الخبر وما وراء الخبر

 العراق.. نقطة انطلاق التطورات الإقليمية بعد الخطأ الأمريكي

20

الوقت التحليلي- أعلن مسؤولون أمريكيون كبار مساء يوم الأحد، 8 كانون الأول/ديسمبر، أنهم استهدفوا ثلاثة قواعد لكتائب حزب الله العراقي المنضوية تحت قوات الحشد الشعبي وقاعدتين أخريين شرق الفرات.

هذه الخطوة الأمريكية، التي بررها وزير الخارجية ووزير الدفاع ومسؤولوهم العسكريون بأنها تأتي رداً على الضربات الصاروخية التي استهدفت قاعدة القوات الأمريكية ” کي 1″ في جنوب الموصل، تختلف عن إجراءاتهم السابقة ضد الحشد الشعبي في العراق والتي کانت تنفَّذ سراً، وهي أظهرت إلی العلن ما کان يتم سراً في كثير من الأحيان.

وقد أسفر الهجوم العسكري والانتهاك الواضح لسيادة العراق واستقلاله والذي استهدف القوات المسلحة العراقية، عن استشهاد 28 عسکرياً وجرح 51 آخرين.

هذا العمل الإرهابي مهم من عدة جوانب، حيث استهدفت هذه الخطوة أهم وحدة عسكرية عراقية لعبت دوراً هاماً في تدمير داعش، وهي الآن العقبة الرئيسة أمام نقل عناصر داعش من قبل أمريكا من سوريا إلی العراق، بالقرب من الحدود السورية ومحيط مدينة القائم.

کما أن موقع تواجد کتائب حزب الله العراقي يقع في الطريق الاستراتيجي للربط الجغرافي لحدود البوكمال، والذي يشكل طريق التواصل بين عدة دول إلى لبنان، وهو أحد مخاوف الکيان الإسرائيلي، بمعنی أن أمريکا قد فشلت في مشروع داعش الإرهابي، الذي عقدت عليه آمالاً كبيرةً في حدوث انقلاب إقليمي، وكان الحشد الشعبي وكتائب حزب الله العراقي السبب الرئيس لتلك الهزيمة، وأصبحت هذه القوات الآن أيضاً عنصراً استراتيجياً في التواصل الجغرافي لمحور المقاومة، الأمر الذي وفَّر ما يكفي من الدوافع للانتقام الأمريكي ضدهم.

بالطبع، إذا أضفنا أحداث الأشهر الثلاثة الماضية في العراق، والتي نُظِّمت في سياق خطة أمريكا لإثارة الفوضی بهدف السيطرة الكاملة على الشؤون العراقية، إلى التقييم الأمريكي لعوامل هزيمتها، فإن الأمريكيين يعتبرون مثلث المرجعية العليا في العراق وقادة المقاومة والحشد الشعبي والعشائر الغياری، هو السبب في عدم تحقيق الاضطرابات الأخيرة للنتائج المرجوة منها.

في الواقع، ينبغي أيضًا النظر في القضية المهمة في الخطط الأمريكية، وهي أن المستوی الأول من الخطط الأمريكية للسيطرة على العراق، تم إحباطه بوعي القادة العراقيين والشعب والمرجعية، مما أدی إلی فشل النتيجة المرجوة لأمريكا، ولذلك، لکي تبدأ أمريكا المستوی الثاني من خطتها لتقسيم العراق وتفعيل جيل جديد من داعش وتدريب الجماعات المسلحة في غرب الأنبار ونينوى،كان عليها أن تبدأ هذه المرحلة من خطتها بذريعة مقنعة.

لقد اعتقد المسؤولون الأمريكيون ولأن الهجمات المتكررة على مراكز الحشد الشعبي، إلی جانب أعمال الشغب والهجمات على مراكز الأحزاب الشيعية في العراق، لم تؤد إلی نتيجة تُذکر، اعتقدوا أن الهجوم علی کتائب حزب الله العراقي سيحقق عدة أهداف.

کما ظنوا أنهم سينتقمون لهزيمة مشروع داعش، وفشل مشروع الفوضى الأخير، ومن خلال بث الرعب عن طريق هجوم عسكري كبير، ستتوفر الأرضية لتفعيل داعش عبر الحدود بين سوريا والعراق، وتقسيم العراق وقطع الرابط الجغرافي لإيران مع لبنان.

