الخبر وما وراء الخبر

الإيمان بهويتنا بوابة الاستقلال

33

ذمار نيوز || مقالات ||
[ 28 نوفمبر 2019مـ -1 ربيع الثاني 1441ه ]

بقلم / محمد علي الحوثي *

إن أول هدف للاستعمار تمثل في سلخ الشعب من هويته المستقلة، باستهدافه في مفاهيمها، قيمها، مبادئها، لكنه هزم أمام الهوية الجهادية التي جعلت من أبناء الشعب وثابين في الدفاع عن وطنهم وفدائيين عن شعبهم، لأنها هوية رفضت الارتزاق والعمالة والإذلال، وأعلنت المواجهة حتى النصر.

إن المستقرئ للأحداث التي عصفت بالمنطقة منذ الحرب العالمية وإلى اليوم يدرك جيدا أن الشعوب التي تحظى بالوعي الكامل بأهمية ماضيها وتعتز بتاريخها ونضال أبنائها لم يستطع الاستعمار السيطرة عليها، وبات واقعها واقعا مغايرا لما يريده أعداؤها.

ونحن عندما نستذكر التجارب الماضية للأبطال اليمنيين نعرف أهمية الحاضر المواجه للعدوان الأمريكي السعودي الإماراتي وحلفائه المجرم من خلال معرفة الاختلاف في المفاهيم أو ثباتها، فالشخص الذي استمع إلى نضال آبائه ودفاعهم وجهادهم من أسرته ومن تاريخه وما تناقله عن كبار قبيلته أو مدينته لم يندفع أبدا إلى الارتماء في أحضان العدوان، ولن يذهب، لأن له تاريخا وله حضارة يعتز بها، وهو بعد لم يتأثر بالمد الثقافي أو المذهبي الذي ينظر إلى الموروث اليمني نظرة الاستحقار وينظر إلى وجوب إسلام الشعب وإعادة تجديد العقود و…الخ،

إنه بعد لا ينظر إلى مرجعيته ولا يدين بالولاء لحكام بدولة عربية أو إسلامية، وهو لا يمكن أن يربط مستقبل الجمهورية اليمنية أو مستقبل أي جزء – محافظة أو مديرية أو كيلوهات – من خارطة الوطن بأوامر هذه الدول، ولن يجعل الارتماء بأحضان العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي وحلفائه مفخرة يضاهي بها من على شاشة التلفاز.

إن من يحافظ على هويته لا يمكن أن يتقبل أوامر أعداء الوطن ويعلن البيعة لهم.

إن من يقدّر تضحيات آبائه وأجداده في طرد الاستعمار لن يقبل ببيع الوطن وإذلاله حتى ولو كان يرى الجميع ضده، ولا يمكن أن يضع يده بيد الغازي لتدمير بلده وقتل أبنائه.

إن الهوية الإيمانية التي لا تمجد الخونة والطغاة هي الهوية التي لا تعتقد أبدا ولا تؤمن بـ (أطع الأمير وان قصم ظهرك) فهي ليست من الدين ولا تتطابق مع القيم ولا تقبلها المبادئ.

إن الهوية اليمنية الثورية هي التي ظلت تحقق الاستقلال وتقاتل الغازي وترفض المستعمر، وهي من اتخذت من علماء الثورة عبر التاريخ نماذج صنعت من تضحياتهم عنوانا لتلك الطريق المعبدة، والتي أوقد لهيبها الرسول محمد صلوات الله عليه وعلى آله بثورته العارمة ضد الشرك والطاعة العمياء للأصنام، والتي كان المجتمع قد وصل إليها وعمل بها.

وما كان لهذا النبي أن يقبل أو أن يأمر بطاعة الطغاة ولا أن يقبل بتربع المجرمين على الشعوب.

ولو كان ذلك حقا لقَبِل به الإمام الحسين بن علي أو لقَبِل به الإمام زيد أو غيرهم ممن جعل نسمات العدالة معارج لدق أبواب الحرية,

وهو يعرف ويستيقن من أن :

للحرية الحمراءِ بابٌ بكل يدٍ مضرجةٍ يدقُ

إن القيم بما تعنيه من استقلال وتحرك وجهاد لا يمكن أن تقبل بالركوع لغير الله، والوطني الثائر لا يحمل قائمة من الحقوق والرغبات أمام العمل المقدس بل يضعها جانبا في مواجهة الغزاة والمعتدين، ولا يمكن لقيمه أن تسمح له بالانقلاب عليها أو على من يقف في الطريق نفسه وإن اختلف معه، لأن ذلك يعني أنه ممن يوجه طعنات غدر وخيانة إن كانت مدفوعة بنزعة نفسية وهوى فضلا عن إن كانت بتنسيق مع العدو وتآمر على البلد والمدافعين عنه.

