الرّسول .. رسالة عالمية قابلة للتطبيق
ذمار نيوز || مقالات ||
[ 30 اكتوبر 2019مـ -1 ربيع الاول 1441ه ]
بقلم المجاهد / فاضل محسن الشرقي
قدّمت بعض الطّروحات, والكتابات, والخطابات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, ودين الإسلام بطريقة مغلوطة, أطّرته بأطر قوميّة, وقزّمت دوره, وحجّمت رسالته التي جعلها الله الرسالة العالميّة الخاتمة, وهو الرسول العالميّ الخاتم, وقد أمره الله بالصّدع بهذا عالمياً في قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا….الخ﴾[الأعراف:158], وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُون﴾[التوبة:33], وفي آية ﴿وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون﴾[التوبة:32]، وللأسف الشديد أنّ الخطاب القرآني الذي يُبرز سِعة حجم الرّسالة, ودور الرّسول لم يعد هو الرّؤية المعمول بها في السّاحة الإسلامية الثّقافيّة, والسّياسيّة اليوم, بل ترى كثيراً من مصادر, وكتب التّراث, والموروث الإسلاميّ الفكريّ, والفقهيّ تتعاطى مع الرّسول, والرّسالة بأفق ضيق, ودور محدود, وكأنّه نبيّ للعرب فقط, حتّى ساد هذا الخطاب, وأصبح هو الثقافة الّتي يعتمد عليه كثير من قادة الفكر, والسّياسة في مواجهة الصّراع الحضاريّ, أو ما يسمى (بحوار الحضارات أو الأديان).
بينما الخطاب القرآني هو الذي يعيّن وظيفة الرسول, ويحدّد دوره ورسالته, ولقد استطاع أهل الكتاب التغلغل وسط هذه الثقافة الزائفة لتقليص دور الرّسول والرّسالة, وفرض أنفسهم عالمياً, بل وصل الأمر إلى درجة انتزاعهم صكوك يشرعنها لهم من يجهل الخطاب القرآني, حتى يبدو وكأنّ القرآن أقرّهم على ما هم عليه, وبرزت مصطلحات فقهيّة مغلوطة تكرّست في الوسط الإسلامي المثقّف, وتدرّس في الجامعات, والمدارس المذهبيّة الإسلاميّة, كانت هي التي ضربت المفاهيم القرآنية.
ونحنُ في هذا البحث المتواضع نقدّم مناقشة موضوعيّة مختصرة, لدور الرّسول والرّسالة العالمي, وموقف أهل الكتاب (اليهود والنّصارى) من الرّسول والرّسالة, وقراءة الخطاب القرآني وأفقه الواسع, على ضوء ما قدّمه السّيد/ حسين بدرالدين الحوثي (رضوان الله عليه), في الدّروس والمحاضرات, وبالذّات ما ورد في سورة الأعراف الدّرس الثامن والعشروين من دروس رمضان, وكلّ ما سنستشهدُ به في هذا الموضوع من نصوص وكلام للشهيد القائد فهو منقول من الدرس الثامن والعشرين, والتنبيه هنا يغنينا عن الإشارة للمصدر بعد كلّ نصٍّ ومقطع نورده.
أولاً: عــــالمـــــيّة الرّســـــول
تعتبر شخصيّة الرّسول بالنسبة لرسالته أيضاً عالمية, لا تتأطّر بأيّ أطر قوميّة من حيث الموقع الجغرافي مثلاً, أو البيت, أو الّلغة, وقد أكّد (المُرسِل), وهو الله سبحانه وتعالى أنّه أرسله عالميّاً فقال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين﴾[الأنبياء:107], بمعنى أنّ وضع البشر, والعالم لا يستقيم وتصلح أموره إلاّ بهذا الرسول, وهذه الرّسالة, وكونها عالمية مقبولٌ الإيمان بها يقيناً, وتصديقاً حتّى مع أهل الكتاب أنفسهم, لأنّ الرسول والرسالة امتدادٌ لكلّ رسل الله, ورسالاته السابقة, باعتبار ما جاء به مصدّقاً لما معهم, ولما بين أيديهم من الكتاب ممّا جاء به موسى, وعيسى, وجميع أنبياء الله ورسله, فكانت رسالته رحمةً من الله مهداةً للعالمين, ونحن نرى وضع العالم اليوم (الملخبط), والفوضى العارمة, والفساد الظاهر, وسوء تردّي الوضع محلياً, واقليميّاً, ودولياً, وعالميّاً, ولا يمكن صلاحه, واستقامته إلاّ بالنّظام العالمي الإلهي, الذي تضمنته, وجمعته رسالة الرّسول (محمّد) (صلّى الله عليه وآله وسلم), وقد جاء في سورة الأعراف قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾[الأعراف:158], وهذا كما يقول السّيد: (إعلان صريح ليس فقط يستوحى من رسالته أنها رسالة عالمية هذا إشعار للناس بتبليغ من الله أنّ الله هو الذي يقول له أن يقول للناس بأنّه رسول إليهم جميعاً, فإن كان بنو إسرائيل يعتبرون أنفسهم من الناس فهو رسول إليهم كما هو رسول إلينا), وقد أكدّت هذه الآيات في سورة الأعراف على ضرورة الإيمان به من النّاس جميعاً, بأنّه عالميّ, ورسالته عالميّة, ولهذا جاء بعدها: ﴿الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون﴾[الأعراف:158].
