أسس الحكم الصالح في عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر
صحيفة الثورة – محمد محسن الحوثي
قبل ألف وأربعمائة سنة تقريبا، ولى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، مالك بن الحارث الأشتر على مصر، وكان الإمام علي عليه السلام، يعني باختيار عماله من أهل القدرة والصلاح والتقدير، ويزودهم بعهود مكتوبة إلى أهل ولاياتهم ويتضمن الكتاب إلى من ولي عليهم بيان حقوقهم وواجباتهم، والخطة التي وضعها لإدارة بلدهم، ويعتبر ميثاقاً لا يجوز للعامل أن يحيد عنه أو يخرج على ما جاء فيه، وكتبه وعهوده في هذا المقام مشهورة، لكن أشهرها ذلك الكتاب الجامع الذي كتبه للأشتر النخعي لما ولاه على مصر، وهو أطول عهوده وأجمع كتبه، وضع فيه أدق الأنظمة وأهمها إصلاحا لحياة الإنسان السياسية والاجتماعية.. وعالج فيه بصورة موضوعية وشاملة جميع قضايا الحكم وإدارته، والعلاقة بين الحاكم والرعية/المحكوم، ثم يتعاهدهم بكتبه، موجهاً وناصحاً ومرشداً، ثم هو يتحسس أخبارهم، ويستطلع أنباءهم، وفي ضوء ذلك يقر المحسن منهم على عمله، ويعزل من أساء ويعاقب المذنب.. وتلك هي سياسة الإمام العادل، والخليفة الراشد الأريب.
الدراسة تقترب من مفهوم أسس- قواعد- الحكم الصالح في عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر، وتقتصر على سبر أغواره بتحليل المفاهيم التي يتضمنها العنوان، بصبغة سياسية( )، والاستعانة ببعض مقولات الوظيفية- البنائية، والمقارنة الشكلية، ويعتبر تعريف المفاهيم من أوليات التحليل المنهاجي لها، والضبط الموضوعي للمستبطن فيها، باعتبارها ركيزة أساسية في التعامل مع الظاهرة والأحداث، وفق المنهج الكلي الحاكم للحياة –الإسلامية- في الفكر والتطبيق، لأن النظرة الجزئية إلى مضمون العهد لا تعطي صورة شاملة لما اختزنه من قيم ومبادئ وضوابط، وحقوق وواجبات، ومواصفات لوظائف أبنية الحكم، والقائمين عليها، وأساليب اختيارهم، ومن جانب آخر غوص العهد بوضوح في تفاصيل دقيقة لكثير من أنساقه وأجزائه.
أهمية عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر: يكتسب عهد الإمام علي عليه السلام أهميته من الآتي:
– يعتبر أول عهد شامل –وثيقة دستورية- تضمن نظام إدارة الدولة والمجتمع، وشؤون الحكم وفق رؤية علمية كلية وأسلوب موضوعي يتجاوز الزمان والمكان، ولهذا تتجدد قراءته للاستفادة منه عمليا، وغالبا ما يستحضر في مراحل الصراع والأزمات الحادة، ومن الأمثلة في هذا الصدد مطالبة الأستاذ بجامعة الأزهر الدكتور/ رفعت صديق بإرسال نسخة من عهد الإمام علي عليه السلام إلى الرئيس/ عبد الفتاح السيسي، باعتبار أنه أفضل خارطة طريق يتم إهدائها للرئيس.. وأضاف صديق: إنه من المهم أن يتم توجيه الوزراء والمحافظين إلى العمل وفق ما رسمه علي بن أبي طالب في عهده لمالك الأشتر حين ولاه مصر، واعتبر أنه لو طبقت هذه الوصايا لاحتلت الحال في مصر.. وطالب صديق بمخاطبة رؤساء العالم الإسلامي بتدريس ونشر هذا العهد لما له من أهمية كبيرة في إدارة الحكم والتعامل مع الشعوب قائلا: “لو طبق هذا العهد، وعملوا به ما قامت ثورة في بلاد المسلمين”.
-تضمن العهد ما يتعارف عليه في الأوساط الأكاديمية والمؤسسات الدولية بمرتكزات ومبادئ الحكم الصالح/الراشد/الرشيد/الجيد/السليم، وبذلك إمكانية صلاحية العمل بما تضمنه العهد في الواقع العملي، لتوزيع القوة بين مؤسسات الحكم والمجتمع –مؤسسات حكم قوية ومجتمع قوي- على المستوى الداخلي، وتنظيم العلاقة مع الخارج، بجهاد الأعداء، وعقد المواثيق والعهود –صنع السلام- وفي هذا الجانب اهتمت الأمم المتحدة به بالتزامن مع تبنيها مفهوم ومبادئ الحكم الرشيد/الصالح، المتزامنة مع فترة كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة (السابق)، الذي وصل العهد إلى أذنه عن طريق زوجته السويدية، وحينها قال: إن هذه العبارة من العهد يجب أن تعلق على كل المؤسسات الحقوقية في العالم، والعبارة من العهد هي:
“..وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا، تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان، إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق”
وهذه العبارة جعلت كوفي عنان ينادي بأن تدرس الأجهزة الحقوقية والقانونية العهد العلوي، وترشيحه لكي يكون أحد مصادر التشريع للقانون الدولي، وبعد مداولات استمرت لمدة سنتين في الأمم المتحدة صوتت غالبية دول العالم على كون العهد العلوي كأحد مصادر التشريع لقانون الدولي”.
وتضمن تقرير الأمم المتحدة للتنمية الإنسانية-النسخة العربية- للعام 2002م عددا من مقولات الإمام علي عليه السلام حول العلم والثقافة والتنمية الإنسانية، ويذكر التقرير أن هذه الوصايا الرائعة تعد مفخرة لنشر العدالة وتطوير المعرفة واحترام حقوق الإنسان، وشدد التقرير على أن تأخذ الدول العربية بهذه الوصايا في برامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، واشتمل التقرير على منهجية الإمام علي عليه السلام في السياسة والحكم وإدارة البلاد والمشورة بين الحاكم والمحكوم، ومحاربة الفساد المالي والإداري، وتحقيق مصالح الناس، وعدم الاعتداء على حقوقهم المشروعة، واقتبس التقرير شرط الإمام علي عليه السلام للحاكم الصالح الوارد في نهج البلاغة: “إن من نصّب نفسه للناس إماما فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، فمعلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس”، واقتبس التقرير مقاطع من وصايا الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر، التي يؤكد فيها على استصلاح الأراضي والتنمية، يقول: “وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج لأن ذلك لايدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة إخرب البلاد وأهلك العباد، ولم يستقم أمره إلا قليلا”، كما أورد التقرير أيضا أساليب الإمام علي عليه السلام في محاربة الجهل والأمية وتطوير المعرفة، ومجالسة العلماء يقول لأحد عماله: “وأكثر من مدارسة العلماء ومناقشة-ومنافسة- الحكماء في تثبيت ما يصلح عليه أمر بلادك، وإقامة ما استقام به الناس قبلك”، [التقرير: ص76]. وأورد التقرير شروط اختيار الحاكم –القاضي- العادل، ومكانته وحقوقه قول الإمام علي عليه السلام: “ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك لنفسك، ممن لا تضيق به الأمور، ولا تمحّكه الخصوم، ولا يتمادى في الزّلة، ولا يحصر من الفيء إلى الحق إذا عرفه، ولا تشرف نفسه على طمع، ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه، وأوقفهم في الشبهات، وآخذهم في الحجج، وأقلهم تبرما بمراجعة الحكم، وأصبرهم على تكشف الأمور، وأصرمهم عند اتضاح الحكم، ممن لا يزدهيه إطراء، ولا يستميله إعراء، وأولئك قليلون، ثم أكثر تعاهد قضائه، وأفسح له في البذل ما يزيل علته، وتقل معه حاجته إلى الناس، وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك، ليأمن بذلك اغتياب الرجال له عندك، فانظر في ذلك نظرا بليغا” [التقرير: ص103].
