دروس من هدي القرآن الكريم
في ظلال دعاءمكارم الأخلاق
الدرس الثاني
( ٦ )
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 2/2/2002م
اليمن – صعدة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
نحن أيضا عندما نتعلم الإيمان يجب أن نتعلمه بالشكل الصحيح، وهو ما نحاول جميعا أن نصل إليه بإذن الله, أن نكون مؤمنين بما تعني الكلمة، أن يكون الإنسان مؤمنا مصدقا بوعد الله مصدقا بوعيده، بوعده له كولي من أوليائه, ووعيده لأعدائه حتى كيف سيكونون في ميدان المواجهة مع أوليائه ضعافاً.. أذلاء، الله قال هكذا عن الكافرين, وقال هكذا عن اليهود والنصارى: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ}(الفتح: من الآية22) كما قال عن اليهود والنصارى: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} (آل عمران:111).
نحن ليس في عقائدنا: أن الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) يشفع لأهل الكبائر فيدخلون الجنة بشفاعته دون أن يكون قد حصل منهم في الدنيا توبة, ولا تصميم على التخلي عن تلك الكبائر, ولا رجوع عنها كما هي عقيدة الآخرين. نحن عقيدتنا: أن من مات عاصيا لله سبحانه وتعالى متجاوزا لحدوده وإن كان يقول: لا إله إلا الله, وإن حمل اسم الإيمان فإنه فعـلاً ممن ينطبق عليه وعيد الله للمجرمين وللعاصين وللمتجاوزين لحدوده {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّين وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ} (الانفطار:16) ونحن من يجب أن يكون إيماننا قويا, وخوفنا من الله عظيما.
لأن أولئك يطمئنون أنفسهم بالشفاعة وهي وهمية على ذلك النحو الذي يقولون هم, أما نحن فليس في عقيدتنا الشفاعة – على ذلك النحو – لأهل الكبائر, فنحن من يجب أن نخاف الله سبحانه وتعالى على أن لا نكون في واقعنا تاركين لشيء مما يجب علينا أمامه فنكون بذلك مرتكبين لكبيرة، نكون مرتكبين لكبيرة من كبائر العصيان التي تؤدي بالإنسان إلى الخلود في النار.
الزيدية يجب أن يكونوا أكثر المسلمين اهتماماً, وأن يكونوا أول المسلمين انطلاقة في مواجهة أعداء الله، وأن يكونوا أكثر المسلمين وعياً إيمانياً؛ لأن معتقداتهم خطيرة جدا عليهم، وليس شيئاً انتحلوه أو بحثوا عن التثقيل على أنفسهم؛ إنه منطق القرآن، إنه هو الذي هدد بالخلود في النار لمن يتجاوز حدوده حتى فيما يتعلق بقسمة المواريث ناهيك عن الأعمال الأخرى التي يترتب عليها إقامة الدين, والحفاظ على الدين, وعلى الأمة.
ونحن إذا رجعنا إلى أنفسنا فعلاً نجد أننا ما نزال – وإن كانت معتقداتنا من حيث المبدأ صحيحة – لكن هناك نقصاً كبيراً في وعينا, وعينا للواقع من حولنا، ووعينا لما يمكنا أن نعمله.. لدينا المراكز منتشرة في مناطق كثيرة.. مراكز فيها أساتذة وفيها طلاب علم, كنا نسمع من بعض الشباب داخل هذه المراكز ممن قد تجاوز دورتين أو ثلاث ويرى أنه قد اكتمل إيمانه فهو يبحث عن ماذا بقي أن نعمل, يجب أن نعمل شيئاً.. ثم وجدناهم أنفسهم وإذا بهم في هذه الأيام على الرغم مما تكرر من جانبنا من حديث حول أهمية رفع شعار: الموت لأمريكا والموت لإسرائيل يواجهون هذا الكلام ببرودة وكأنه شيء لا أهمية له ولا قيمة له.
إذاُ فلنقل: نحن لا نزال في وعينا قاصرين جدا.. إذا كنت بعد لم تفهم وأنت تسمع تهديد أمريكا لدول الإسلام والمسلمين جميعا وللدول كلها داخل هذه المنطقة، وأنت من سمعت أن هذا الشعار كان يعمل عمله، وهذا الشعار الإمام الخميني هو الذي وضعه وهو الشخص الحكيم الذكي الواعي.. ثم لا ترفع هذا الشعار.. أليس هذا يدل على أن وعيي ما يزال قاصرا، وأنا أحمل اسم أستاذ.. أستاذ يعني: مربي ومعلم داخل هذا المركز, وأعمل جلسات روحية داخل هذا المركز أو ذلك المركز.
