الخبر وما وراء الخبر

 دروس من هدي القرآن الكريم

51

(ملزمة خطورة المرحلة)

( 4 )
ألقاها السيد/حسين بدر الدين الحوثي بتاريخ: 3 محرم 1422هـ الموافق: 16/3/2002م اليمن – صعدة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
نرجع إلى القرآن الكريم، هل فعلاً هذه حقيقة، أنه طبع الدنيا على هذا النحو، أم أنه قال: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}(الروم41) {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}(الشورى30)؟ ألم يتحدث بأن الدنيا، كل ما يحدث فيها مما هو ليس طبيعي: فساد، منكر، إذلال، خزي، هو من عمل الناس، من عمل المجرمين ضد الآخرين، ومن عمل المؤمنين هم بتقصيرهم، في تقصيرهم، تقصير يؤدي إلى هذه الحالة: {لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(البقرة114). فنحن عندما نكون طلاب علم يجب أن نهتم اهتماماً كبيراً بالقرآن الكريم، وننظر إليه نظرة من تهمه هذه الأوضاع التي نعيش فيها، وأن نعرض هذه المشاعر التي لدينا مشاعر مغلوطة [بأن هذا حال الدنيا]، مما قد يوحي للبعض، أو قد يكون ممن يرى نفسه مؤمناً، يوحي له بأنه [أيام معدودة، نصبر عليها، ثم في الآخرة – إن شاء الله – ننتقل إلى العزة والكرامة والرفعة والنعيم المقيم في الجنة]! كلنا نظن هذا جميعا، وكلنا نقول هذه جميعاً!. وعندما يتأمل الإنسان القرآن الكريم بشكل حقيقي يرى أن هذه ليست حقيقة: أنك تكون في الدنيا تعيش حالة خزي، وذلة، وتنتظر في الآخرة رفعة، وعلواً، ونعيماً مقيماً. ثم هل ما يصيب المؤمنين وهم في حال المواجهة، هل هو يعد من الخزي، والذلة؟ لا يعد أبداً؛ لأنك عندما تنطلق في ميدان المواجهة في سبيل الله، وضد أعداء الله، تعيش حالة من الارتياح فيما أنت عليه، وما يصيبك من عناء، ما يصيبك من تعب ليس معدوداً في قائمة الذلة، وليس معدوداً في قائمة الخزي في القرآن الكريم أبداً، معدودة كلها أعمال صالحة، تعد كلها أعمال صالحة، ويكون من هو منطلق في هذا الميدان في سبيل الله، ومن أجل الله يعدها كلها أعمال صالحة، لا يشعر أنها خزي، ولا يشعر أنها ذلة. لكن عندما يكون الناس قاعدين، لا يقفون أي موقف، ويرون أنفسهم في وضعية كهذه فإن هذه هي الخزي، وهذه هي الذلة، لا مخرج لنا فيما أعتقد، فيما أعتقد، لا مخرج لنا إلا بأن نعود إلى الله سبحانه وتعالى، وأن ينهض الناس بمسؤوليتهم في مواجهة اليهود والنصارى، ينهض الناس لمواجهة اليهود والنصارى، وأولياء اليهود والنصارى، وكل من يقف معهم، ولنجرب الله سبحانه وتعالى، على أساس ما وعد في كتابه، وإلا فلنفهم أننا سنعيش أخزى العرب، نحن الزيدية، ونحن أهل البيت، في هذا البلد سنعيش حالة هي أشد مما يعيشه بقية العرب. أولسنا الآن عندما نقيِّم واقعنا، نحن حتى فيما يتعلق بالوسائل لا نمتلك أي شيء من الوسائل، أليس السنة يمتلكون أشياء كثيرة؟ الزيدية هي الطائفة التي لا تمتلك شيئاً، ليس لدينا إذاعة، ولا قناة فضائية، ولا مطبعة، ولا مراكز علمية، ولا جامعات، ولا دور نشر، ولا شيء.. هل نمتلك شيئاً؟ لا نمتلك أي شيء من الإمكانيات! بينما الآخرون من يمتلكون أشياء أخرى. إذا لم ننتبه لأنفسنا – أيها الإخوة – إذا لم ننتبه لأنفسنا فيحتمل أن نكون من أشد الناس معاناة في المستقبل، في هذه الأحداث بالذات، وقد رأينا بأم أعيننا كيف أن الأمريكيين دخلوا اليمن، وسمعنا جميعاً أن الأمريكيين دخلوا اليمن، وأن هناك حملة إعلامية ضد اليمن، تهيئ الرأي العام لتقبل أن يفد إلى اليمن الأمريكيون بشكل جنود، وقد دخلوا فعلاً اليمن. عندما يدخلون اليمن ماذا نتوقع؟ هم يقولون بأنه من أجل مساعدة الحكومة في مكافحة الإرهابيين! كم يوجد في اليمن إرهابيين؟ ألم يدخل اليمن في حرب في عام 94؟ هل احتاج اليمنيون إلى مدربين؟ أو احتاجوا إلى مساعدين من أطراف أخرى؟ أما الآن فلماذا بعد أن قال الرئيس: هناك ثلاثة إرهابيين فقط عند بعض القبائل نحتاج إلى مساعدة من أمريكا، وتدخل فرق من الجيش الأمريكي إلى اليمن لمساعدتنا في مكافحة الإرهابيين؟! كلها تبريرات. ثم نحن قد نقول، نحن الزيدية رأينا أن الإرهابيين يقال عنهم هم الوهابيون! الإرهابيون الحقيقيون لدى أمريكا، ولدى اليهود هم الزيود، وليس الوهابيون، هم الشيعة، إن العدو الحقيقي لليهود هم الشيعة، هم أهل البيت وشيعتهم، وليس الآخرون، فما جرى على أولئك سيجري علينا، وإن كنا ساكتين نغمض أعيننا. أولم تسمعوا أنتم أن العبارة التي رددت عندما جاءت زيارة لوفد أمريكي من وزارة الدفاع، حوار حول التعاون، ومساعدة أمريكا لليمن في مكافحة الإرهاب، ومنابع الإرهاب، وجذور الإرهاب! هذه العبارات هل هي عبارات عادية عند الأمريكيين؟ هي عبارات عندنا أيضاً عادية، لا تثيرنا، ولا تثير مشاعرنا، ولا تثير اهتمامنا عندما نسمع منهم: منابع الإرهاب، وجذور الإرهاب؟!. الفكر الزيدي في قائمة منابع الإرهاب، القرآن الكريم في قائمة منابع الإرهاب، رسول الله إرهابي، أهل بيته هم أهل بيت الإرهاب، قرناء القرآن هم قرناء لكتاب إرهابي، مراكزنا إذاً تكون إرهابية، مدارسنا إرهابية، حلقات الدرس في بيوتنا، ومساجدنا إرهابية، كتبنا إرهابية لديهم.. هذه العبارة ليست عادية. إذا ما سمحنا بأن تمر الأشياء على هذا النحو فسنكون أكثر من يعاني، سنكون أكثر من يتضرر حقيقة. متى سنعمل بعد عندما نقصر في وقت يمكننا أن نصرخ فيه بما يعبر عن موقف قوي ضدهم، كما هو الآن يُرفع الشعار في مناطق أخرى، عندما نسكت عن مثل هذا، عندما نسكت عن أن يكون لنا موقف من هؤلاء في ظروف كهذه ربما في المستقبل لا نستطيع أن نعمل شيئاً؛ لأنهم الآن يحاولون أن يعمموا في اليمن أن تكون كلمة مقبولة، وأن تكون شرعية مطلقة مقبولة. أي شخص تحت عنوان أنه إرهابي يُمسك، أي مدرسة تحت عنوان أنها إرهابية تُغلق، أي كتب تحت عنوان أنها من منابع الإرهاب تُحرق، يكون مقبولاً لدى الشعب، أوليسوا يعممون هذه لتكون مقبولة لدى الشعب كشرعية؟. قالوا إرهابي أمسِكوه؛ لأنه إرهابي، قلنا: يستاهل، قالوا: هناك