أ. النبــــيّ الأمــــــيّ:
عرف عن النبيّ الأميّةُ فيما يتعلق بالقراءة والكتابة, وقال عنه القرآن الكريم: ﴿النبيّ الأميّ﴾, وكونه أُميّاً, أي لا يقرأ, ولا يكتب, لا يؤثّر على رسالته العالميّة, وليس صحيحاً ما يقوله البعض: بأنّه كان يكتب, بل هو أميّ فعلاً, لا يقرأ, ولا يكتب, كما يقول السّيد, وقولهم : كيف يمكن أن يكون نبياً لا يقرأ, ولا يكتب, والكتابة تعتبر فضيلة, وصفةً كماليّة؟ يجيب السّيد على هذا التساؤل بقوله: (كونه أميّ هي صفة كماليّة بالنسبة لدوره هو, تعتبر آية, لا تعتبر سلبية بالنسبة له, وفي القرآن ما يؤكد هذا, ومعروف في المجتمع بأنّه لا يقرأ ولا يكتب), ويضيف السّيد: (بل تجد بأنّ لها قيمة كبيرة كآية من آيات الله تبعد رسالته عن أيّ شبهة, كان يوجد مجتمع بني إسرائيل, كان هناك مجتمع يهود ونصارى, لو أنّه يكتب, ويقرأ, لقالوا ربّما أنّه درس هنا أوهناك), هذا من ناحية التأهيل العلمي فيما يتعلق بالقراءة, والكتابة, كما يقولون.
ب. المـــــوقع والبيئـــــــــة:
وأمّا من حيث المكان الجغرافي, والبيئة العربيّة, فيما يتعلق بالمولد, والنّشأة, وبيئة الرّسالة, فلا يعني هذا أنّه نبيّ العرب, كمّا يُقدّم اليوم ويتعامل معه, فالله يقول بأنّه رسوله للعالمين جميعاً, وهو من يحدّد الزّمان, والمكان, والدّور, والمهمّة, يقول السّيد: (عندما نسمع هذه العبارة: ﴿إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾[الأعراف:158] بمعنى أنّه رسول للبشر جميعاً, يجب أن تعرف موقع الأرض بالنسبة لله سبحانه وتعالى أنها ليست إلاّ جزءً من ملكه, الآن يقولون في هذا الزّمن بأنّ كواكب أخرى قريبة أكبر من الأرض, المريخ مثلها عدّة مرّات, هذا النّجم الذي نراه, هي ليست إلاّ كوكباً صغيراً, تعتبر الأرض هذه من الكواكب الصغيرة, عندما يقول: ﴿إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ئ﴾[الأعراف:158], النّاس أليس موقعهم هنا على الأرض؟ على الكوكب هذا الصغير؟ إذاً عند الكثير من النّاس يكون عنده أن يكون هذا الدين للنّاس جميعاً يعني: العالم هذا! يراها وحده كبيرة! الأرض في ملك الله قد تكون مثل قرية, أو أقلّ) ويضيف: (إرجع إلى كتب الجغرافيا الخرائط تجد كيف نسبة الأرض, ليست إلاّ نسبةً بسيطة), لذا ليس سعة الكون عائقاً أمام عالميّة الرّسالة, بل إنّ الأمريكييّن, والإسرائيليّين لديهم توجّه, ومطامع للإستيلاء, والسّيطرة على العالم, يقول السّيد: (نقول أكثر من مرّة: بأنّ الأمريكييّن الآن يرونها صغيرة الأرض, بنو إسرائيل كذلك عندهم أنّ بالإمكان أن (يدّيولوا) عليها كلّها, عندهم طمع بحيث أن رؤيتهم أكبر من الأرض), ويرى السّيد أنّ الخلل فينا نحن المسلمين, حيث لم تعد رؤيتنا قرآنيّة, إلى درجة لم نستسغ أن يكون نظام الإسلام عالمياً, مع أنّ التّرتيبات الإلهيّة تواكب مسيرة الرّسالة, وحركة الرّسول بحيث يكون هذا الدّين قابلاً لأن يكون نظاماً واحداً للعالم كلّه, وقابلاً لآن يعمّم وهذ ما سنتناوله في سياق الموضوع.