كما ذكرنا، معظم هذه المشاريع التي تهدف إلى زعزعة استقرار العراق وتفكيكه أو قطع الصلة الجغرافية مع سوريا ولبنان، كانت في أولويات الکيان الإسرائيلي. وبناءً على التقارير الموجودة، توجَّه وزير الخارجية الأمريکي ووزير الدفاع وعدد من العسکريين الأمريكيين إلی لقاء ترامب فور الهجوم العسكري على كتائب حزب الله في العراق، ولكن لم يكن هناك أي رد فعل إعلامي من قبل ترامب.

ويعتقد المراقبون الأمنيون أن هذا الفخ قد نُصب من قبل تل أبيب لإدخال أمريكا في مرحلة جديدة من الصراع في المنطقة. ويری هؤلاء المراقبون أن ترامب کان يريد تغيير وزير الخارجية واستبداله بشخص آخر يتمتع بالسلوكيات الدبلوماسية، وذلك بسبب العديد من المآزق التي واجهها في السياسة الخارجية، حتی يصل الوزير الجديد في التفاوض مع إيران إلی نتيجة، لكن هذا النهج كان على حساب التيارات المتطرفة والتابعة للکيان الإسرائيلي ونتنياهو. لذلك، فقد أدخلوا كبار المسؤولين الأمريكيين في أزمة جديدة، بغض النظر عن عواقب هذا الهجوم العسكري.

لم يتصور هؤلاء المسؤولون الأمريكيون أبداً أن الهجوم العسكري العنيف على كتائب حزب الله، سيؤدي إلى رد فعل شعبي وحكومي واسع النطاق، يتحول إلی موجة جديدة من العداء للوجود الأمريكي في العراق أثناء تشييع جثامين الشهداء، ويزيد من التقارب والتضامن بين الجماعات العراقية وخاصةً الشيعة، وستخيِّم الأجواء الاحتجاجية الجديدة على مشروع الاضطرابات والأزمات المصطنعة الذي تديره أمريكا.

المسؤولون والجماعات العراقية المختلفة أدانوا الضربة العسكرية الأمريكية، باعتبار أنها تنتهك سيادة العراق واستقلاله، وقدموا الدعم الكامل لقوات الحشد الشعبي، ووفقًا لقرارات مجلس الأمن القومي العراقي، يُتوخى اتخاذ تدابير سياسية ودبلوماسية مختلفة لضبط السلوك والوجود الأمريكي في العراق.

كما وصفت المرجعية العليا العراقية ضحايا الهجوم الوحشي بالشهداء، وأجازت إبداء ردود الفعل تجاه أمريكا من خلال الأجهزة المعنية. ولذلك، في جزء من القرارات الأمنية للعراق، سيتوقف قادة الحشد الشعبي عن ممارسة حقهم القانوني والشرعي في معاقبة القوات الأمريكية، إلی حين تحقق الإجراءات الحكومية نتائجها.

كما أن الکتل الشيعية الرئيسة في البرلمان العراقي مصممة على إنهاء المعاهدة الأمنية الأمريكية في العراق، وإذا كان هناك أي عقبة أمام تحقيق هذا الهدف، ستقوم بتنشيط المقاومة المسلحة والمناهضة لأمريكا. وفي هذا السياق، أعلنت مصادر قريبة من الحشد الشعبي أن جميع القواعد الأمريكية ستصبح من الآن تحت الإشراف والمراقبة العملياتية والاستخباراتية الکاملة.

وفي أعقاب الاحتجاجات الشعبية ضد الهجوم الوحشي الأمريكي، والسيطرة علی أجزاء من السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء ببغداد، هرب السفير الأمريكي وعدد من العاملين بالسفارة، کما دعا ترامب ومسؤولون أمريكيون آخرون إلى حماية سفارتهم ودبلوماسيهم، وعن طريق تحفيز التيارات والشخصيات التابعة للأمريكا في العراق، طالبوا برد فعل من الحکومة لمنع المزيد من الضغط على الوجود الأمريكي في هذا البلد.

من الواضح أن خطأ البيت الأبيض في حساباته لم يؤثر فقط على خطة زعزعة الاستقرار في العراق، بل خلق أيضًا مأزقًا استراتيجيًا جديدًا أمامه، لأنهم بدخولهم دورًا وحشيًا وعلنياً في مهاجمة الحشد الشعبي، فقد سمحوا بردود فعل مشروعة وغير محسوبة ضد أنفسهم.

سيكون لهذا الحدث العسكري تداعيات بعيدة المدى على التطورات في العراق، والوضع الأمريکي في المنطقة، وظروف حلفاء أمريكا في المنطقة، والاتجاهات المرتبطة بسوريا واليمن ولبنان، والبداية ستکون من العراق.