“رجال النصر” الحلقة ال (9).
بقلم /فاضل الشرقي
25 صفر 1441ه
دائما في كل زمان ومكان كان ولا زال “رجال النصر” هم الناس العادييون الذين نفوسهم قريبة من الحق والإستجابة والإنطلاقة الحرة التي لا تتقيد بشروط واملاءات وبحث عن المقامات والمناصب فتكون التضحية بأنفسهم في سبيل غاية وأمنية نبيلة وشريفة، والفرق بينهم وبين كبار القوم والشخصيات هو أنهم ينطلقون باخلاص وبذل وتضحية وعطاء ونفوس متواضعة وبريئة وصادقة، بينما غالبية الطبقة الثانية تبحث دائما عن الإمتيازات، وتتحرك بالكثير من الإشتراطات والحقوق الشخصية والإعتبارية والآراء والإفتراضات الضاغطة على العمل والقيادة حسب نفسياتهم وتفكيرهم الذي عرضه القرآن الكريم، ولهذا سبق وأن قلنا يجب أن نكون دقيقين في العمل والحركة ونعرف مع من نشتغل وكيف نشتغل؟، وما ينبغي التركيز عليه هو أن لا نفهم من هذا ومما سبق أن ننطلق في معاداتهم والإنشغال بهم فالعمل في سبيل ليس عشوائيا ولا فوضويا وغوغائيا بل يحتاج للحكمة والسياسة وحسن التدبير، فأن يكونوا أصدقاء أفضل من أن يكونوا أعداء ونبق في صراع وخصومه دائمة معهم فلكل مرحلة ووضعية ظروفها وحالاتها الإستثنائية فحالة الحرب مثلا تختلف عن حالة السلم، وقد رأينا كيف عمل رسول الله وتعامل يوم فتح مكة مع هذه النوعية من الناس إلا من كان منهم معاديا ومحاربا فهذه حالة لها حكمها ومبرراتها، وهذا يعني أيضا أن لا نقاطعهم ونهمشهم لأننا مسؤولون عن تقديم هدى الله لكل الناس، وإنما المطلوب هو أن لا نعطيهم أكبر من حجمهم فالإسلام لم يأت لبناء الطبقيات وصناعة الزعامات والنفوذ والمصالح وإنما جاء ليحطمها ويقضي عليها … أعني أنه يجب أن نستهدفهم أيضا وأن نتحرك معهم وفي أوساطهم وأن نقدم لهم الهدى والحق ولكن بنفس الأسلوب والخطاب المتكامل في تقديم الدين لكل الناس بمعنى أن لا نقدم لهم ثقافة وقضايا وتعاليم خاصة ونسكت ونتجاهل أشياء كثيرة بإسم ومبررات تقدير وضعهم والحفاظ على نفسياتهم ومشاعرهم، وإنما بالشكل الذي يوصل الحق كاملا إلى أنفسهم حتى وإن جحدوا واستكبروا فهذه مسؤولية أمام الله أولا وأمامهم ثانيا، وبالشكل والأسلوب الذي يفهموا من خلاله أن دين الله واحد للناس جميعا وأن أكرمهم عند الله هو أكثرهم استجابة وطاعة وتقوى، وإلا فإنهم سيكونون عبئا وعائقا كبيرا أمام الدين والحركة من الداخل إذا لم نقدم لهم دين الله بالشكل الصحيح فيندمجون ويذوبون في الدين، وتذوب من نفوسهم روحية الإستكبار والتعالي والنخيط والعلو فيتشكل المجتمع الجهادي من أمة واحدة وصف واحد، والفرق بين هذين الصنفين من الناس أن الذين يعيشون حالة الكبر والغرور يريدون أن يكونوا هم أصحاب القرار والكلمة العلياء وهذا يشكل عقبة كبيرة أمام العمل في سبيل الله الذي يهدف لبناء أمة واحدة منظمة ومنتظمة ومتكاملة، يقول الشهيد القائد “رضوان الله عليه”:
(لأن الخطورة بالغة. هؤلاء الذين يرون أنفسهم إذا ما دخلوا دخلوا من فوق، وبشروط وإملاءات، هم من سيكونون عقبة دائمة في ميدان العمل، هم من سيجعلونك تصنف كلامك مع الناس، كما نجده لدى الكثير، فخطاب مع الكبار يقدم نسبة من الدين فقط إليهم التي لا تثير مشاعرهم، ويتخاطب مع عامة الناس خطابا شديداً ولهجة قاسية، فينطلق على المنبر يخاطب أولئك المساكين بلهجة قاسية فيحذرهم من جهنم وكلام من هذا، ويخاطب أولئك الكبار الذين قد حرص على أن يضمهم إلى جانبه – كما يتصور – خطاباً لطيفا رقيقا لا يثير مشاعرهم، فسيكون خطابك للناس منوعا ومشكلا، والدين هو واحد، وليكن منطقه واحدا أمام الناس جميعا. وهكذا كان رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) ينطلق في مسجده ويتحدث مع الناس سويا بعبارات واحدة وكلاما واحدا يوجه للجميع……، وعندما نسمع في هذه الآية: {وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} كأنها تقول لنا: ليكن اتجاهكم إلى أولئك الناس الذين أنتم لا تتوقعون أن في أنفسهم ما يدفعهم إلى الاستكبار، فهم من سيبنون صرح الأمة لبنات، كل شخص منهم قابل أن يكون لبنة في هذا الصرح. لكن ذلك هو لا يقبل إلا أن يكون اللبنة العليا، قبل أن يكون هناك لبنات تريد أن تضعه لا يرضى، لا يقبل، لا يقبل، لا يقبل أن يكون ضمن اللبنات الأولى، دعه هناك لبنة بمفرده، ليبتني صرح الأمة من اللبنات التي تقبل. والله تحدث في القرآن الكريم عن البنيان: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ}(الصف:4) من أين تتجمع هذه اللبنات في البنيان المرصوص إلا من أولئك الذين لا يستكبرون. أما اللبنة التي تستكبر فهي لا تقبل، لا تقبل أبدا أن تكون هنا، بل قد لا تقبل أن تكون لبنة عند لبنة ……، بعض الناس لا يقبل أن يكون لبنة مع هذا ومع هذا في مَصف واحد. يريد أن يكون لبنة هناك، فأنت تراه يريد أن يكون لبنة لحاله ……….، فليكونوا لبنات هناك، وليبنى الصرح من أولئك الذين يقبلون، ليروا أنفسهم – هم في الأخير – لبنات لحالها بعيدة لا وزن لها، ولا قيمة لها).