رئيسة وزراء اسكتلندا رفعت العبارة السابقة من العهد العلوي في مقر الحكومة عام2018م.
الوالد العلامة/ أحمد محمد الشامي رحمه الله، كان يحدث طلبة العلم بالجامع الكبير-صنعاء- أن بريطانيا رفعت –علقت- عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر في البرلمان البريطاني (مجلس العموم، ومجلس اللوردات).
الدراسات السابقة واتجاهاتها: من خلال البحث والتنقيب في المكتبات وشبكة الإنترنت، لم يتوفر دراسات علمية (أطروحات ورسائل دكتوراه وماجستير) إلا بعدد أصابع اليد، ووجد كما كبيراً من القراءات والكتابات على شبكة الإنترنت، أما في اليمن وبعد البحث الحثيث وجد الباحث ثلاثة كتب، وكتيباً رابعاً، وهي:
-السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي؛ “المسؤولية العامة في ضوء دروس عهد الإمام علي لمالك الأشتر”، إعداد/ محمد محمد يحي الدار، (صنعاء: دائرة الثقافة القرآنية، ط1، 2018م)
-وزارة العدل بالجمهورية اليمنية، عهد الإمام علي لمالك الأشر عندما ولاه على مصر، (صنعاء: مركز الشهداء للأعمال الثقافية والفنية، [د.ط]، 8/ 2017م).
-المرتضى بن زيد المحطوري، عهد الإمام علي للأشتر: قانون حياة ودستور دولة، (صنعاء: مكتبة بدر للطباعة والنشر والتوزيع، ط2، 2014م).
-أحمد ناجي أحمد النبهاني، رسالة الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه إلى الأشتر النخعي: قراءة لنص تراثي في السياسة الشرعية في ضوء الحالة اليمنية، (صنعاء: مركز عبادي للدراسات والنشر، ط1، 2000م).
إضافة إلى مقالات في الصحف والمجلات، وهي جهود مقدرة، ويستفاد منها.
-عقد الملتقى الأكاديمي المؤتمر العلمي الأول للارتقاء بالعمل المؤسسي في ضوء عهد الإمام علي –عليه السلام- لمالك الأشتر”، صنعاء: 8-10/ 10/ 2018م، قدم فيه أكثر من 25 دراسة وبحث في المجالات المختلفة، أثريت بالنقاش، واختتم المؤتمر ببيان تضمن التوصيات، ويعتبر خطوة صحيحة في الاقتراب من عهد الإمام علي (ع) لمالك الأشتر.
ورغم وجود الكتاب والباحثين والمؤلفين والأساتذة والجامعات إلا أن الالتفات إلى عهد الإمام علي نادر جداً، ويمكن تصنيف الكتاب والباحثين حسب نتاجهم على النحو التالي:
التيار الانتقائي: وهذا التيار يبحث عن ما يؤيد فكرته او وجهته، ويتحيز لمنهجه المستخدم أو بعض مفاهيمه، كانتفاء او اقتناص جزء من نص العهد وترك جزء آخر أو إهماله والقراءة المجزأة لنص العهد – بصورة تفكيكية وليس بموضوعية واحدة متكاملة ويكرس الانتقاء التحيز، ويكرس التحيز الانتقاء، وكلاهما يكرس غياب الصورة الحقيقية الشاملة عن عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر.
التيار المؤدلج: هو صورة أخرى للتحيز من منطلق قناعات فكرية ومذهبية تؤدلج “العهد” وتسيره حسب رؤيتها التي هي في المقام الأول رؤية من ألفها، وليس حسب ما هي عليه طبيعته، ليصير مع دراسة الماركسي مادياً تاريخياً، ومع الليبرالي تنويرياً ديمقراطياً..الخ.
وهكذا ليحمل بأكثر من وجه، وليتخذ أكثر من صورة فالكل يدرسه ليخرج منه ما يريد، ويستنطق منه ما يشاء، فيؤدي إلى فساده بطمس مكنونه ويضيق عليه المنافذ كي يتحدث بلغة غير لغته ويكشف عن ذات ليست ذاته.
التيار الجامد: نتيجة للتقليد الأعمى، غير الواعي، وعدم تكليف النفس في الإيداع وفي نفس اللحظة عدم الأصالة، وهذا التيار قد يصل إلى نفي من يخالفه وإخراجه من الملة.
التيار الوصفي: المستغرق في تفاصيل مسحية أشبه بسرد حكايات وكأن العهد قصص وروايات يمكن التسلي بها.. والتيار الواصف إذا ما أضيف إلى التيار الجامد أدخلت العهد في قضايا ليست من أولويات الحاضر المعاصر، ولا من توازناته ولا من ضروراته، وسيادة اللغة التقليدية وفقدان أصول اللغة الاتصالية الوسيطة.
التيار المتجزئ: وهو على نوعين:
-الأول اجتهد في جوانب ولم يستكمل جهده.
-الثاني يشير إلى جهود مفتقدة، وهم الأجدر بالدراسة والتحليل لهذا العهد، ولكن بعضهم غادر الدنيا، والبعض الآخر شغل بهموم جانبية، وضعت دراسة العهد، وغيره في آخر مراتب اهتماماتهم البحثية.
تيار التغريب: ويعتمد في دراسته وتحليلاته على المنهجية الغربية فضلاً عن المتغربين الذين احتذوا بالمنهج والفكر الغربي حذو القذة بالقذة، وانحشروا معهم في جحر الضب، ويتعامل مع مختلف الظواهر المتعلقة بالمسلمين والإسلام والواقع العربي خاصة، وفق منظومة المفاهيم الغربية وقياساً عليها، ولا تحسب إلا بالاستعانة بالمناهج الغربية دون نقد أو مراجعة.. والتعامل معها على أنها العلم المعاصر، وكل ما عداها ليس بعلم..الخ ويتم استخدامها بعلاتها دون وضع اعتبارات للبيئة والثقافة، وهذا التيار عبّر عنه عبد الرحمن بن خلدون بقوله: “إن المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده..والسبب أن النفس أبدا تعتقد الكمال في من غلبها، وانقادت إليه إما لنظره بالكمال بما وفر عندها من تعظيمه، أو لما تغالط به من أن انقيادها ليس لغلب طبيعي، إنما هو لكمال الغالب”.
