الخبر وما وراء الخبر

هل أمريكا جادةٌ في إنهاء الحرب على اليمن أم لديها مناورة جديدة؟!

27

إن الولايات المتحدة الأمريكية التي كان لها النصيب الأكبر في الحرب على اليمن التي أدت إلى دمار مدنه وتشريد معظم سكانه، تلوح اليوم بإجراء محادثات مع الطرف الأقوى في اليمن وهو جماعة أنصار الله.

والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي دفع الولايات المتحدة إلى تغيير سياساتها في اليمن بعد أن نشرت فيه كما أسلفنا الدمار والخراب عن طريق ما يسمى «التحالف» الذي تقوده السعودية؟

إن الموقف الأمريكي الجديد يثير اهتمام الباحثين والمحللين بما يجري في هذا البلد، كما إن تداعيات الموقف الأمريكي الجديد تجاه الأزمة في اليمن تثير المزيد من التساؤلات، فقد أعلنت الولايات المتحدة أنها ستقوم ولو بشكل غير رسمي بدور الوسيط بين بني سعود وجماعة «أنصار الله» التي تنفي ذلك.

إن الإعلان الأمريكي الجديد يمثل تحولاً واضحاً وجوهرياً تجاه الأزمة اليمنية ويأتي بالتزامن مع التوتر الذي يشهده منطقة الخليج بين الولايات المتحدة وحلفائها وبين الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وعلى الرغم من إرسال واشنطن قوات أمريكية إلى السعودية بعد ستة عشر عاماً من مغادرتها يأتي الموقف الجديد الداعم للغة الحوار بين الأطراف المتنازعة منذ عام 2015، في الوقت الذي اتهم فيه تقرير للأمم المتحدة صدر حديثاً الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا بالمشاركة في جرائم حرب في اليمن من خلال تقديم العتاد والمعلومات والدعم اللوجستي لأطراف «التحالف» العسكري الذي يَشن منذ نحو خمس سنوات حرباً على اليمن.

وفي هذا السياق، قالت أستاذة العلوم السياسية في جامعة واشنطن، عبير الكايد: إن المباحثات بين الولايات المتحدة وجماعة أنصار الله/ المقاومة اليمنية، هي نتيجة طبيعية خصوصاً بعد استقبال وفد من الجماعة المقاومة في أوروبا، مشيرة إلى أن واشنطن لا تريد أن تُستبعد دولياً عن مشهد الصراع في اليمن في ظل الحديث عن التقارب مع الأوروبيين غير أن الأسباب الرئيسة للتحول الاستراتيجي في الموقف الأمريكي الجديد من الأزمة اليمنية يُمكن أن تتلخص بما يلي:

أولاً: انهيار التحالف الذي يخوض الحرب في اليمن، وتفاقم الخلافات بين أطرافه برغم كل محاولات النفي.

ثانياً: الضربات العسكرية المتتالية من قبل أنصار الله/ المقاومة اليمنية التي استهدفت منشآت ومواقع في العمق السعودي، آخرها حقل الشيبة العملاق والمصفاة التابعة له، وكذلك تعطيل الحركة في معظم مطارات المدن الجنوبية في السعودية من خلال هجمات بطائرات مسيّرة وصواريخ بالستية مجنحة ذات دقة عالية في إصابة أهدافها وقد استهدف بعضها العاصمة الرياض.

ثالثاً: الضغوط الكبيرة التي مارسها الكونغرس الأمريكي على إدارة دونالد ترامب لوقف دعمها للتحالف في الحرب على اليمن، وإصدار قرار يطالب هذه الإدارة بوقف مبيعات الأسلحة لأطراف هذا التحالف.

رابعاً: إسقاط الدفاعات الجوية للمقاومة اليمنية/ أنصار الله، طائرتين أمريكيتين مسيّرتين كانتا تحملان صواريخ ذكية وتحلقان في الأجواء اليمنية، وتهديد جماعة أنصار الله بضرب أي أهداف أمريكية أو إسرائيلية في البحر الأحمر.

خامساً: تراجع شعبية ما يُسمى «الحكومة الشرعية» التي يقودها الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، ولاسيما بعد سيطرة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي على قصر المعاشيق ومعظم المراكز العسكرية في عدن، «العاصمة المؤقتة».

سادساً: الفتور الذي ردت به الأطراف اليمنية الجنوبية، على دعوات السعودية للحوار لإنهاء الاقتتال المسلح فيما بينها ولاسيما تجاه الدعوات المتعلقة بالمشاركة في «حوار جدة» الذي لا يبدو أنه يسير بصورة جيدة.

مالا شك فيه أن التطورات والأحداث المتسارعة في إطار الحرب على اليمن تظهر أن جماعة أنصار الله هي الرابح الأكبر، سياسياً وميدانياً، فهاهي الولايات المتحدة الأمريكية تسعى لفتح حوار مباشر مع قياداتها، بينما خصومها في الجنوب يخوضون اقتتالاً شرساً فيما بينهم.

هذا الاختراق السياسي الكبير الذي جاء بعد دخول الحرب على اليمن عامها الخامس والمتمثل في عزم الولايات المتحدة على رعاية مفاوضات مباشرة بين أطراف الأزمة والاعتراف بأنصار الله طرفاً رئيساً ولاعباً مؤثراً، هو الذي يفسر الدعوة الرسمية التي وجهتها الإدارة الأمريكية إلى الأمير خالد بن سلمان، نجل العاهل السعودي، ونائب وزير الدفاع من أجل زيارة واشنطن واللقاء مع المسؤولين فيها وعلى رأسهم مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، وقد اقترحت الإدارة الأمريكية أن تكون سلطنة عمان مكان استضافة أي محادثات قادمة لأطراف الأزمة اليمنية برعاية أمريكية.. فهل الولايات المتحدة جادة في إنهاء الأزمة اليمنية، ولاسيما بعد ما أحدثته من خراب ودمار في هذا البلد.. أم إن ما تحاول الدعوة إليه من حوار مع أنصار الله (المقاومة اليمنية) ما هو إلا مناورة جديدة لإطالة زمن الحرب بهدف تحقيق مزيد من الإنهاك والاستنزاف والتدمير لليمن.

عن: «مركز الدراسات الاستراتيجي» العالمي.