الخبر وما وراء الخبر

 “مبادرة أمريكية” وتنكّر سعودي.. هل حرب اليمن في خواتيمها؟

39

تقارير /اسماعيل المحاقري/ العهد الاخباري

من عادة الولايات المتحدة التخلي عن حلفائها عندما يصلون إلى وضع لا يستطيعون أن يقوموا فيه بالأدوار التي تدعمهم وتقف إلى جانبهم لأجلها. والسعودية ليست استثناء، والأمر لن يطول بغض النظر عما قدمته وتقدمه من أموال طائلة وخدمات عملية للأجندات الأمريكية ومشروع التقسيم والتجزئة في المنطقة، ذلك لن يبعد عنها حتى شبح الابتزاز والاستغلال.

كل أشكال الدعم والغطاء الأمريكيين للرياض في عدوانها على اليمن تحاول إدارة ترامب تجاوزها وتسويق نفسها كحمامة سلام لا ناقة لها ولا جمل فيما يسببه هذا العدوان من جرائم حرب قتلت وشردت مئات الآلاف من المدنيين بالإضافة إلى الكارثة الإنسانية الأكبر في العالم بشهادة الأمم المتحدة.

يقول مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى “ديفيد شنكر” خلال اطلاعه على بقايا الصواريخ وحطام الطائرات المسيرة التي ضربت العمق السعودي إن واشنطن تسعى جاهدة لايجاد حل للنزاع اليمني تقبله جميع الأطراف لايقاف الحرب في البلاد.

وأضاف شينكر، متحدثًا في قاعدة عسكرية: “نحن نعمل مع المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، ونقيم اتصالات مع شركائنا السعوديين وقد نتفاوض مع “الحوثيين” لمحاولة ايجاد حل للنزاع يكون مقبولا من الطرفين”.

وإذا كان أحد هذه الأطراف معلومًا بالضرورة وهو “الوفد الوطني” ممثلًا الحكومة في صنعاء، فالطرف الآخر هو السعودية بعيدا عن شرعيتها المتهالكة استنادا إلى ما ذكرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية نهاية شهر أغسطس الماضي، حيث كشفت أن إدارة ترامب تعمل على مبادرة خاصة بإطلاق مفاوضات سرية مباشرة في العاصمة العمانية مسقط بين السعودية من جهة ومن أسمتهم الحوثيين من جهة أخرى لوقف الحرب في اليمن.

بهذه المبادرة الأشبه ما تكون بمبادرة جون كيري وزير خارجية أوباما نهاية 2016م، قد تكون إدارة البيت الأبيض تبدي حرصًا على إخراج السعودية من مستنقع اليمن، لكن ذلك لا يخفي رغبة ترامب في إغلاق أحد الأبواب التي من شأنها أن تؤثر على معركته في انتخابات الرئاسة ليس فقط لدعمه اللامحدود لمحمد بن سلمان وإنما أيضًا لإصراره على تزويد الأخيرة بالأسلحة في ظل اعتراض الكونغرس ومجلس النواب.

بالنسبة لليمنيين، تعتبر أمريكا شريكًا أساسيًا في العدوان على اليمن، ولها الدور الفاعل في استمراريته حفاظًا على مصالحها وتمريرًا لأجنداتها أولًا، وباعتباره مصدرًا من مصادر التمويل لخزينتها من خلال استمرار صفقات السلاح وغيرها، وبالتالي فهي تتحمل مسؤولية قانونية وأخلاقية عن كل التداعيات والآثار المترتبة عليه سواء كانت جادة في الدعوة لوقف الحرب أو لمجرد المناورة واستغلال الحلفاء.

في المقابل، ليس من باب الصدفة أن تتزامن الدعوات الأمريكية لوقف العدوان مع المساعي السعودية الحثيثة لرأب التصدع الذي أصاب تحالفها في مقتل على خلفية سيطرة انتقالي الإمارات بقوة الحديد وهدير الطائرات الإماراتية وغاراتها على عدن ومدن جنوبية أخرى وطرد حكومة الرياض منها، فالواقع أن النظام السعودي يعيش أزمة خيارات تفرض عليه البحث عن مخارج تحفظ ماء وجهه وتبقي على القدر الممكن من النفوذ والهيمنة في اليمن عموما والجنوب على وجه الخصوص.

وعلى وقع التحشيد وقرع طبول الحرب في شبوة بين وكلاء الإمارات والسعودية، تبدو الأخيرة مجبرة على القبول بسلطة الأمر الواقع التي فرضتها شريكتها في التحالف، لكن في حدود ما قد تحقق على الأرض وهذا ما يمكن قراءته من تحذيرات المملكة لجميع الأطراف من أي تصعيد عسكري جديد والتأكيد بأنها لن تتوانى عن التعامل معه.

موقف لا يكشف عن فشل سعودي أو عدم رغبه في استعادة كافة مؤسسات ومعسكرات الدولة وتسليمها لقوات الفار هادي، بل يؤسس لمرحلة جديدة تحتفظ بالتواجد الشكلي للشرعية المزعومة جنوبًا للإبقاء على مسببات ومبررات الحرب. وبدلًا من اعتمادها على حزب الإصلاح في تسيير شؤونها وخوض حروبها، سيكون اعتمادها على الانتقالي الذي حضر جدة على ما يبدو ليس للتفاوض مع وزراء هادي بل لتقديم فروض الولاء والطاعة للسعودية برعاية مصالحها وتحقيق أجنداتها وأهدافها في حضرموت والمهرة، والتعهد بملء الفراغ في مختلف الجبهات في حال استدعى الأمر ذلك.

هكذا تبدو الصورة ويحكي الواقع في الأسبوع الرابع من عاصفة الحزم المرتدة بين وكلاء السعودية والإمارات. إذ إن كلا الطرفين ضاق ذرعا بما يصفونه خيانة الإخوان وانتهازيتهم في تحقيق الأجندات السياسية على المدى الطويل لاستنزاف التحالف والانقضاض على السلطة.وما غاب عن تعليقات المسؤولين السعوديين من تصرفات الإخوان ظهر جليًا في وسائل إعلامهم الرسمية التي بدأت مؤخرًا بشن حملة إعلامية تستهدف هذه الجماعة وسط مطالبات بتحييدها تمامًا عن قيادة ما يسمونه “الجيش الوطني”، وإدارة العملية السياسية كخطوة تمهيدية للنزول عن الشجرة بدعوى أن الحرب في اليمن لا تعني إلا اليمنيين وأن الإخوان لم يكونوا عند مستوى الدعم البري والبحري والجوي المقدم لهم من التحالف، وفق ما يعبر عنه العديد من الكتاب والمحللين السعوديين المقربين من دوائر السلطة.

واستنادًا إلى ذلك، يبدو أن اعتماد السعودية على حزب الإصلاح لاستكمال فصول المعركة والمؤامرة في اليمن أو النكاية بالخصوم أضغاث أحلام يروجها من لا يفهم أدبيات قواعد اللعبة التي يجيدها النظام السعودي ويحفظها عن ظهر قلب. وكما كان إخوان اليمن رهان المملكة لخوض المعركة وتشديد الحصار، سيكونون الشماعة لتعليق الأخطاء وتبرير الفشل والإخفاق.