والهدف الحضاري للأمة ليس اللحاق بالغرب وتقليده “ولو دخلوا جحر الضب لدخلتموه”، وليس تضييق الفجوة بيننا وبينه، وإنما هو دخول عصر المعلومات والعولمة كأصحاب حضارة وثقافة متميزة، تتمتع باستيعاب واستخدام أفضل للمنجزات العلمية والتكنولوجية للإنسان، وقيم إنسانية رفيعة تحقق للإنسان صفاء نفسيا وعلاقات إنسانية صحيحة بين الأفراد والأمم.. تعالج هذه القيم الخواء السائد بين مواطني الأمم المتقدمة المتمتعين برخاء اقتصادي كبير، وتقدم تكنولوجي عظيم، وقدر أعظم من التعاسة، نتيجة لأسلوب الحياة الفردية التي يفرضها النظام الرأسمالي الفردي، ولانعدام المعايير الأخلاقية في معالجة المشكلات الدولية والمحلية -كل تلك القيم والمعايير الأخلاقية تضمنها عهد الإمام علي عليه السلام- ونتج عن تيار التغريب ما يسمى بالتيار الدفاعي، ويتخذ أكثر من شكل منها:
– اتجاه التفاخر: يحاول إثبات أن الغرب بنى أصول حضارته على أسس المعرفة الإسلامية آنذاك، ونسمع في كل وقت وحين العبارات تتردد أن كل شيء موجود في الإسلام، أو في القرآن، عند إعلان الآخر أي ابتكار أو إبداع منهجي، صحيح أن الإسلام تضمن كل شيء، وينسى أو يتناسى أن الإسلام حث على العمل وبذل الجهد، والأخذ بالأسباب ليتحقق الشهود الحضاري للأمة.
– اتجاه التبرير والاعتذار وبجهد في الدفاع عن شبهة هنا أو هناك دون أن يدري أن هذا أحد أهداف منهاجية التغريب والاستشراق القديم والحديث.
– اتجاه افتراض التشابه بين عناصر أو مفاهيم في الفكر الغربي والرؤية الإسلامية -كما هو في بعض القراءات لعهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر- وهو توجه بجهد فكره في إحداث عملية تلفيق قد لا يقوم على أساس منهجي .
تقدم الورقة مقاربة للمفاهيم المثبتة بالعنوان (أسس الحكم الصالح، في عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر)، ونطل منها على التعريف بأعلامه (صاحب العهد، والمعهود إليه).
الاقتراب من عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر
تعريف العهد: يعني الوصية، يقال عهد إليه من باب تعب إذا أوصاه، وعهدت إليه بالأمر قدمته في التنزيل قال تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }يس، جزء من الآية60، والعهد الأمان والمواثيق واليمين، والذمة، ومنه قيل للحربي يدخل بالأمان ذو عهد ومعاهد، وجاء في الحديث “أن كرم الأيمان من العهد” أي رعاية المودة.
والمعاهدة المعاقدة والمخالفة، وعهدته بمال عرفته به، والأمر كما عهدت أي كما عرفت، وهو قريب العهد بكذا أي قريب العلم والحال، وعهدته بمكان كذا لقيته، وعهد بما به قريب أي لقائي، وتعهدت الشيء ترددت إليه وأصلحته وحقيقته تجديد العهد به، وتعهدته حفظته.. وفي الأمر عهدة أي مرجع للإصلاح فإنه لم يحكم بعد فصاحبه يرجع إليه لأحكامه، وقولهم عهدته عليه من ذلك، لأن المشتري يرجع إلى البائع بما يدركه، وتسمى وثيقة المتبايعين عهدة لأنه يرجع إليها عند الالتباس.
والعهد ما يمثل العقد بين الوالي/الحاكم والرعية/المواطنين، وبهذه الصيغة يكون الإمام علي عليه السلام قد سبق أنصار نظرية العقد الاجتماعي بمئات السنين، ورغم أن الإمام علي عليه السلام ذكر في أول جملة بعد بسم الله الرحمن الرحيم أنه “عهد” إلا ان القراءات نعتته بعدد لا بأس به من النعوت والصفات، فقراءات ما قبل القرن التاسع عشر الميلادي نعتته بـ “رسالة، وثيقة، كتاب، خطاب، توصيات، وصايا، تعليمات، نهج..الخ).
أما بعد القرن التاسع عشر فنعتته بـ :مبادئ الحكم، دستور، الحقوق والواجبات، حقوق الإنسان، قانون إداري، استراتيجية، وثيقة ذات أبعاد قانونية سياسية اجتماعية إدارية…الخ”، مع التداخل فيما بين الفترتين، ورافقت هذه النعوت قراءات حول النص، ففي الأولى تركزت على القيم والمبادئ كما هي في كتب السيرة والتفسير والتاريخ والفقه، واهتمت القراءات الثانية بالتوصيف الوظيفي بشقيه توصيف الوظيفة وتوصيف الموظف، ومنه القيادة) من جانب، والحقوق والواجبات والسلطة والعلاقة بين الحاكم والمحكوم من جانب آخر، وفقاً لتوجهات الباحثين (الاشتراكي، الليبرالي، القومي، العلماني…الخ).
واعتبره أنصار هذا التيار أول وثيقة قانونية –دستورية- مفصلة تعالج واجبات الحاكم ووظائفه والعلاقات بين الراعي والرعية –الشعب والحاكم-، كما يفصل في الحديث عن الوظائف الأساسية –السلطات الثلاث- ويضع الضوابط لأشخاصها، وهو مايسمى في عصرنا الراهن “المؤسساتية” أرقى ما توصلت إليه الأنظمة الحديثة!
وتبلور تيار ثالث تعاطى في قراءة عهد الإمام علي عليه السلام من منظور إنساني عالمي وهو دليل على أهميته واشتماله على كل تلك النعوت، ويدل ذلك على أن العهد أوسع وأشمل.
سند العهد: عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر ورد في المصادر والمراجع الأصلية، وثبتت صحته، من خلال تعدد رواته بمختلف اتجاهاتهم، وحسب موسوعة ويكيبيديا، أشارت إلى أن من رواته: محمد بن الحسن الطوسي –من أعلام القرن الخامس- فيذكر الشيخ الطوسي سندا صحيحا عند المشهور للعهد، وكذلك النجاشي –أحد رجالات العلم عند الإمامية- روى العهد بطريق آخر صحيح عند المشهور، ورواه الشريف الرضي، في كتاب نهج البلاغة، ورواه ابن أبي شعبة الحراني –الذي كان يعيش في أواسط القرن الرابع- المعاصر للشيخ الصدوق، في كتابه “تحف العقول”، ورواه القاضي النعمان، وكان قاضيا أيام حكم الفاطميين في مصر، في القرن الرابع والخامس، في كتابه “دعائم الإسلام”.
