لا تتوانوا.. المعركة مع الشيطان تحتاج لتقوى مستمرة.
علي أحمد شرف الدين
لن نقول بأن اليمنيين أمة اصفاها الله على العالمين، وأنهم قوم يقف الله معهم بدعم غيبي منقطع النظير، وأنهم مصحوبون بلطف الله وكتبه وأنبيائه بصورة لافتة، ومع ذلك لو كان كل ذلك كذلك؛ لما كان لنا أن ننتظر أن يتنزل علينا نصر الله – نحن اليمنيين – إلا إذا كان لنا ارتباط وثيق بالله، وصلة دائمة به تعالى، وإلا فلن نكون أعز من بني إسرائيل، وهم الأمة والذرية التي اصطفاها الله في زمن مضى على سائر البشر، وجعل فيهم من رحمته وعنايته، ورعايته كما لم يكن لغيرهم من الرحمة والرعاية، ولكن هذا تغير، ففي وقت كانوا فيه متجاوزين لحدود الله، وعاصين لله؛ عند هذه الظروف لم يكن غريبا أن ينزل الله عقوبته العاجلة في الدنيا على من كان الأمة المصطفاة من بين سائر الأمم في حينه، والعقوبة العاجلة ليست إلا مقدمة لعقوبة لاحقة في الآخرة أشد وأقسى، لقد ضرب الله على بني إسرائيل الذلة والمسكنة، وجعلهم في أحط درجة بشرية في الشجاعة والكرامة والعزة والمنعة.
دعونا نتأمل، ونطرح هذا التساؤل على مسمع المتابعين الآن، إذا كان ميزان القوة اليوم يرجح لمصلحة الغرب الذي يمثل دائرة اليهود والنصارى، بل؛ لا مقارنة بين موازين القوى المادية معهم، فكل مؤشرات القوة المالية والاقتصادية والصناعية والعسكرية تشير بوضوح إلى أن ميزان القوة يرجح لمصحلة الغرب، وهم من يفترض أن الله ضرب عليهم الذلة والمسكنة، فماذا حصل؟ وما الذي غير واقعهم؟ وكيف انقلب حالهم الموصوف في القرآن الكريم بحال الذلة والمسكنة؛ إلى حال العزة والنصر علينا؟ إن الأمر في حقيقة لا يخرج عن احتمالين، إما أن واقعهم تغير، أو أن قراءتنا للواقع غير صحيحة، والاحتمال الأول غير وارد، فالقرآن الكريم كلام الله، وهو الحق المبين، وعلينا إذا لم نجد ما أخبر به مطابقا للواقع أن نتهم أنفسنا وليس أن نتهمه فيما أخبر به، فالعالم الغربي هو اليوم لا شك محط الذلة والمسكنة، وإن كان الواقع اليوم واقع يشهد بأنهم أصحاب القوة والمنعة والعزة، إلا أن المسألة مرتبطة بنا، فنحن من موقعنا كأمة إسلامية منحطة، أمة متخلفة، أمة مفككة، جاهلة، متناحرة، نحن من هذا الموقع صرنا نرى هؤلاء الأذلاء أعزة، صرنا نرى هؤلاء الضعفاء أقوياء، وهو ما يعنى أن وضعيتنا اليوم وضعية أذل من الذل، وأضعف من الضعف، وأحط من الانحطاط، حتى صارت الذلة بالنسبة إلينا كالعزة، صار الضعف والمسكنة بالنسبة إلينا قوة وسطوة، وهو ما ينبئنا ويخبرنا بوضوح أننا اليوم كأمة إسلامية صرنا محط غضب الله، ومحط عقابه العاجل في الدنيا، وسننقلب إليه يوم القيامة لنجد ما هو أكثر إيلاما لنا من عذاب الله وسخطه وإهانته، لنا ولمن عصوا وكانوا يعتدون، ولو أن نبيا يوحى إليه في أوساطنا، أو أن كتابا أنزله الله في عهدنا، لأخبرنا بصراحة بهذه الحقيقة، وأننا صرنا في حالة أسوأ من حالة بني إسرائيل حين غضب الله عليهم، ولعنهم، وضرب عليهم الذلة والمسكنة، وهذا هو ما يوحي به القرآن إلى من يتدبرون آياته.
نحن اليوم كأمة إسلامية مترامية الأطراف أمام فرصة لا تعوض، في أن نعود إلى الله، نعود إلى كتاب الله، ونعيش من جديد مع رسول الله، نتولاه، ونتولى أولياءه، حتى نخرج من هذه الحالة، وتصير كل هذه القوة المادية الغربية مجرد ضجيج، لا يقوى على الصمود أمام المساعي الحثيثة للمؤمنين الصادقين، والمجاهدين الطاهرين، المتنورين بنور القرآن، وهدى الرحمن، وتعود كل الموازين إلى سياقها الطبيعي، ويكون أهل الذلة والمسكنة هم اليهود لا سواهم، هم ومن تولاهم.
نحن اليوم في اليمن في طليعة الأمة لتصحيح هذه المعادلة المغلوطة، وإعادة الموازين في هذه المرحلة إلى السياق الطبيعي، فنحن كشعب يمني نهضنا في سياق هذه المواجهة التي فرضها العدوان السعودي الأمريكي علينا، نهضنا من واقع سيء، ونفضنا ركام السنين، وإرث المذلة والمهانة الذي لا يزال يرتع فيه معظم أبناء الأمة الإسلامية، ولذا سيكون الطريق محفوفا بالمعاناة، ولكنه مضمون النتائج بشرط واحد، نعم بشرط واحد، {إن تنصروا الله ينصركم}، وإن لم يتحقق فينا هذا الشرط فلن يتحقق نصر الله لنا، إذا لم نكن مع الله، وإن لم نكن في عين الله، ومحاطين برضاء الله، فلن نخرج من دائرة السخط الإلهي، وسيظل اليهودي الذليل والمسكين عزيزا علينا، قويا أمامنا، وسنكون أكثر عرضة للهزيمة، ولن تكون سكاكين داعش وحدها لنا بالمرصاد، بل سكاكين كل من ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة.
في الأخير يجب أن نتسلح في هذه المعركة بسلاح الوعي القرآني، ويجب ألا نتوانى، فالمعركة مع الشيطان تحتاج لتقوى مستمرة، ومتى ما توقفنا تقهقرنا وانهزمنا، لا وقت للاستراحة، شدوا العزائم، لا توفروا شيئا من طاقاتكم، ولا تركنوا إلى الذين ظلموا، كائنين من كانوا.