عدن تتوجع للمرة الألف من السياسات المدمرة للسعوديين والإماراتيين
ذمار نيوز || مقالات ||
[ 10 اغسطس1440هـ -9 ذو الحجة 2019م ]
بقلم / أ. د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
تعيش مدينة عدن بأحيائها العديدة حالة من الخوف والهلع والحيرة جراء قيام الوحوش المنفلتة من عقالها بالقيام بمطاردة وتهجير عدد من العمال البسطاء من المواطنين اليمنيين المنتمين إلى عدد من المحافظات الشمالية والغربية، وقيام هؤلاء بشحنهم وترحيلهم في الحافلات والشاحنات والمركبات وطردهم من محلات أعمالهم بعد أن يتم إغلاق البعض منها وحرق أرفف البسطات التي يعمل بها هؤلاء الباعة البسطاء في عددٍ من أحياء المدينة.
يحدث هذا العمل الإجرامي والخارج عن القانون في وضح النهار من قبل مسلحين يرتدون الزي (العسكري — الأمني) لما يسمى بالحزام الأمني بعدن ولحج والضالع التابع للإمارات العربية المتحدة التي تحتل تلك المدن منذ يوليو 2015م.
إن المتابع للأحداث المأساوية التي يجري نسجها بعناية وخُبث شديدين في مدينة عدن اليوم وعبر هؤلاء الخارجين عن القانون يستنتج بسهولة ويسر الخلاصات الآتية:
أولاً: إن الهدف الرئيسي للغزو الإماراتي للمحافظات اليمنية الواقعة تحت الاحتلال اليوم هو تمزيق النسيج الاجتماعي اليمني الداخلي من خلال اتباعه لسياسات استعمارية بريطانية قديمة جديدة ومعروفة سلفاً وهي سياسات (فرق تسُد) ومن خلال هذا المبدأ يطمح الإماراتي أن يسود ويبقى محتلاً لعدن والجزر والموانئ لفترة طويلة، ولن يتأتى الأمر له إلا باستخدام رخيص للأدوات (الأمنية) التي صنعها المحتل الإماراتي بعد الغزو، وهي ما سمته بالحزام الأمني المتعدد والنُخب العسكرية وغيرها.
ثانياً: لم تتردد الدولتان السعودية الإماراتية لحظة واحدة في توظيف إمكاناتهما وقدراتهما المادية والاستخباراتية واللوجستية في مجابهة شعبنا والإيغال في أذاه، وقد أظهرت التقارير الرسمية والإعلامية بأنهما أي (الدولتين المعتديتين) قد تحالفتا مع مقاتلي تنظيم القاعدة الإرهابي وهم بالمئات إن لم يكونوا بالآلاف – وفصائل من عصابات الجنجويد السودانية وبلغ عددهم ثلاثين الف مرتزق ووحدات من البلاك ووتر الأمريكية وتضم مرتزقة من أميركا وكولومبيا وإسرائيل وفرنسا وأستراليا وغيرها من البلدان، كما استخدمت المرتزقة اليمنيين تحت مسمى قوات الجيش الوطني والحماية الرئاسية والحزام الأمني، وجميعها تم شراؤها بالمال الحرام لتوظيفهم في الوقت والمكان المناسبين لدولتي العدوان؟، شاهدناهم بالأمس يقاتلون بالساحل الغربي وبجنوب المملكة السعودية واليوم جاءت مهمتهم لترحيل وطرد اليمنيين من مدينتهم عدن.
ثالثاً: وظفت الدولتان العديد من الشخصيات (الجنوبية الانفصالية) وعبر الوسائل السياسية والأمنية والعسكرية من أجل تحريكها في الزمن الذي يرونه مناسباً لإعلان انفصال جنوب الوطن عن شماله، هؤلاء الغزاة تناسوا بأن إرادة الوحدة أو الانفصال هي إرادة وطنية ومن يقررها هو الشعب اليمني وحده وليست تلك المجاميع السياسية التي تم شراء ولائها بالمال البخس، وهنا نريد أن نذكّر الجميع بأن العالم من خلال مؤسساته الدولية الرسمية قد رفضت الانفصال عام 1994م وها هي اليوم تؤكد وتقر في جميع قراراتها بوحدة اليمن أرضاً وإنساناً.