بنية العهد: بقراءة العهد وتأمله نجده يتكون من بنية كلية شاملة أسلوباً وشكلاً ومضموناً، والطريقة التي أقام بها العهد وتنظيم أجزائه وأنساقه، ووظيفة كل جزء ودوره والقدرات التي تضمنها.
لغة العهد قوية فصيحة، مفرداته جزلة، وتتسم بالوضوح مع مراعاة بعض المفردات التي تحتاج العودة إلى القاموس أو المعجم اللغوي، كذلك بعض المفاهيم عميقة المعنى والدلالة في نفس اللحظة، يخلو من الحشو والزوائد، فكل مفردة وجملة لها وظيفتها في العهد.
وأما أسلوب بنيته الشكلية فيتسم العهد بالتركيب والترتيب والتسلسل في تنظيم الأبنية الداخلية، والترابط والتماسك المادي والمعنوي فيما بينها.
أما بنية المضمون فتتسم بالدقة والسلاسة، ففي البينة الخطية ينتقل من مفاهيم الطبقة/ البنية بوصف لها ولدورها ووظيفتها وفقاً لشاغليها، ومواصفاتهم النفسية والقدرات التي تتطلبها الوظيفة في توازن بين السلطة والمسؤولية، إضافة إلى الحقوق والواجبات، والعلاقة بين الرئيس والمرؤوسين والتحفيز.. الخ، وتختلف الأدوار والمواصفات من بنية إلى أخرى، بمضامين متناهية الدقة في التعبير والدلالات، وهكذا ينتقل من وصف جزء في بنية داخلية إلى أخرى حتى اكتمال البناء، ولا يقتصر على بنية السلطة الحكومية بل يتعدى ذلك إلى بنية التجار وذوي الصناعات (قطاع المال والأعمال)، ثم ينتقل إلى الطبقة السفلى ذوي الحاجة والمسكنة (الرعاية الاجتماعية).
ولم يكتف العهد بالبنية الخطية، بل تضمن البنية الدائرية، ممثلاً: في أسلوب الالتفات، وتحديداً في البنية العليا “الوالي أو الحاكم” والوظائف والأدوار المسندة إليه، في بداية العهد عرفه بالوظائف والأدوار التي عليه القيام بها، والواجبات التي يلتزم بأدائها، وبإيجاز ذكّره نهاية العهد بما ورد في بدايته.
كل ذلك جعل من العهد بنية كلية للحكم في هندسة معمارية متماسكة ثابتة الأسس “القواعد” مترابطة الأجزاء والأنساق، وما تضمنه من قيم –سياسية- عامة، وحوى الكثير من المضامين المختلفة، وما الأسس إلا جزءا لا ينفصل عن بنية المضامين، فهي مترابطة ومتداخلة كما هي في الواقع، بمعنى أنه موثق بالترابط الداخلي المتين بين جميع كلياته وجزئياته على المستوى القيمي والعملي والتفاعلي، بحيث يؤثر أي حذف أو تجاهل لقبمة أو فقرة على التماسك والهيكلة العامة للعهد والشكل التالي يمثل هيكل البنية الشكلية للعهد:
ويتسم العهد بأمرين:
الأول: لكل جملة أو عبارة أصل في كتاب الله عز وجل -أو السنة النبوية الصحيحة- أي أنه مصبوغ وفق معايير الوحي الإلهي، إضافة إلى السنن الإلهية، أي أنه جمع بين قراءتين هما أساس الفكر السياسي الإسلامي.
- الوحي: قراءة الكتاب المسطور. والإمام علي عليه السلام أعلم الناس بعد النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهو كما ورد في الحديث النبوي الشريف “باب مدينة العلم”، وعلى رأس تلك العلوم القرآن الكريم وعلومه، قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: “علياً مع القرآن والقرآن مع علي”، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما معناه “=أن علي عليه السلام يقاتل على تأويل القرآن كما قاتل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على تنزيله.
- السنن الإلهية والتاريخية: قراءة كتاب الكون المنظور. وفي هذا الجانب نستدل على معرفة الإمام علي عليه السلام وخبرته بالماضي، والتوقع بالمستقبل المبني على منهجية موضوعية ما ورد في العهد لمالك الأشتر قوله: “واعلم يا مالك أني قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور، وأن الناس ينظرون من أمورك مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك، ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم..”، معرفة الإمام بنموذجين للدول التي تداولت على “مصر”، دول عدل ودول جور، وأن السنن التاريخية تعيد نفسها، ولا يصح للحاكم أن يهمل سنة العدل، لأن إهمالها يؤدي إلى انهيار كيان الدولة وخذلان الرعية.
والعهد العلوي نابع عن نظام الإسلام (الصبغة) ومرتبط بالنظام المعرفي الإسلامي (الصيغة) فانبثقت عنه الصياغة من مشكاتها في هندسة معمارية حضارية متكاملة كشجرة طبية أصلها ثابت وفرعها في السماء”، وليست مفصولة “لا مقطوعة ولا ممنوعة” عن منهج الحياة وعمرانها.
ويحتوي العهد على مفاهيم ذات مضامين كلية، وتتكامل الرؤية فيما بينها على مستويات متعددة، يمكن الإشارة إلى أربعة منها:
1-التفاعل داخل المفهوم الواحد (عناصره ومستوياته).
2-التكامل مع منظومة المفاهيم الأخرى بشكل تفرضه طبيعة الرؤية فيه.
3-أن المفهوم الواحد يصلح كأساس للتعبير عن منظومة من المفاهيم بمفرده.
4-يشير إلى ارتباط كل منظومة المفاهيم بقصد أساسي هو “التوحيد”.
الثاني: كل قيمة واردة في العهد (العدل، المساواة، الشورى، الحريات، الرضا العام، الهداية، الرحمة، ال…) أو دور ووظيفة أو حقوق وواجبات في العهد نجدها متحققة في سلوك الإمام علي عليه السلام وفي سلوكه وممارساته، ومن ثم فإن دائرة العهد لا تقف عند حد الدائرة الذاتية بل تتعداها إلى أبعد من ذلك؛ إلى دائرة الحديث والمعاصر، مع استيعاب التنوعات المكانية كذلك استيعاب الاتجاهات المختلفة.
تقسيم عهد الإمام علي عليه السلام: يتميز عهد الإمام علي عليه السلام ببنيته الكلية، وأنساقه الواضحة، الموزعة على وظائف الحكم/ الدولة، كما هو متعارف عليها اليوم، غير أن القراءات تتعدد، بحسب الثقافة والبيئة، فتتفق في كثير من الأجزاء، وتختلف في أجزاء أخرى.