إنك لا تستطيع أن تعمل شيئا في أرواح الآخرين إذا لم تهيئ أنفسهم بالشكل الذي يمكن أن يحصلوا على تأييد من الله, وهداية من الله سبحانه وتعالى, هو الذي سيصنع أرواحهم.
الإمام زين العابدين هنا يقـول: ((وبلغ بإيماني أكمل الإيمان واجعل يقيني أفضل اليقين)) الله هو الذي سيجلس – إن صح التعبير – ليعمل معك جلسة روحية إذا كنت مهيئا لنفسك، أن أجلس معك أريد أن أعمل معك جلسات روحية أهذّب نفسيتك لا يمكن، {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ}(الأنفال: من الآية63).
لو كان منطقي ما كان – وهذا ما كررته أكثر من مرة – أو كان في أوساطنا حتى محمد (صلوات الله عليه وعلى آله) وهو لا يوجهنا إلى تلك الأساسيات في الإسلام التي هي الأسباب الرئيسية لأن يتدخل الله فهو الذي سيصنع في أنفسنا تهذيبا لها, وإكمالا لإيمانها, ويقيناً راسخاً في أعماقها.
كم كنا نرشد – ولا نزال – عن الألفة والأخوة والمحبة وحسن التعامل فلم نجد له أثراً، حتى عرفناأخيراً بأنه فعلا لن يكون لهذا أثر إذا لم يكن لدينا اهتمام بالقضايا الكبيرة التي على رأسها: العمل في سبيل الله, لإعلاء كلمته, ونصر دينه, وفي مواجهة أعداء الله الذين يصدون عن سبيله ويظلمون عباده.
إذا ما توجه الناس إلى هذا، إذا ما وجهت طلابك إلى هذا فإنك من سترى نفوسهم – إذا كانوا يصغون إلى ذلك التوجيه – مهذبة مليئة بخوف الله, بالخشية من الله, وهم من سترى أعمالهم وتعاملهم فيما بينهم حسناً.
جلسات روحية وأنا لا أعرف بعد: أن التربية الجهادية هي من ستصنع الروح، هي من ستصنع الروح المهذبة, الروح الزاكية، الروح السامية، الروح التي تجعل صاحبها نورا في أي مكان كان، تجعل صاحبها عنصرا خيرا وفاعلا في أي مجتمع كان.
إذاً فلنقل لأنفسنا نحن أيضا، ولسنا فقط نتحدث عن الآخرين, عن الوهابيين أو غيرهم, بل نتحدث أيضا عن أنفسنا: أنه يجب ونحن نعلم في مراكزنا, في مساجدنا, في أي مكان, أن نعي هذه المرحلة التي نحن فيها.
والشيء المؤسف أنها – فيما يبدو – نفسية عربية عند العرب جميعا أنهم لا يحسبون أي حساب للخطر المقبل عليهم إلا بعد أن يطأهم ويقصم ظهورهم.. لكن أولئك هم إذا ما رأوا أن شيئا فيه خطورة عليهم محتملة احتمالا ولو واحد في المائة, ولو بعد مائة عام, هم من سينطلقون للقضاء على منابع ذلك الخطر.
ألسنا نسمع تهديد أمريكا؟ ومن المحتمل جدا أن تضرب السعودية, وتستولي على الحرمين كما استولوا على القدس.. فهل نحن منتظرون حتى يعملوا عملهم هذا ثم حينها سنصيح ونقول شيئا؟! ربما لو صرخ المسلمون من الآن – فيما أعتقد – لو صرخ المسلمون من الآن وارتفعت شعارات السخط التي توحي بسخطهم على أمريكا وإسرائيل من الآن لتوقفت أمريكا, وتوقفت إسرائيل عن أن ينفذوا الخطة التي يريدونها سواء ضد الحرمين, أو ضد أي شعب آخر.
هذه الصرخة وحدها التي نريد أن نرفعها, وأن تنتشر في أي مناطق أخرى وحدها تنبئ عن سخط شديد، ومن يرفعونها يستطيعون أن يضربوا أمريكا, يضربوها اقتصاديا قبل أن تضربهم عسكريا، والاقتصاد عند الأمريكيين مهم يحسبوا ألف حساب للدولار الواحد.
إن هؤلاء بإمكانهم أن يقاطعوا المنتجات الأمريكية, أو منتجات الشركات التي لها علاقة بالأمريكيين, وباليهود أو بالحكومة الأمريكية نفسها, وحينئذ سيرون كم سيخسرون؛ لأن من أصبح ممتلئا سخطا ضد أمريكا وضد إسرائيل أليس هو من سيستجيب للمقاطعة الاقتصادية؟ والمقاطعة الاقتصادية منهكة جدا.