إنها الجريمة النكراء والفضيحة الشنعاء التي تعني نسف القيم بجميعها، والتي تثبت خسارة وشقاء من يرتكبها.

فالقيم هي الصدق والأمانة والوفاء والعدل وعدم الابتزاز وكل فضيلة، ومجموعها لا يؤخر الفرد عن الدفاع عن الوطن قولا وسلوكا وعملا واجتهادا لحماية الوطن والشعب، لأن من يحمل القيم هو من يعرف المبادئ التي تعني الحفاظ على الهوية والقيم والتي تحقق النتيجة بالاندفاع نحو الحفاظ على الوطن وحماية الشعب وتنميته واستقلاله.

فلا قيمة لمبادئ لا تحافظ على الوطن، ولا قيمة لمبادئ لا تحافظ على استقلال، ولا قيمة لمبادئ لا تحافظ على هوية وموروث، ولا قيمة لحرية تبيح الوطن لبيعه في أسواق الارتزاق، ولا قيمة لوطني يذهب بعيدا عن الوطن للحفاظ على مصالحه ونفسه، بل مثل هؤلاء هم عاهة يحملون شخصيات نفعية مادية، ولا فرق بينهم وبين من يقف مع العدوان في الموقف، فمن لا يدافع عن الوطن، ومن ينأى بنفسه ويرى نفسه وماله أكبر من الشعب معتقدا أن سياسة البقاء فوق الشجرة واقتناص الفرص سياسة حكيمة لا يمكن أن يكون رجل مستقبل ولا رجلا تهمه مصالح الوطن، لأنه لا يمكن أن تجتمع في رجل تهمه المصلحة العامة الحفاظ على مصالحه الخاصة، فهما ضدان.

لذلك – وعودة إلى البدء – لقد هُزمت بفضل الله تعالى الثقافة الدخيلة بجماعاتها وإمكاناتها، وتحصن الشعب من هذه الثقافة التي ظهرت نماذجها وهي تسحل وتقتل وتغتال وتحرق وترجم وترهب بطيرانها وبعناصرها، وعرف الشعب أن تلك الثقافة والمد المذهبي وتلك المرجعيات تصدر من شيوخ وعلماء أعطوا فتوى الجرائم التي ترتكب قصفا وحصارا وتجويعا، وأدرك الشعب كمية الحقد والكراهية التي وجهت ضده من على قنوات حزبية ورسمية وعبرية وأمريكية وبريطانية وكلها أكدت على وجوب قتل الشعب واحتلاله.

وتيقن الشعب من أن الأوفياء لهذا الشعب هم أبناؤه ممن حملوا أرواحهم على أكفهم وهم يقارعون أعداءه.

وتيقن الشعب من أن الهوية اليمنية الجهادية الثورية التي ترتبط بالقيم والمبادئ اليمنية هي التي تفجرت بركانا لم يتوقف طيلة الخمس سنوات، وأنها هي الحامية والمدافعة تحت قيادتها التي لا يمكن أن تقبل بالعمالة أو الارتزاق، وأن القيادة بما تحمله من مشروع تحرري مستمد من نظرة ثاقبة ورؤية ناضجة مكنتها من إفشال المؤامرات والتغلب على التحديات هي الجديرة بمواصلة الطريق حتى الانتصار وتحرير الوطن من الاستعمار الجديد، وهي الأقدر على أن تحقق للشعب بهويته الإيمانية الحقيقية الاستقلال.

ولعل أدل شيء على أهمية الهوية بمدلولاتها السابقة الذكر أن من فقدها يقبع اليوم رهين الارتزاق ولا يستطيع أن يقدم شيئا لوطنه غير الدمار ولا يمكن له حتى التعبير عن مناسبات الوطن التي تلعن طريقه والسائرين عليه شعرا ونثرا.

ونحن نُقْدِم على عيد الاستقلال عيد الجلاء من المستعمر القديم تحت احتلال المستعمر الغازي الجديد المعتدي الأمريكي البريطاني السعودي الإماراتي الذي يقاتل المرتزقة تحت رايته اليوم وحمايته ويأخذون خططه لتجزئة الوطن والتفرقة بين أبنائه .

إن الاستقلال لن يتحقق فعلا إلا بالخروج من عباءة هذه الدول و الانفتاح على العالم بلغة العلم والعالم، والاستقلال لن يتحقق إلا بخروج المستعمر من أذهاننا والإيمان بهويتنا ولغتنا مع الانفتاح على اللغات الأخرى.

الاستقلال لن يتحقق و نحن نحِنّ للمستعمر وثقافته

وكذلك لن يتحقق و نحن نرفض ثقافتنا و تاريخنا و صناعتنا وحضارتنا.

الاستقلال يبدأ من داخلنا و ليس بمجرد إحياء ذكرى تاريخية بطريقة فولكلورية أو برتوكولية.

* عضو المجلس السياسي الأعل