ويضيف السّيد: (هنا يلفت نظر الإنسان بعبارة السموات والأرض, لتصغر عندك الأرض, عندما يقول: للعالمين, تكون أنت تتصوّر هذه أكبر شيء في العالم, الذي له ملك السموات والأرض, والكلّ عباده, هو الذي له الأمر والحكم فيهم, وفي نفس الوقت أيضاً السموات في ملكه).
جـ ـ لغـــــة الرّســــول والرّســــالة:
تعتبر الّلغة العربيّة هي لسان الرّسول, والرّسالة التي نزل بها القرآن الكريم, و من حيث الوضع العربيّ, والّلغة العربيّة للرّسول والرّسالة, فلا يعني هذا أنّه يحمل عنواناً مناطقيّاً لأمّة معيّنة, حتّى في كونه عربيّاً, فهذا الإختيار لم يأت على أساس إعتبارات عرقيّة, أو قوميّة, بل الإختيار وقع على أرقى لغة قابلة لأن تكون عالميّة بعالميّة الرّسالة, يقول السّيد: (عندما يقول هنا: للنّاس جميعاً الله يعلم بأنّ العالم بحاجة إلى لغةٍ واحدة, تكون لغةً عالميّة على الأقلّ, وإن كان هناك لهجات أخرى, وأنّ أرقى لغة, وأفضل لغة, وأسرع لغة قابلة للإنتشار هي الّلغة العربيّة, وأجمل لغة, وأقوم لغة, لم تختار على أساس قوميّ, باعتبارها أقوم لغة من الّلغات السائدة في البشر), وعلى هذا يكون الرّسول والرّسالة عالميين من جميع الجوانب, والإتجاهات, ونعرف أن اضمحلال الّلغة العربيّة سببه ضياع المسلمين, وابتعادهم عن الرّسول والرّسالة, ورؤية القرآن الكريم, وباعتبارها محاربةً من أعداء الرّسول والرّسالة, وأنّ الّلغات الأخرى المفروضة اليوم مرتبطة بحركة العالم الصناعيّة, والتّطور الحضاري, والعلميّ الذي حصل على يد أعداء الرّسول والرّسالة, عندما فرّط المسلمون في رسولهم, ورسالتهم, وفرض عليها واقع وطابع قومي.
ثانياً: عالمـــيّة الرّســـالة
رسالة الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم عالميّة بعالميّته, ورسالته هي القرآن الكريم, بل إنّ مسيرة الحياة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمسيرة الرّسول والرّسالة, وهذه صفة متلازمة لا يمكن صلاح الحياة العالميّة إلاّ بها, وقد تضمّن القرآن الكريم آيات صريحة, وواضحة تؤكّد عالميّة الرّسول والرّسالة, وأعطى مهمة الرّسول (الرّسالة) بعداً عالمياً إقليميّاً, ودوليّاً, بحيث لا يبقى أمام كلّ فئات النّاس إلاّ الإيمان بالرّسول والرّسالة, كما تقرّر الآيات القرآنيّة.