وينقسم عهد الإمام علي عليه السلام حسب هذه الدراسة إلى خمسة أقسام رئيسية +الختام، وهي:
أولاً: الوظائف الأساسية للوالي (الدولة) أو الركائز الأساسية التي تلتزم الدولة بأدائها وهي (جباية خراجها، وجهاد عدوها، واستصلاح أهلها، وعمارة بلادها).
ثانياً: البنية العليا للنظام ممثلاً في الوالي الحاكم ووظيفته وكيفية اختيار المستشارين والوزراء وخاصته/ بطانته، وتوضيح النماذج السلبية والسيئة التي يتجنبها عند اختيارهم وفقاً لعدد من المواصفات، وعدم المساواة بين المحسن والمسيء.
إضافة إلى العلاقة بين الوالي/ الحاكم والرعية، وفي مقدمتها ترسيخ عامل الثقة عن طريق: الإحسان إلى الرعية، وعدم تحميلهم الأعباء، وترك استكراههم على ما ليس له عندهم، ونتيجة ذلك يقطع عن الوالي التعب.
وحذر الإمام علي عليه السلام من:
- الملح لمعايب الناس (المخبر) بالمعنى المعاصر “لأن في الناس عيوباً على الوالي سترها”.
- النمام بمعايب الناس (الواشي) “لأنه غاش وإن تشبه بالناصحين،. فإبليس عندما خدع أبينا آدم جاء له في هيئة الناصح، فكان سببا في إخراجه من الجنة.
وأمر الإمام علي عليه السلام أن لا يدخل في مشورته ثلاثة:
- البخيل: لأنه يعدل بك عن الفضل، ويعدك الفقر، وكما يقال أن البخيل أساس الذل.
- الجبان: لأنه يضعفك عن الأمور.
- الحريص: لأنه يزين لك الشره بالجور.
والبخل والجبن والحرص غرائز شتى، يجمعها سوء الظن بالله.
كما حذر أن لا يكون من بطانته من كان للأشرار من قبله وزيراً، لأنهم أعوان الأثمة وإخوان الظلمة.
ثم تشير إلى إحدى ركائز العمل الجيد/ الحكم الصالح، ممثلاً في استمرار السنة الصالحة التي عمل بها في صدور هذه الأمة واجتمعت بها الألفة وصلحت عليها الرعية.
- ومن ضمن خاصة الوالي الحاكم، وما يجب عليه مدارسة العلماء ومناقشة الحكماء في تثبيت ما صلح عليه أمر البلاد، وإقامة ما استقام به الناس قبله، وهنا يثبت أحد أهم عناصر الحكم الصالح (العلماء والخبراء)، والآلية متروكة لحال ووضع الأمة، فقد تكون جمعيات كما هو في جمعيات العلماء أو مجالس الحكماء والخبراء أو روابط كرابطة علماء اليمن..الخ.
والإمام علي عليه السلام يحث على طلب العلم قفال:
“إن من نصب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، فمعلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس”.
ثالثاً: طبقات الرعية والعلاقة فيما بينها: وهو مفهوم أوسع مما هو عليه اليوم فيشمل الأمور السياسية والعسكرية والقضائية، والاقتصادية والاجتماعية..الخ، وتتكامل فيما بينها ولا يصلح بعضها إلا بالبعض الآخر.
واشتمل العهد في هذا القسم على جزئين الأول عبارة عن مقدمة موجزة وضح فيها الطبقات وقوامهم، والثاني يتضمن الوظائف والمسؤولين ومواصفاتهم. ومعايير اختبارهم وصفاتهم وحقوقهم وواجباتهم، ومن خلال الجزء الأول يتضح أن الطبقات هي:
1- جند الله : وهم حاليا المؤسسة العسكرية والأمنية ومن في حكمهم، فهم:
(حصون الرعية، زين الولاة، عز الدين، سبل الأمن).
ولاقوام لهم إلا بالخراج، يقوون به على جهاد عدوهم، ويعتمدون عليه فيما يصلحهم ويكون من وراء حاجتهم.
2-القضاة: -مؤسسة القضاء- والعمال والكتاب -الجهاز الإداري والتنفيذي-.
3-طبقة الكتاب هم الذين يتولون تحرير الرسائل العامة والخاصة، في مختلف شؤونهم وينقسمون إلى:
– كتاب العامة، الذين يعملون في الرسائل الخاصة بالشكاوى والمظالم، ومنهم الكتاب في المحاكم والمحاسبون والمحامون.. الخ.
– كتاب الخاصة: ويتولون تحرير المذكرات والرسائل الخاصة بالوالي في مختلف الشؤون المتعلقة بالحرب والسلم والأصدقاء والأعداء ويتولون إعلام الوالي بالمذكرات والرسائل الصادرة إليه ووضع الردود عليها.
ووضع الإمام علي عليه السلام قواعد صارمة لاختيار هؤلاء الكتاب لأن أي عيب أو تجاهل يرتد على الوالي .. ووضع معايير علمية لاختيارهم، فلا يقبل الفراسة وحسن الظن “لأنهم يتصنعون أمام الولاة وحقيقتهم غير ذلك، ووضع مواصفات لمن يكون قائداً لهم (مدير)..
4-التجار وذوي الصناعات (رجال المال والأعمال/ القطاع الخاص).
5-الطبقة السفلى (ذوي الاحتياجات الخاصة) هم أهل الحاجة والمسكنة الذين يحق رفدهم ومعونتهم، وفي الله لكل سعة، ولكل على الوالي حق بقدر ما يصلحه، وليس يخرج الوالي من حقيقة ما ألزمه الله من ذلك.
وكان الإمام علي عليه السلام لا يهدأ له بال وفي الناس محتاج إليه، جاءه يوماً ابن التياح عامله على بيت المال، فقال يا أمير المؤمنين امتلأ بيت المال من صفراء وبيضاء، فقال “الله أكبر” ثم قام متوكئاً على ابن التياح حتى قام على بيت المال وهو يقول “يا صفراء يا بيضاء غري غيري هاء وهاء” حتى ما بقي في بيت المال دينار ولا درهم -وزعه كله على المحتاجين- ثم أمر بنضحه وصلى فيه ركعتين.
وكانت وصيته وهو على فراش الموت “الله الله في الإيتام فلا تعفو أفواههم، ولا يضعن بحضرتكم.. الله الله في جيرانكم فإنهم وصية نبيكم، الله الله في الفقراء والمساكين اشركوهم في معايشكم”.
رابعاً: واجبات الوالي / الحاكم المباشرة:
1-الإنجاز: “وامض لكل يوم عمله فإن لكل يوم ما فيه”، ودائماً ما تردد المقولة لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد، لأن في ذلك تراكم للقضايا والحاجات، ومن ثم ضياعها، ويترتب عليها مظالم كبيرة، ويدخل ضمن الإنجاز ما يسمى تبسيط الإجراءات.
2-الاهتمام بالجانب العبادي، والرحمة بالمؤمنين في الصلاة “..صل بهم كصلاة أضعفهم”.
3-عدم الاحتجاب عن الناس: لأن أكثر حاجات الناس إليك ما لا مؤونة فيه عليك، من شكاة مظلمة، أو طلب إنصاف في معاملة.
