، مر دون تظاهرات كبيرة او اعمال انتقامية، وتحدث عن اغلاقه هاتفه في وجه الزعماء العرب لمدة اسبوعين كي لا يستمع الى اعتراضات، ثم صرح بأنه وبعد فتح هاتفه امامهم أبلغه ملك السعودية بأنه كان يود ابلاغه بالاعتراض على فتح السفارة، فقال ترامب متهكما ان الامر تم، ويا ليته كان قد فتح هاتفه لسماع الملك! بهذا الاستهزاء يتحدث ترامب عن الزعماء، وختم كلامه بأن الجميع كانوا سعداء!

ما حدث هو أن أمريكا والعدو الاسرائيلي، امتلكا زمام أمور هذه الدول، تارة عبر استغلال مشكلاتهم وتعميقها استغلالا لاختياراتهم الذاتية للتبعية، وتارة عبر استغلال أطماعهم وأحقادهم وتوريطهم.

ويمكن سريعًا المرور على أمثلة كاشفة ظهرت بعد اعلان ترامب لصفقة القرن المزعومة:

– في السودان وبعد الخطوة الخيانية التي ارتكبها عبد الفتاح البرهان بلقاء نتنياهو، وبعد تصريحه ان الخطوة انطلقت من مصالح السودان العليا، بدا جليا ان اللقاء هو عبارة عن مقايضة لرفع اسم السودان من قائمة الارهاب، وأنها تمت مقابل مساعدات ووعود بازدهار اقتصادي.

– في المغرب، تواترت التقارير عن محاولات لجر المغرب للموافقة على الصفقة وإجراء خطوات تطبيعية معلنة مقابل اعتراف دولي بسيطرة المغرب على الصحراء وسحب الاعتراف بالبوليساريو.

– في مصر، هناك رحلات مكوكية لوزير الخارجية المصري الى واشنطن لاجراء محادثات سد النهضة بوساطة امريكية، لعل امريكا تساعد في ازالة كابوس تعطيش مصر.

– وفي الخليج، الامر غني عن البيان، فقد تورطت السعودية والامارات في جرائم حرب في اليمن تتطلب حماية من المحاكمة، وهناك صراع قطري سعودي يتطلب حماية امريكية للطرفين.

– في تونس والجزائر هناك “دواعش” على الحدود يتم ترحيلهم من سوريا، اضافة الى امكانية تحريك ثورات ملونة.

أي أن العدو الصهيو – امريكي، يعلم هشاشة الأنظمة ونقاط ضعفها الناتجة بالأساس عن اختيارات ذاتية للتبعية وانعدام لارادة الاستقلال الوطني وما يترتب عليه من امتلاك الردع والتنمية المستقلة، ويقوم بالابتزاز والتركيع.

بينما نجد الأمر مختلفًا في محور المقاومة، حيث الفشل في التركيع وانتزاع التنازلات، واللجوء لسياسة أخرى هي الحصار وتشويه الصورة لقطع الطريق على التحام الشعوب بالمقاومة.

هنا يبدو الحل المباشر في ملعب الشعوب، بأن تزيد من التحامها بالمقاومة وتعبر عن غضبها ورفضها للاستسلام وتمسكها بالثوابت، وهنا لن يستطيع المفرطون فرض ارادتهم.

هذا الالتحام يضمن سرعة الحل، بينما المقاومون لن يضرهم من خذلهم، وهم ماضون في طريقهم مهما قل سالكوه، وربما تحتاج الأمور فقط لوقت وجهد أكبر، هم أهل له ولاحتماله.

إن صفقة القرن الحقيقية تقوم على شقين متوازيين، أولهما اتحاد قوى المقاومة التي تعلن عدم اعترافها بكيان العدو وأن فلسطين حرة من النهر الى البحر وأن هذا هو الأصل لا حدود فرضها العدوان، وثانيهما، هو التحام الجماهير بالمقاومة، وعلى طول وعرض خارطة الامة، فإن هذا الالتحام وخاصة من شعوب دول تخلت عن المقاومة، هو انقلاب استراتيجي يستحق لقب صفقة القرن، وهي صفقة شريفة لاستعادة المجد، وليست على غرار صفقات المرابين اليهود.