أ. ( وما أرسلناك إلاّ رحمةً للعالمين ) :
تقرّر هذه الآية بوضوح عالميّة الرّسول والرّسالة, والتأكيد واضح في قوله: ﴿للعالمين﴾ الذي قد يتجاوز عالم البشر إلى عوالم أخرى تشمل الجنّ والإنس كما وضحته آيات أخرى, وعندما يقول للعالمين فلا شكّ أنّه لا يقصد العرب لوحدهم, وإنّما كلّ شعوب العالم, كما سبق في قوله تعالى﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾[الأعراف:158], مهما توسع العالم, وتكاثر سكانه, والخطاب القرآني العالميّ لا يرتبط بوضع جغرافيّ, وديمغرافيّ معيّن, ولأنّ الرّسول هو من الله ورسالته كذلك, فإنّ الله هو ربُّ العالمين, ورسوله ودينه للعالمين, ورسالة الرّسول هي الرّسالة الجامعة لكلّ الرّسل والرّسالات الإلهيّة السابقة, وقد بشر به كثير من الأنبياء والرّسالات, وبالذّات التوراة والإنجيل, وذكر فيها باسمه مكتوباً, كما ذكر الله في القرآن في قوله: ﴿الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ﴾[الأعراف:157], كما سيتبيّن لا حقاً, فلا تعارض بين رسالته, ورسالة موسى, وعيسى, وجميع أنبياء الله, وموقف اليهود والنّصارى الكافر بالرّسول والرّسالة ليس على شيء, وليس أمام أهل الكتاب إلاّ الإيمان برسالة الرّسول وإلاّ فإنّ الكفر به, وبرسالته, هو كفر برسالة موسى وعيسى, ودور الرّسالة هو امتداد لمهمّة الرُّسل السّابقين ضمن سلسلة واحدة في عالم الرُّسل والرّسالة, ومهمّة هذه الرّسالة العالميّة هي الهدى, والحقّ, والرّحمة, وقد تضمّنت رسالة الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم توضيح دور الرُّسل السّابقين ومهام رسالاتهم.
ب. ليظهـــــره على الدّيــــن كلـــه:
قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُون﴾[التوبة:33], وفي آية ﴿وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون﴾, توضح هذه الآية أنّ عالميّة الرّسول والرّسالة متواصلة إلى آخر أيام الدّنيا, وأنّها مبنيّة على أساس أنّها رسالة للعالمين, وأنّها في أساسها قابلةً للتطبيق في أن تكون للعالمين, وأنّ (المُرسِل) وهو الله, أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه, وظهور الدّين على كلّ الأديان وإن لم يتحقق بعد, إلا أنّه واقعٌ لا محالة, ولو كره الكافرون, ولو كره المشركون, مع أنّ ظهوره هو ظهور علوٍّ وغلبة, بحيث تكون له السّيادة, والقرار العالميّ, وظهور الدّين عالمياً الذي سيقع قريباً إن شاء الله هو ظهور للرّسول نفسه, وله اليد الأولى في عملية الظهور الموعود الّذي يعتبر ظهوراً له كما وعد الله سبحانه وتعالى, وكلمة ليظهره على الدّين كلّه ليست مرتبطة بواقع إقليمي معيّن من الأرض, وليس معها حدود معينة لا تتجاوزها, بل حدودها هذا العالم بكلّه كما يقول السّيد: (ليس معها حدود حدودها العالم, لأنّ هذه رسالة عالمية), كما أنّها لا تخضع لضغوطات معيّنة, ولا يمكن أن تصطدم بشيء يعيق عمليّة ظهورها, وكلمة ليظهره تؤكّد قابليّة الرّسالة للتطبيق والظّهور, وهذا الوعد الإلهيّ يبعث الأمل العمليّ في نفوس المسلمين يقول السّيد: (أليست هذه الآية مما يبعث الأمل في نفوس المسلمين), ويضيف: (هذا كان مما يجب أن يكون محطّ أمل عند المسلمين, وليعلموا بأنّهم سيظهرون فعلاً في هذا العالم على الأديان كلّها), إذاً ليس هناك شيء مُحبط, ولا معيق في عمليّة ظهور الرّسالة والرّسول عالمياً, وهذا وعد إلهي قاطع, ومعناه أنّ الترتيبات الإلهيّة كلّها قائمة على أساس ظهور الدّين, وأنّ نصر الرّسالة سيكون عالمياً على كلّ أعدائها, مهما كانت الظّروف والتّحدّيات, وأنّ الله سيخلق من المتغيّرات ما يهيئ لظهور الرّسالة يقول السّيد: (هو بالشكل الذي يبني أمّة, هو رسالة عالميّة, وهو بالشكل الذي قابل أن يكون رسالة عالميّة), ويضيف قائلاً: (والوعود هذه كلّها مبنيّة على ماذا؟ على هذه الرؤية الواسعة, لا تقل بأنّه ربّما قد يكون فقط لإقليم معيّن من الأرض, وقد تكون الوعود الإلهية كلّها محصورة فقط فيما إذا تحرّك هذا الدّين في هذا الإقليم فقط, أما من خارج ربّما لا), ويؤكّد السّيد: (رضوان الله عليه) بأنّ كلّ الوعود الإلهية قابلة للتّطبيق وممكنه, لكنّ المشكلة أنّ نفسيات المسلمين أصبحت كنفسيّات بني إسرائيل وأسوأ, عندما كتب الله لهم دخول الأرض المقدّسة ولم يثقوا بوعده, وما كتبه لهم, فيقول:
(كلمة ﴿ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾[التوبة:33] واضحة, يظهره على الدّين كلّه في الأرض هذه, ثمّ ﴿لَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ﴾[الحج:40] ليس معها حدود حدودها العالم, لأنّ هذه رسالةً عالميّة, لا يمكن من ينصره تكون فقط في إقليم معيّن, من ينصره بهذا الشكل الواسع, لتكون رسالته عالمية, ما هو قابل للتحديد, لا يمكن أن يصحّ هنا أن أقول رسالته عالميّة, لكن وعده محصور, يجب أن تنظر إليها مثلما يقول هو في موضوع الرّسالة أنّها للعالمين).
جـ ـ المـــوروث الفكـــريّ وعالميّـــة الظّهــــور:
قد يصطدم البعض بما يراه معوّقات من وجهة نظره تحول دون إمكانية الظّهور العالميّ للرّسول والرّسالة فيصاب بالإحباط واليأس, سواءً ما كان منها ثقافات عالميّة, أو ما كان من التّراث, والموروث الفكريّ الإسلاميّ الذي خلق معوّقات في عالميّة الظهور, وهنا يركز السّيد على الثّقة بالوعد الإلهيّ, ويبيّن الطريقة الّتي تحول دون المعوّقات يقول: (أن تكون رسالة للعالمين, وأنت تجد العالمين ثقافات كثيرة وأشياء كثيرة, يجب أن تثق بأنّ هذه الرّسالة هي بالشكل الذي يظهر على الكلّ), ويؤكّد أن الإستسلام للثّقافات الأخرى لن يجعل هناك إمكانيّة للظّهور, ولا في قرية واحدة, فيقول: (إذا أنت تعود إلى الأشياء الأخرى, إلى الكتب الأخرى, ما معنى ليظهره, ليظهر كتب المذاهب هذه, في الفقه, والأصول, والأشياء هذه, وكتب التّرغيب والتّرهيب, أنّها هي التي ستظهر على الدّين كلّه, لن تستطيع أن تظهر ولا في إقليم واحد), ويرى السّيد أنّ الموروثات هي الّتي أطّرت الدّين في وضعيّة معيّنة, لذا يجب التخلّص من أيّ رؤية قاصرة تُقدَّم, وإلاّ فسيصطدم بها البعض ويحبط, فيقول: (الأشياء الأخرى التي قدّمت في الفقه, في كتب الحديث, والتفسير, وأشياء من هذه, غير قابلة أن تكون مقبولة هنا فضلاً عن أن تظهر, ستصطدم بواقع, بسنن, مثلما اصطدمت داخل البلاد الإسلامية هنا), ويضرب مثلاً لذلك بما كان يعانيه بعض أئمة أهل البيت من المفاهيم, والنّظريات التي قُدّمت في كتب الفقه والأصول, يقول: (في تاريخ أهل البيت, هنا في اليمن في إقليم واحد, كان يقوم بعض الأئمة واصطدم بمسائل فقهيّة وأصوليّة هنا داخل اليمن, ثم يحاول من جديد يبيّن بطلانها, وأنّها هي لا تشكل عوائق أمامه, رؤى فقهيّة أو مفاهيم عقائديّة معيّنة, أو قواعد أصوليّة, كان يصطدم بها في إقليم واحد في العالم).