4-التعامل مع الخاصة والبطانة والمقربين بقطع أسباب الاستئثار، وعدم محاباتهم أو منحهم قطيعة أو غير ذلك، والتزام الحق من لزمه من القريب أو البعيد.
5- توضيح الموافق الملتبسة –الشفافية- “وإن ظنت الرعية بك حيفاً فأصحر لهم بعذرك، وأعدل عنك ظنونهم بإصحارك”، كما فعل الشهيد الرئيس/ صالح الصماد –رحمه الله- بقوله في خطابه قبل استشهاده بعشرة أيام ما معناه: “لو يستشهد الصماد اليوم، مابه أين يسيروا أولاده، إلا يرجعوا صعدة”، علما أن منزله في صعدة تم تدميره بغارات طيران تحالف العدوان!
خامساً: الحرب والسلام مع العدو: الصلح فيما يرضي الله مع الحذر من العدو، والوفاء بالعهود؛ في هذا الجزء لا يأتي الصلح إلا في الحرب.
وفيه بحث الوالي على الصلح إذا دعاه إليه العدو، لله فيه رضى، لما في الصلح من راحة للجنود، والأمن، مع الحذر كل الحذر من العدو بعد الصلح، كأن الإمام علي -عليه السلام– يشخص الواقع الراهن؛ فالعدو يفعل ذلك بغرض المكر والخديعة فإن فعل فخذ بالحزم.. ثم ينتقل إلى العهد والوفاء به.. فلا تغدرن بذمتك ولا تخيسن بعهدك، ولا تختلن عدوك، فلا إدغال ولا مدالسة ولا خداع فيه ..ثم ينهاه أن لا يعقد عقدًا تجوز فيه العلل، بمعنى تحويله على غير المراد، ولا تعولن على لحن القول؛ أي يقبل التوجيه كالتورية والتعريض، بمعنى لا يحتمل إلا ما يفيد الكلام الواضح ..ثم يحذره من سفك الدماء بغير حلها، ولا يبني سلطانه بسفك دم حرام، لأن ذلك بضعفه وبوهنه بل يزيله وينقله، ولا عذر عند الله في القتل العمد، لأن فيه قود البدن، وفي الوكزة فما فوقها مقتلة..
سادساً: الختام ( أحكام عامة توصيات عامة..الخ):
في هذا الجزء مجموعة من الآداب التي على الوالي أن يتحلى بها، وفيه التفات لتحذيرات سابقة بإيجاز ووضوح ثم الدعاء بالتوفيق والختام.
أسس الحكم الصالح في العهد العلوي: في المعنى المعجمي (أس) (الهمزة، والسين، يدلّ على: الأصل والشيء الوطيد الثابت).
(أسس : الأُسُّ والأَسَس والأَساس : كل مُبْتَدَإِ شيءٍ .
والأُسُّ والأَساس : أَصل البناء ، والأَسَسُ مقصور منه ، وجمع الأُسِّ إِساس مثل عُسّ وعِساس ، وجمع الأَساس أُسس مثل قَذال وقُذُل ، وجمع الأَسَس آساس مثل: سبب وأَسباب.
والأَسيس : أَصل كل شيء).
والظاهر أن المعنى اللغوي والاصطلاحي هو نفسه عند مستعمليه، حيث أنه ليس ثمّة اصطلاح للمستعملين سوى ذلك، فالمهندس المعماري وغيره من مستعملي هذه المادة اللغوية، لم يتناولوا معنىً آخر يتجاوز حدود ما تقدّم ذكره. وهي بالتالي تعني ـــــــــ أي كلمة الأساس ـــــــــ المرتكز والقاعدة.
وليس من السهل الكتابة عن الإمام علي (ع) ودوره الفكري في ترسيخ اسس بناء الدولة الاسلامية، على الرغم من أن الكتاب والباحثين قد أغنوا المكتبات العامة والخاصة بكتاباتهم في الموضوع, ولن يتوقفوا عند حد معين في البحث والدراسة، وتظل مفتوحة إلى ما يشاء الله، بعض الكتابات استنبطت الأسس ووزعتها على المجالات “السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، العسكرية”، وكتابات وضعتها في قسمين “الأسس الدينية، والأسس الدنيوية”، أو أسس العلاقة بالمجتمع، وكتابات توسعت وعددت الأسس إلى أكثر من عشرين مرتكزا، وكتابات أخرى كيفتها على أسس النظم الاشتراكية، أو الليبرالية في صورتها الغربية..الخ، كل ذلك دليل على تضمن العهد العلوي على كل الأسس المعنوية والمادية، فمن يتناوله وفق المنهج الأخلاقي سيجد حاجته، ومن يستخدم المنهج الواقعي يجد ما يريد، ومن يستخدم المنهج السلوكي يجد ضالته فيه، نضع نماذج منها كما يلي:
نموذج 1 نموذج2
الأساس القضائي الأساس السياسي
الأساس المالي الأساس الاقتصادي
الأساس العسكري الأساس الاجتماعي
الأساس الاجتماعي
نموذح3
أسس قانونية: وتتضمن
-سيادة القانون، واحترام الإرادة الشعبية، احترام حقوق وحريات الرعية(المواطنين)،
-محورية السلطة القضائية باعتبارها السلطة المخولة بالوقوف أمام السلطتين التشريعية والتنفيذية
-التكامل بين الطبقات والسلطات الرسمية وغير الرسمية
-الشفافية والعدالة، الرقابة,,,الخ
أسس اقتصادية: وتتضمن
-إصلاح إداري
-التوازن بين الإيرادات والنفقات بما فيها نفقات إعمار البلاد (المشروعات الخدمية)، والاهتمام بالمزارعين، والثقة فيما يقولونه عن الخراج.
-الرقابة على السلع والخدمات، ومنع الاحتكار
ـ الاهتمام بالتجار وذوي الصناعات
الأسس الاجتماعية : وتتضمن
-ترسيخ مبدأ المساواة بين الرعية (المواطنين)
-ترسيخ مبدأ تكافؤ الفرص في التعيين في الوظائف العامة، لاسيما وظائف ا الجهاز الإداري لعليا (الاختيار اختبارا ) أي معايير الكفاءة والنزاهة
الأسس الإدارية :
-الوصف الوظيفي لكل الوظائف العامة
-حياد الوظيفية العامة (فلا تمنح الوظائف وفق المحاباة والقرابة والمحسوبية..الخ)
الشكل من إعداد الكاتب بناءً على دراسة: علي سعد تومان عدوة، “أسس بناء الدولة الإسلامية في فكر الإمام علي عليه السلام”، أطروحة دكتوراه، (النجف الأشرف: مكتبة الروضة الحيدرية،) متاحة على شبكة الإنترنت.