إرهاب.. يعممونها، ويرددونها على أذهاننا، كما هي عادة اليهود أن يروضونا على الشيء حتى يصبح لدينا شرعياً ومقبولاً، حينها سيحصل ما يحصل، وفي الأخير لا أحد يتحرك، ولا أحد يعمل شيئاً، وحينئذٍ ربما – وهو الشيء المخيف – أنه متى ما قصر الناس فإن الله سبحانه وتعالى من جهته أيضاً يتخلى عنهم، بل يضربهم هو، وهذا الشيء المخيف، أن الناس عندما يعملون يعدهم الله بأن يقف معهم، وينصرهم، وعندما يقصرون يضربهم هو، عندما يقصرون يضربهم هو، ويضربهم العدو أيضاً فتكون في مواجهة جهتين تضربك. لكن إذا ما عملنا، وعندما نتحدث بهذا المنطق قد نراه عملاً مستبعداً، أو نراه شيئاً لا يهمنا، لو كنا نتحدث في الماضي أن من مسؤوليتنا هذا الشيء، والأمريكيون لا يزالون في بلدانهم، وليس هناك من وجود لإسرائيل في العالم العربي لكان هو المنطق الإسلامي الصحيح، لو كنا نتحدث بهذا المنطق: أن واجبنا نحن الزيدية أن نعمل في سبيل الله، وأن ننهض بالإسلام، وإن كان الأمريكيون هناك، وأن نعمل على أن نكون نحن بدل أولئك، أوليس الأمريكيون الآن، والألمان، والفرنسيون, والبريطانيون هم المجاهدون في البحار؟ هم من يحملون السلاح، ويتحركون في هذا العالم؟!. ألم يكن هذا هو الدور المطلوب من العرب؟ ألم يكن هذا هو الدور المطلوب من آل محمد، ومن شيعة آل محمد؟ إنه الخزي أن نكون – وهذا هو مظهر من مظاهر الخزي – أن نكون هنا في اليمن لا يحركنا شيء، ونحن نسمع أن الألمان، والفرنسيين، والبريطانيين، والأمريكيين، يخرجون كما كان يخرج أوائل المسلمين، فرق في البحار، يحملون أسلحتهم في مختلف بقاع الدنيا. هل كان هذا هو الدور المطلوب من المسلمين؟ هل هو الدور المطلوب من العرب؟ أم أنه قد انعكست الموازين فهم في البحر الأحمر، سفن أمريكية، فرق من الجيش، وفي اليمن، وكم في مناطق أخرى في البلاد العربية!. لو لم يكن شيء من ذلك كله لكان ما نقوله الآن هي المسؤولية الإسلامية، أن يصل الناس بالإسلام إلى هناك، أما إذا أصبحنا على هذا النحو، نرى أن حديثاً كهذا لا معنى له، ولا قيمة له، ولا هناك أي موجب أن يكون هناك تغيير في موقفنا، وأن نعمل، أن نعمل على أن نكون أصحاب موقف، ولو بأن نرفع شعاراً، ونحن قد رأيناهم غزونا إلى عقر دورنا، ونحن قد رأيناهم في سواحلنا، ونحن قد رأيناهم فرقاً تجوب البحار من مختلف المناطق، فإن ذلك هو مظهر من مظاهر الذلة، والمسكنة، فلنقر بذلك، فلنقر بذلك، وأنه التيه الذي عاشه بنو إسرائيل: {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ}(المائدة26) حالة تيه، تيه نفسي, تيه فكري، مشاعرنا كلها تاهت، الخطر على أبوابنا، ونحن لا نحس بشيء، ولا نصدق ما يقال، ولا نهتم، ولا نكترث! أليس هذا هو التيه؟ هذا هو التيه. بعد أن قال موسى لقومه: {ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ}(المائدة21) قالوا نفس المنطق الذي نقوله الآن، وكنا نقوله أيام حزب الحق، {قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا}(المائدة24) ألم يقولوا هكذا؟ ماذا حصل؟ {قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ}(المائدة23) قال رجلان، ألم يعتد الله سبحانه وتعالى بقول رجلين من تلك الأمة؟ وهناك – أيضاً – في تلك الأمة عبادها، وعلماؤها، ووجهاؤها؛ لكنهم كانوا في الصف الآخر الذي يقول: {لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا}(المائدة24). كلام رجلين وضعوا خطة لدخول تلك الأرض المقدسة التي قد كتبت لهم، وقد كتب الله للعرب في القرآن الكريم، وكتب لمحمد وآل محمد، وشيعة آل محمد في القرآن الكريم أكثر مما كتبه لبني إسرائيل. {قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} أليست هذه خطة حكيمة في الواقع العملي، وفي الواقع النفسي؟ إن كنتم مؤمنين فتوكلوا على الله، وانطلقوا في هذا العمل، رجلان قالا هذا الكلام الذي هو إيقاظ لأمة. أوليس من المفترض أن في ذلك الصف الآخر علماؤها، وفيهم عبادها، وفيهم قراؤها، في الجانب الآخر؟. رجلان.. لم يقل: عالمان، ولم يقل: شيخان، أو وجيهان.. رجلان، لكن الرجلين لما جاءوا بخطة حكيمة، وانطلقوا ليوقظوا أولئك إلى أنه يجب عليهم أن ينطلقوا في مسؤوليتهم، وإذا كانوا مؤمنين فعليهم أن يتوكلوا على الله، هو منطق القرآن الكريم لنا، إن كنتم مؤمنين فلتتوكلوا على الله. أليس منطق القرآن بالنسبة للمؤمنين أن يتوكلوا على الله؟ وتكرر في القرآن كثيراً. {قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} أليست هذه حالة سيئة من الرفض؟ كنا نسمع مثيلها أيام [حزب الحق] من بعض علمائنا، كنا نقول: نتحزب، هذه فرصة لنا نحن، نحن أحوج الناس إلى أن يكون لنا حزب، نحن من نحن ضائعون، وتراثنا ضائع، ومذهبنا محارب، نحن مَن مسؤوليتنا كبيرة، نحن كذا… قالوا: [ما هم راضين لنا] كانوا يقولون هكذا: [ما هم راضين لنا نتحزب] أي: ليرضوا لنا أولاً، وليمنحونا تصريحاً، وليمنحونا ضمانة بأنه لن يمسنا من جانبهم سوء، ولن يعملوا أي تحرك ضدنا، ونحن إذاً سنتحزب!. {لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} {إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ} جبارين {وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}(المائدة22). هكذا واقعنا أيضاً، الحالة التي نحن عليها هي حالة من ليس مستعداً أن يعمل شيئاً أبداً وإن كان يتعلم هذا الدين الذي كله عمل، هذا القرآن الكريم الذي كله عمل، وكله هداية، وكله وعود إلهية عظيمة، لن نعمل شيئاً إلا بعد أن ينتهي كل شر من هذه الساحة، من هذه الدنيا، فلا يكون هناك أمريكا، ولا يكون هناك إسرائيل، ولا يكون هناك أي دولة نخافها، ولا يكون هناك أي حزب نخافه، حينئذ سنعمل!. أليس هذا منطق بني إسرائيل؟ ماذا حصل على بني إسرائيل؟ بعد أن طُلب منهم أن يدخلوا بأمر من موسى، وبعد أن عُرضت عليهم خطة حكيمة، ووعدوا بالنصر، باعتبارها قد كتبت لهم {قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (المائدة262) تيه أربعين سنة.