دـ . وضعيّـــة الظّهـــور وسنــّـة الاستبــــدال:
تساؤلات عديدة قد تبرز عن كيفيّة الظّهور العالميّ للرّسول والرّسالة؟ في ظلّ هذا الوضع الإقليميّ, والدّوليّ المعقد؟ ووضعيّة المسلمين اليوم؟ وقد تبيّن من خلال ما سبق قابليّة الرّسالة للظّهور, والوعود الإلهيّة الصّارمة الّتي تبعث الأمل بحقيقة وعود الله, وتبيّن لنا ضرورة التخلّص من كلّ نظريّة تشكّل عائقاً, وتصنع العراقيل, في مسيرة الظّهور العالميّ, يُوضّح السّيد هنا وضعيّة معيّنة للظّهور, وسنة إلهيّة في الظّهور والإستبدال مرتبطة بحركة البشر, فيقول: (وترجع إلى السّنة الإلهيّة في ظهور الأشياء, أنّها هنا في الأرض مربوطة بالبشر, ليس معنى ظهوره بأنّه سيجعل مثلاً من المصاحف ينزل على أمريكا وأوروبا, وتلك الدنيا بكلها), بل يتحقّق الظّهور بالعودة إلى منطق الدّين وسياسته يقول السّيد: (ترجع إلى منطقه هو, منطق هذا الدّين أليس منطقه هنا منطق قيومية, منطق سيادة, منطق واقع يسود, وليس مجرّد كلام, أو مجرّد حجّة, ليظهره يسود, يكون هو الأعلى بسيادته على الأرض), ويضيف أنّ السّنة الإلهيّة مرتبطة بوضعية البشر فيقول: (القضيّة هي مرتبطة بالبشر, بالتأكيد هي مرتبطة بالبشر, على حسب ما هو معروف من سنن الله سبحانه وتعالى), وتتضح الرؤية أكثر في قوله: ( فعندما يقول ليظهره على الدّين كلّه فلتفهم بأنّ الترتيبات الإلهيّة بالشكل الذي يرى واقعاً أنه ممكن أن يظهر, لا يقول ليظهره ثمّ يعمل أمامك صخرة مثل الجبل ملساء, وليس معك ما يمكنّك تطلع فوق هذه, ولا يعطي لك أيّ وسيلة هو لا يقدّم مستحيل, عندما قال: ﴿ليظهره﴾ أي ستكون ترتيباته بالشّكل الّذي يكون قابلاً لأن يظهره على الدّين كلّه).
إذاً وضعية العرب الآن غير قابله لإظهار الدّين بما هم عليه إطلاقاً, ما لم يغيّروا وضعيّتهم, ورؤيتهم, وثقافتهم, وهم أمام امتحان واختبار إلهي عملي, حتّى يظهر منهم فعلاً الإهتمام بهذا الدّين الموعود بالظّهور, يقول السّيد: (بمعنى أنّه ربّما قد تكون القضيّة لا يحصل ظهور لناّس, والمطلوب أن يظهروا بدينه, إلاّ وقد عرض لهم شيء يظهر من خلاله اهتمامهم بدينه, تغفر به الخطيئات, وفي نفس الوقت يكونوا قابلين للظّهور, هو لن يأتي يقول مثلاً: يظهر العرب بما هم عليه الآن, يبدو مستحيلاً, لأنّ الوضعيّة التي هم عليها الآن ليست وضعيّة من يظهر على آخرين, وضعيّة من يُضْرَبُ بآخرين), هنا نعرف السّنة الإلهيّة في الظّهور, وضرورة تغير الوضعيّة, فالعرب الّذين يفترض بهم أن يكونوا حملة هذا الدّين, والعاملين على تحقيق وعد الله بالظّهور العالميّ للرّسول والرّسالة هم في وضعيّة تحت, وضعيّة من يُضرب على يد الآخرين, يقول السّيد: (عندما يقرأ واحد آية ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُون﴾[الصف:9] لا تتصوّر بأنّ معنى يظهر بالنّوعية هذه من العرب, لأنّك تجد النّوعية هذه من العرب هي نوعيّة من يضربوا, هم مبدِّلين).