نموذج5
اعتبر المهام التي أمر بها الإمام علي عليه السلام مالك الأشتر حين ولاه على مصر مرتكزات الحكومات قديما وحديثا، ووضعها كما يلي:
المهام في العهد
البنى المؤسسية
جباية خراجها
المالية العامة
جهاد عدوها
الدفاع والداخلية وما يرتبط بهما
استصلاح أهلها
الشؤون الاجتماعية، والصناعة والتجارة والري، وما يرتبط بها
عمارة بلادها
الإسكان والتعمير وما يرتبط بهما
وأضاف إليها البعد الروحي والبعد المادي.
مستخلص من دراسة: خضير كاظم حمود؛ “السياسة الإدارية في فكر الإمام علي بن أبي طالب بين الأصالة والمعاصرة”، (بيروت: مؤسسة الباقر، ط1، 1999م)، متاح على شبكة الإنترنت.
وتقترب الكتابات والدراسات من تكييف العهد ومضامينه وفق التوجه أو النظام السائد، كما ذكرنا سابقا، ولن تنتهي عند حد، لأن كل باحث يجد حاجته فيه، ويجيب على تساؤلاته، وافتراضاته.
وتسهم الورقة بمحاولة استنباط أهم الأسس من العهد باعتباره من أهم النصوص الحضارية، بغرض دفع الباحثين والمهتمين للمزيد من البحث والدراسة الموضوعية، والاستفادة العملية منه:
أولا: تضمن العهد بشكل واضح الأسس التقليدية للدولة، (الأرض والشعب والحكم، والسيادة)
وذلك في المهام الأربع التي أمر بها الإمام علي عليه السلام مالك الأشتر حين ولاه على مصر، وفصلها في مضامين نص العهد وكيفية الحفاظ عليها وفق الحكم الصالح
ثانيا: تضمن العهد الأسس والمرتكزات وفق الدراسات الحديثة، التي تركز على العلاقة بين الحاكم والمحكوم، أو الدولة والمجتمع، وإضافة إلى الأسس التقليدية، بمكن الإشارة بإيجاز إلى ما يلي:
أولا- اختيار الواالي/الحاكم (الصالح) القوي العادل القادر (وهي من صفات الله عز وجل”، ونعتبر أول ركيزة لبناء نظام الحكم الصالح، أي بمثابة قطب البناء، وإقامة _الدولة_ الصالحة جزء من رسالة الإسلام، وأوصاه بتقوى الله وطاعته، والعمل بما أمر في كتابه، ونصرة الله بيده وقلبه ولسانه، وهي أسس إيمانية-عقدية، وتشير إلى هوية الدولة، وهي أبلغ في التعبير من المصطلح المتداول (الأيديولوجية)، يليها الأسس النفسية للحاكم، وتتمثل في السيطرة على النفس وكبحها عن الشهوات.
-مجموعة من الأسس القيمية (الرحمة، المحبة، اللطف، الإحسان،..)
– مجموعة القيم الجوهرية للحكم (العدل، الإنصاف، المساواة، الثقة، حسن الظن بالرعية..)
-مجموعة القيم التربوية-الثقافية (الأوامر والنواهي، والعبر )
ثانيا- الأسس المؤسساتية: العلاقة بين الحاكم والمحكوم –الراعي والرعية نابعة من رباط الإنسانية التي تجمع بين الطرفين، ومن قيم المساواة أمام الله وأمام الشريعة، والعبودية المشتركة لله سبحانه وتعالى، يقول الإمام علي عليه السلام: “فالناس إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق”، وأوصى بأن يساوي بينهم في اللحظة والنظرة –عند التقاضي- دون تفرقة بين المتخاصمين وإن كان الحاكم مع الرعية.
-الرضا العام : “فإن سخط العامة يجحف برضى الخاصة، وإن سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة”، والعامة من الأمة هم المرتكز الأساسي لتكوين المجاهدين “جند الله” كما يقول عليه السلام: “وإنما عمود الدين، وجماع المسلمين، والعدة للأعداء، العامة من الأمة”، والشاهد الواقعي المسيرة القرآنية، التي استجاب لها المستضعفون ويبذلون أموالهم وأنفسهم في سبيل الدفاع عن الهوية الإيمانية والوطنية، قبل الخاصة من الناس..
–الشورى: وهي مرتكز ووظيفة أساسية في بنية الحكم الإسلامي، ومتروك الآلية وتنظيم اختيار المستشارين، واكتفى الإمام علي عليه السلام بأن لايدخلن في مشورته (البخيل والجبان والحريص) لما يترتب عليهم من أضرار، ولأنها غرائز شتى يجملها “سوء الظن بالله”، والمسؤولية العامة في الإسلام قائمة على الارتباط بالله والاعتماد على الله. وإلى جانب المستشارين، أوصى بعقد الروابط مع أهل “الورع والصدق”، وأمر واليه بالإكثار من مدارسة العلماء ومناقشة الحكماء في تثبيت ما صلح عليه أمر البلاد وإقامة ما استقام به الناس من قبل.
– تنظيم المجتمع وإقامة مؤسسة النظام: أحد المرتكزات الرئيسية للحكم الصالح، وفيه تفاصيل كثيرة، ابتداء بتقسيم المجتمع إلى طبقات “فئات” متكاملة فيما بينها، ولاغنى لبعضها عن بعض ومنها يتم اختيار المسؤولين عن الحكم في “السلطة القضائية، والسلطة التنفيذية، والمؤسسة العسكرية والأمنية “جند الله”..الخ، بحسب الاختصاص والكفاءة والنزاهة، واستغرق ما يقارب نصف العهد لما فيه من التفاصيل والمواصفات العملية ومرتكزات بناء الأمة في ظل حكم صالح، كالوصف الدقيق والتوصيف المحكم للمسؤوليات ومن يقوم بها ومن أهم ما أكد عليه من المرتكزات ما يلي:
-عناصر القوة المالية والبشرية:
1.”الخراج” ويمثل إيرادات الدولة، أو ما يسمى الوظائف المالية، لأنه سيتم الإنفاق ليس المرتبات فقط، فهناك الإنفاق على تقوية “جند الله” من أسلحة وتصنيع.. وعلى عمارة البلاد التي اعتبرها الإمام علي عليه السلام وظيفة وركيزة أساسية، كذلك توزيع الأرزاق أو مايسمى بالرعاية الاجتماعية، والحقوق التي أكد عليها الإمام علي عليه السلام بقوله: “واعلم أم الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض ولا غنى لبعضها عن بعض فمنها جند الله، ومنها كتاب العامة والخاصة، ومنها قضاة العدل، ومنها عمال الإنصاف والرفق –المظالم- ومنها أهل الجزية والخراج من الذمة ومسلمة الناس، ومنها التجار وأهل الصناعات، ومنها الطبقة السفلى من ذوي الحاجات والمسكتة، وكل قد سمى الله سهمه، ووضع على حده، وفريضة في كتابه، أو سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، عهدا منه عندنا محفوظا”
2.”جند الله”، ويمثل المؤسسة العسكرية والأمنية ومن في حكمهم –كاللجان الشعبية- في عصرنا الراهن، والمتطوعين، لأنهم “حصون الرعية” يدافعون عن الشعب، و”زين الولاة” يحمون الوالي، ويستعرضون القوة في المناسبات..، و”عز الدين” يدافعون عن ثقافة الأمة ومنهجها، و”سبل الأمن” يحافظون على الأمن ضد التخريب الداخلي
-القضاء، وعدد 12 صفة للقاضي، سبق ذكرها، وأوصى بأن يمنح الأجر الكافي، والمكانة المناسبة لدى الحاكم وهي ماتسمى حاليا بالحصانة، كي يكون القضاء مستقلا ، والاستقلالية لاتعني الانفصال، وإنما الفصل في المنازعات والقضايا دون تدخل من أي كان، وتلك أهم صور العدالة.
