ماذا يعني اسقاط صاروخ يمني قيمته بضعة آلاف طائرة مسيرة أمريكية بعشرات الملايين من الدولارات؟
عبد الباري عطوان
تتوالى المفاجآت الصادمة، وغير السارة، للولايات المتحدة الامريكية وحلفائها في الجزيرة العربية ومنطقة الخليج، فبعد اعطاب ست ناقلات نفط، واحتجاز بريطانية سابعة، وهجمات بالطائرات المسيرة الانتحارية على حقل الشيبة من منطقة الربع الخالي، وتعطل الملاحة في مطارات ابها وجازان ونجران، ها هي الإدارة الامريكية تعترف بنجاح الدفاع الجوي التابع للجيش اليمني بإسقاط طائرة أمريكية مسيرة من طراز “ام مكيو 9” بصاروخ متطور في اجواء محافظة ذمار جنوب شرق صنعاء.
السيّد يحيى سريع (الناطق باسم الجيش اليمني)وحلفائها، اكد ان الصاروخ المستخدم في اسقاط هذه الطائرة الامريكية (الثانية في الاجواء اليمنية منذ حزيران ـ يونيو الماضي) مصنّع محليا وسوف يتم الكشف عنه في مؤتمر صحافي قريب.
***
انه تطور على درجة كبيرة من الخطورة وسيثير حالة من الرعب والذعر ليس في صفوف الأمريكيين فقط، وانما في صفوف التحالف السعودي الاماراتي أيضا، لانه يوجه رسالة على درجة كبيرة من الاهمية، وللمرة الأولى، الى جميع هذه الأطراف، مفادها ان السماء اليمنية لم تعد مستباحة، او آمنة، تصول فيها الطائرات وتجول مثلما تشاء، مثلما كان عليه الحال في السابق.
منذ اكثر من عشر سنوات، والطائرات الامريكية المسيرة تتجول بحرية في الأجواء اليمنية، وتقتل ما شاءت من اليمنيين الأبرياء بحجة محاربة تنظيم “القاعدة”، ولكن هذا التنظيم يتواجد بكثرة في المحافظات الجنوبية اليمنية، فلماذا تتواجد هذه الطائرات الامريكية المسيرة في محافظة ذمار القريبة من العاصمة.
وجود هذه الطائرة الامريكية، وايا كانت مبرراته، يشكل انتهاكا للسيادة اليمنية، وللقيام بمهمات تجسسية ليس لها علاقة بالحرب على “القاعدة” وانما بجمع المعلومات عن الجيش اليمني التابع لحركة “انصار الله” الحوثية، ولمصلحة التحالف السعودي الاماراتي الذي يخوض الحرب في اليمن تحت ذريعة عودة شرعية لم تعد شرعية.
لا انسى ما حييت رسالة بعثها لي سائق سيارة يمني يقول لي انه من ابين، ويريدني ان احصل له على ضمان من الكونغرس او الإدارة الامريكية بأنه لن يُقتل مثل الكثير من زملائه بصواريخ طائرات مسيرة، ويؤكد انه ليس عضوا في تنظيم “القاعدة” او غيره، وكل همه ان يوفر لقمة العيش لصغاره، وللأسف لم استطع تلبية طلبه.
القيادة المركزية الامريكية أصدرت بيانا توعدت فيه ايران، ووصفت نشاطاتها بدعم حركة “انصار الله” الحوثية بأنه يشكل تهديدا للاستقرار في المنطقة، فما الذي تستطيع ان تفعله هذه القيادة العسكرية الامريكية اكثر مما فعلته طائرات التحالف السعودي الاماراتي التي لم تتوقف عن قصف اليمن طوال السنوات الخمس الماضية، ولم تنجح في تحقيق أي من أهدافها، سواء السيطرة على صنعاء، او دفع “انصار الله” الى الاستسلام ورفع الرايات البيضاء، وعجزت كليا عن الانتقام لإسقاط صاروخ إيراني لطائراتها المسيرة التي انتهكت الاجواء الإيرانية، او حماية الناقلة البريطانية الحليفة من الاحتجاز والاقتياد الى ميناء بندر عباس الإيراني؟
الخرق اليمني يتسع على الراقع الأمريكي، ولم تعد التهديدات الامريكية سواء في اليمن او منطقة الخليج تخيف أحدا، علاوة على كونها تعكس حالة من القلق والرعب، وعدم القدرة على السيطرة على الأوضاع والتحكم بتطوراتها مثلما كان عليه الحال طوال العقود الماضية، و”الفزاعة” الإيرانية التي تستخدمها الإدارة الامريكية كذريعة للتغطية على فشل سياساتها الابتزازية الترهيبية في المنطقة ولتبرير التصعيد والتوتر لم تعد تعطي اؤكلها.
***
أمريكا وباختصار شديد لم تعد تخيف أحدا، باستثناء حلفائها في منطقة الخليج، اما خصومها فانهم باتوا لا يخشونها بل يشكلون خطرا عليها، ويسقطون طائراتها المسيرة الباهظة التكاليف (اكثر من 200 مليون دولار)، بصواريخ لا تتعدى قيمتها بضعة آلاف من الدولارات، الامر الذي يشكل ضربة قاصمة لصناعاتها العسكرية ويفضح تراجع كفاءتها وفاعليتها.
السيد سريع تحدث عن مفاجآت قادمة، وقطعا ستكون “غير سارة” لأمريكا وحلفائها في اليمن، وربما في منطقة الخليج والبحر الاحمر أيضا، والحوثيون اذا قالوا صدقوا، واذا هددوا نفذّوا، والهجوم على حقل الشيبة النفطي، وقبلها على خط انابيب شرق غرب السعودية، واسقاط الطائرة المسيرة الامريكية فجر اليوم احد ابرز الأدلة، وربما المخفي اعظم.
هناك مثل عربي يقول “اذا امطرت على بلاد فبشّر بلادا أخرى”، ولا نستبعد ان تصل هذه الصواريخ الحوثية التي اسقطت الطائرة الامريكية المسيرة الى حماس والجهاد في قطاع غزة وحزب الله في جنوب لنان والحشد الشعبي في العراق، ان لم تكن قد وصلت فعلا.. والله اعلم.