هـ . رؤيــــة عمـلـــيّة للظّهـــــور:
يقدّم السّيد هنا خطةً عملية للظّهور, هي رؤية القرآن الكريم, تتمثّل بضرورة التّغيير الثّقافي أوّلاً, مالم فلا يمكن أن يتحقّق الظّهور, وسيبقى النّاس في هبوط مستمرّ, لأنّ الظّهور مرتبط بالدّين الحقّ, كما قال الله في آية الظهور, ﴿بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ﴾ يقول السّيد: (دينه أساسه كتابه, كتابه تجده في الأخير بشكل يعطي فعلاً صورة عن البشر, يشخّصّ البشر, تشريعه, حركته قابلة لئن تستوعب البشر, وتهذبهم, وتجعلهم يسيرون على نمط واحد), والظّهور مرتبط بالقرآن الكريم وثقافته, وهو التّغيير الثقافيّ الذي يجب أن نعود إليه, وباعتباره رسالة عالميّة قابلة للتّطبيق متحرّراً من أيّ عناوين مذهبيّة, وطائفية, وقوميّة, يقول السّيد: (القرآن غير قابل لئن يصطدم بشيء أبداً, وقابل لئن يظهر على الأديان كلّها, وهو نفسه لا يحمل عنوان أمّة معيّنة حتّى في كونه عربيّ), وكونه عربياً هو قائم على جودة الإختيار كما سبق في عالمية الرّسول, ولسان الرّسالة, والرّسول العربيّ.
لا بدّ من تحرّك عمليّ في الميدان, يتطابق مع عالميّة الرّسول والرّسالة متحرّراً من كلّ الأطر المذهبيّة والقوميّة, وهذا يكون من خلال القرآن فقط, يقول السّيد: (عندما تنطلق على أساس أيّ مذهب آخر لن تظهر, لا يُتوقّع على الإطلاق أن يظهر النّاس منطلقين على أساس أيّ مذهب آخر, إلاّ على القرآن, ولهذا قال هناك: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ – دين الحق- ﴿ليظهره﴾ يظهر دين الحقّ, الأشياء الأخرى لم تعد حقاً, لن تظهر أبداً, دينه الحقّ هو كتابه, وما فيه من سنن إلهية بالنسبة لحركة عباده, كيف يبتني عباده على أساسه).
لم يكتف السّيد بطرح الموضوع فقط, وإثرائه, ومناقشته, بل قدّم رؤية عمليّة في طريق الظّهور بالدّين, وعالميّة الرّسول, والرّسالة, وتَحرَّك في الميدان بحركة القرآن الكريم, متحرّراً من كلّ الأطر الضّيّقة, وقَدَّم عملاً عظيماً يُظهر مدى الإهتمام بهذا الدّين, وكان الشّعار هو الصرخة الأولى في هذ الطريق, وفق الثقافة القرآنيّة, يقول السّيد: (إذاً عندما نتحرّك نحن في هذا الموضوع, وعلى أساس القرآن, لا يمكن للنّاس أن يقولوا: إنّهم يقرؤون, وليس لهم دخل, وربّما في الأخير يُظهر الباري الدّين, وسيظهره لهم, لازم عمل يتبيّن أنّهم مهتمّون بدين الله, أنهم مهتمّون بعباد الله), ويؤكّد السّيد: (رضوان الله عليه) أنّ العمل وفق ثقافة القرآن الكريم, ورفع الشعار يظهر منه الإهتمام بالدّين والغضب لله وفي سبيله, والإستعداد لبذل كلّ ما بالوسع من أجل هذا الدّين فيقول: (في الأخير يأتي للنّاس – ربّما – عمل بسيط, ألا يعتبر عملنا هذا عملاً بسيطاً؟ شعار نعمله ويكون له أثر كبير, ويُظهر في نفس الوقت إهتمام النّاس بدين الله, يُظهر غضبهم على أعدائه, يُظهر أنّهم قابلين أن يعملوا ما بوسعهم من أجله), ويختم السّيد حديثه بضرب مثلاً من واقع بني اسرائيل عندما كتب الله لهم وأمرهم دخول المدينة, وفق خطة عمل تغفر لهم خطاياهم, لأنّه لم يكن ممكن دخولهم المدينة, وظهورهم, على ما هم عليه من خطايا, لا بدّ من قول كلمة (حطّة), وكيف ظهروا متخاذلين, وقد وعدهم الله بالظّهور والغلبة, وقد ظهر عسكرياً إمكانية دخولهم, محذراً من خطورة التّراجع عن العمل فيقول: (إذا لم يعمل الناس سيكونون مثل بني إسرائيل عندما يقول لهم أن يقولوا حطة, فبدلوا قولاً آخر).