-الكتاب والعمال، واختيارهم اختبارا، ومواصفاتهم، وتعيين حقوقهم- إسباغ الأرزاق لهم، لأنه قوة على استصلاح أنفسهم، وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم، …
-التجار وأهل الصناعة: وتشمل الأسواق والوكالات التجارية والصناعية.. وبقدر ما أكد على الاهتمام بهم، حرم عليهم الاحتكار ومعاقبة من يقوم به لما ينتج عنه من مضار تمس الأمة
-وأخيرا الاهتمام بالفقراء والمساكين وكل من ورد في الآية الكريمة {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }التوبة60، ومن في حكمهم، باعتبار ذلك حق لهم من الله مفروضا، والإشراف عليهم، والاتصال بهم في تواضع وأرفاق، لأنه خازن للرعية ووكيل للأمة،
-السيطرة “الرقابة”: ركيزة أساسية ومهمة للحكم الصالح في عهد الإمام علي عليه السلام، وتنقسم إلى قسمين:
1.الرقابة الذاتية: ومركزها الضمير الإنساني، والتعاليم والصفات والشروط االمبثوثة في العهد كثيرة وواضحة
2.الرقابة الخارجية: وتنقسم إلى قسمين:
0 رقابة شعبية: ويقوم بها أفراد المجتمع –والآلية متروكة لهم- ويقومون بدور المتابع والرقيب للأخطاء التي تصدر عن الولاة والعمال، لأن بها قوام حياة المجتمع وحيويته، وكان الإمام علي عليه السلام يحث الناس على تفعيل الرقابة والنقد البناء.
0 الجهاز الرقابي السري “العيون”: قال الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر: “ثم انظر في أمور عمالك ثم تفقد أعمالهم وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم، فإن تعاهدك في السر لأمورهم عدوة لهم على استعمال الأمانة والرفق بالرعية”، وتؤدي الرقابة إلى اتخاذ الموقف الحازم من الكتاب والعمال –مسؤولي الوظيفة العامة- الذين لا يؤدون أمانة أعمالهم ويعاقب الخائن منهم ماديا ومعنويا، قال الإمام علي عليه السلام: “فإن أحد منهم بسط يد إلى خيانة اجتمعت بها أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهدا فبسطت عليه العقوبة في بدنه، وأخذته بما أصاب من عمله، ثم نصبه بمقام المذلة، فوسمته بالخيانة وعار التهمة”.
تلك أهم المرتكزات للحكم الصالح في عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر رضي الله عنه، والعهد كل مترابط، متكامل، كل جملة تعبر عن أساس وقاعدة.
ما يشبه المقترحات:
–إذا كانت الأمم المتحدة اعتبرته أحد مصادر القانون الدولي، فالأمة ونحن منها، أحق بأن نجعله من أصول التأسيس، لبناء الدولة والحكم الصالح؛ الأصل يعني الأساس الذي يبنى عليه الشيء، وأصل الكلام بمعنى ما ينبني عليه غيره، وجمع أصل أصول بمعنى مبادئ، فالأصول والمبادئ تتطابقان في المعنى، وفي معجم “لا لاند” تعني كلمة “Principe” أصل الابتداء أو نقطة الانطلاق، ومن جانب آخر عهد الإمام علي أحد النصوص الثابتة، فالنص هو الكلام المدون، وثابت يتمتع بثلاث صفات ذاتية “الاستقرار، الوضوح، الصحة”، وهي صفات متوفرة في العهد موضوع الدراسة، والثابت واضح بذاته، صادق بذاته، لا يتغير في المكان ولا في الزمان.. والثابت كمحمول له هذه الصفات يتعين أن تكون كاملة الصفات عينها
– الاهتمام بمثل هذا العهد وأن تأخذ الجامعات ومراكز البحوث بعين الاعتبار القراءة العلمية والموضوعية له، وأن يكون لمثل هذا العهد نصيب من الوقت والجهد، وربطه بالواقع والحركة للاستفادة منه، وبإمكان المؤسسات العلمية والتعليم العالي أن تعتبره مساقاً ضمن المقررات الدراسية، ومن ناحية أخرى تتم القراءة الرأسية والأفقية للعهد، أولاً مع ما أنتجه الإمام علي عليه السلام من عهود أخرى ورسائل، وخطابات ..الخ، وممارسة في الواقع أيضاً، هذا من جانب، ومن جانب آخر، القراءات الأخرى على امتداد الدولة الإٍسلامية في أزمنة مختلفة، وانفتاحه أفقياً على الآخر؛ بمعنى أنه نسق يتجاوز الخصوصية والذاتية ليأخذ بسنة التفاعل والتحاور.
– إنشاء هيئة أو مؤسسة تسمى المؤسسة أو الهيئة الوطنية للنزاهة مثلها مثل الهيئة الوطنية للفساد، مهمتها الأساسية إيجاد معايير ومقاييس لوظائف الدولة الحكم الأساسية، وتضع معايير اختبار لمن يشغلها تنطلق من عهد الإمام علي عليه السلام. وترجمة الكليات التي تضمنها العهد إلى إجراءات وعمليات تلائم التغيرات الجديدة، دون الإخلال بالمبادئ والقيم الأساسية، والأحكام الثابتة، يستقطب في هذه المؤسسة/الهيئة أفضل العلماء والخبراء(التفاصيل يحتفظ بها) لضيق مساحة الدراسة.
-أخيرا، تمتلك اليمن مقومات العمل بمضامين العهد العلوي، والفرصة متاحة لأن تقوم بأداء رسالة التبليغ بالعودة إلى ذلك النهج المنير، لأنه الكفيل بإقامة الدولة الصالحة والعصرية المتحضرة، وبالإمكان أن تتبنى إقامة مؤتمر عالمي، ويشترك فيه العلماء والخبراء من عدد من الدول على المستوى المؤسسي والفردي، ويفتح باب المشاركة للأمم المتحدة وتذكيرها باهتماماتها بالعهد العلوي ومرتكزات الحكم الصالح/ الجيد، كذلك إبلاغ المسؤولين غير المسلمين الذين اهتموا بالعهد العلوي، وعباراته الشهيرة التي رفعوها في مؤسساتهم…الخ (يحتفظ بالتفاصيل لضيق مساحة الدراسة) .
وبالله التوفيق