الخبر وما وراء الخبر

ثلاثة خطابات رئاسية في ذكرى إسقاط الاحتلال البريطاني.. من فعل هذا باليمن؟

29

طالب الحسني

منذ 2007 وهو التاريخُ الذي تكوّنَ فيه ما عُرف لاحقاً بالحراك الجنوبي المطالِب بفك الارتباط والعودة إلى ما قبل الوَحدة اليمنية 1990، أي تصبح اليمنُ الموحّدةُ مرةً أُخرى شطرَين، شمالاً وجنوباً، شعرنا أن علينا أن نتعايشَ مع مخاوفَ فعليةٍ من عودة التقسيم مع ما سيحمله ذلك من تبعات سياسية واقتصادية وأمنية، سنخسر أهمّ إنجاز تم تحقيق خلال المئة السنة الماضية، الوحدة.

تأريخياً طرأت أحداثٌ كثيرةٌ وحّدت اليمن ثم قسّمته، أكثرَ من ذلك أقيمت دولٌ متعددة على جغرافية اليمن، وتأريخياً أَيْـضاً كانت اليمن دولةً واحدة ممتدةً من حضرموت وعدن جنوباً وحتى الحجاز ونجد والسهل التهامي في المملكة العربية السعودية حالياً، حدث ذلك كثيراً ولعقود، قبل الدولة الإسلامية وبعدها وحتى نهاية الدولة العثمانية ووُصُولاً إلى آخرِ عقدٍ في القرن العشرين المنصرم، بعد استقراء كبير للتاريخ تبين أن اليمنيين لم يكونوا وحدَهم يقرّرون ذلك، بل دولٌ وقوىً وعواملُ خارجيةٌ بطريقة مباشرة وأحياناً بطريقة غير مباشرة، هل يتكرّر ذلك الآن والتاريخ يعيدُ نفسَه؟

علينا إذَن توضيحُ من يريد لليمن أن تذهبَ نحو التقسيم وتصبح أكثرَ من دولة، نحن معنيون كشهودٍ نتعايش مع هذا الواقع أن نقول على الأقل للأجيال المقبلة: إننا عشنا مرحلة “تقسيم” اليمن مجدّداً؛ بفعل التدخلات الخارجية وتأثيرات دول الجوار وقوى إقليمية ودولية أُخرى.

اليمنيون استمعوا إلى ثلاثة خطابات “رئاسية” ومن ثلاث منصات عشية 14 أكتوبر الذي يوافق الذكرى الـ56 لطرد الاحتلال البريطاني من جنوب اليمن، واحدٌ فقط من هذه الخطابات من عاصمة اليمن التاريخية صنعاء لرئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشَّـاط، هذا الخطابُ كان موجهاً لأكثرَ من 20 مليون مواطن يمني في الشمال والوسط وجزء من الجنوب من أصل 30 مليوناً تقريباً، أي ثلثي سكان الجمهورية اليمنية، يعتبر المجلسُ السياسيُّ الأعلى أن بقيةَ المواطنين والمساحة الجغرافية تقعُ تحت الاحتلال السعودي الإماراتي منذ منتصف 2015، ويرفض المجلس التقسيم ويؤمن بالدولة اليمنية الواحدة، ويعد باستعادة كُـلّ الأراضي اليمنية المحتلة

الخطاب الثاني لـ عَبدربه منصور هادي من العاصمة الرياض التي يقيم فيها منذ 2015 أي منذ ما يقترب من 5 سنوات، تدعمُه السعوديةُ ولديه حكومة منفى لا تحكم شبراً واحداً ولا تستطيع التواجدَ على الأرض اليمنية بعد أن فقد هادي السيطرةَ على الحكم وقدم استقالتَه وفر هارباً من العاصمة صنعاء 2015، يدعم فكرة قيام 5-6 أقاليم في الجمهورية اليمنية، وهو مشروعٌ يهددُ مستقبلاً تحوّل هذه الأقاليم إلى دول، وجزء من أسباب هذه الحرب الدائرة في اليمن وتقوم بها السعودية والإمارات بدعم أمريكي وغربي هي رفض هذا المشروع وعدم الموافقة على تمرير دستور يتضمن ذلك.

الخطابُ الثالث لـ عيدروس قاسم الزبيدي من مدينة عدن، وهو رئيسُ ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي الذي أسّسته الإمارات في العام 2017 وأسّست وتمول جناحاً عسكرياً وأمنياً تابعاً لها، ويطالبُ بفك الارتباط والعودة إلى ما يُعرَفُ بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبيّة، أي ما قبل 1990 يسيطر على أجزاء من المحافظات اليمنية الجنوبية بدعم عسكري إماراتي.

هذه الخارطة السياسية الحالية تكشفُ وحدَها الدورَ السعودي والإماراتي في تقسيم اليمن ومحاولة إضعافه وفرض هذه الخارطة بالقوة العسكرية والحصار، بعد تدمير الدولة وبُنيتها التحتية، من خلال العدوان عليه منذ 2015.

هل تعتقد السعودية والإمارات أن هذا يحدثُ دون وعي وإدراك غالبية الشعب اليمن، بمَن في ذلك مَن يقفون مع الأطراف الموالية لها وإن أبدوا غيرَ ذلك لظروف معينة!

لن تكونَ هذه الخارطة ثابتةً مستقبلاً؛ بفعل أن هناك مقاومةً وطنية سياسية وعسكرية واجتماعية وقبَلية لها، ولكن ما سيكونُ ثابتاً مستقبلاً أن السعودية تورّطت بدرجة كبيرة في اليمن، ومن سوء حظِّها أن أكتوبر من كُـلّ عام هو أَيْـضاً يذكّرُ باغتيال السفارة السعودية للرئيس اليمني الشهيد إبراهيم الحمدي الذي عَمِلَ بشكل كبير على تحقيق الوحدة اليمنية قبل اغتياله في 11 أكتوبر 1977؛ بسَببِ عداء السعودية الشديد له، اليمنيون يعرفون بقية التفاصيل.