رابعاً: اليمانيون يختلفون كثيراً ويتفقون أيضاً كثيراً في العديد من الجوانب السياسية وفي بناء الدولة اليمنية القادمة بإذن الله، وحتى في فكرة مستقبل العيش المشترك والتعايش فيما بينهم، لكنهم متفقون بنسبة عالية جداً جداً جداً بوحدة اليمن ورفض الانفصال المقيت، وللتنبيه هنا فحسب بأن من يرفع يافطة الانفصال هي مناطق محدودة في اليمن وهم بالمناسبة أقلية لا تُذكر، ولكن الغزاة الجدد ضخوا لهم بالمال والسلاح والدعم السياسي والإعلامي بهدف تحقيق حلمهم القديم الذي تم دفنه في عام 1994م وإلى الأبد.
خامساً: وكأن الله سبحانه وتعالى والزمن كذلك قد منح هؤلاء (الانفصاليين الجنوبيين) فترة كافية لاختبار مشروعهم السياسي الانفصالي في جميع المحافظات التي سلمها لهم المستعمر الإماراتي السعودي ولمدة تتجاوز أربع سنوات ونصف تقريباً.
فماذا حققوا في هذه السنوات العجاف للمواطن اليمني الجنوبي — في كلٍ من عدن وأبين ولحج والضالع وغيرها من المحافظات — من خدمات الأمن والكهرباء والمياه والبلدية وغيرها مع أنهم (كقادة) لديهم من الإمكانات العديدة وساعدهم العالم بأسره محبين ومبغضين؟!!، نحن نترك الإجابة للمواطن الذي تحمل عبثهم وعجزهم وتفاهتهم في التعامل مع شعبنا اليمني الكريم في هذه المحافظات.
سادساً: عدن كانت وستظل بإذن الله مدينة السلام والتعايش الإنساني بأعراقه ودياناته وألوانه ومذاهبه وجهوياته ملاذاً آمناً لجميع اليمنيين من كل أرجائها الأربعة، يقطنُها الفقير والغني على حدٍ سواء، ويجد الهارب والفار من جَور العلاقات الاجتماعية المعقدة وحتى السياسية سكنى وعيشاً كريماً، وهي مدينة كما يسمونها (مدينة كوسموبوليتية)، وهي مدينة لجميع اليمنيين وحتى للأجانب وفقاً لقواعد متعارف عليها، وما يتعرض له أهلنا من المحافظات الشمالية من عسف وظلم وتهجير لا يمُتُ لثقافة اليمنيين ولا لدينهم الإسلامي الحنيف ولا إلى موروثهم الأخلاقي كشعب إيمانٍ وحكمه، إن ما يحدث هو سلوك غوغاء ودهماء وظفهُم الغازي المحتل الخليجي الأعرابي بهدف تمزيق العلاقات الأخوية للشعب اليمني، لكننا نقول إنها شدة وتزول بزوالهم بعون الله عبر رجالات اليمن العظام.
لنتعلم جميعاً من دروس تاريخنا القاسي القريب في جنوب الوطن، فحينما اقتتلوا (الرفاق) على فتات السلطة وهرب المهزوم منهم جراء ذلك الصراع القاتل في عام 1967م، 1968م, 1969م, 1973م, 1978م, 1980م, 1985م، للتذكير فحسب، فإن المهزوم من جناحي الاقتتال بين القبائل الماركسية يتجهون هروباً إلى مدن الشمال وقراها، وكانت مدينة صنعاء العظيمة وجميع مدن الشطر الشمالي من الوطن وأهلها الكرام حاضنة إنسانية برحمةٍ وودٍ وأخلاقٍ لجميع القادمين إليها.
هؤلاء الانفصاليون هم حالة شاذة وطارئة ومؤقتة ستزول حتماً مع نهاية العدوان والاحتلال للشطر الجنوبي من الوطن وبدءَ حوار المصالحة الوطنية اليمنية الكُبرى بين جميع الفرقاء السياسيين بمن فيهم الممثلين السياسيين لهؤلاء والاتجاه جميعاً صوب بناء دولة يمنية ديمقراطية مستقرة.
سابعاً: يتم في هذه الظروف المضطربة في عدن تحديداً خلط الأوراق الإعلامية على الناس وبالذات البسطاء وإعادة إنتاج مصطلح سطحي بـ (الشعب الجنوبي!!!)،
والسؤال هُنا يردده اليمنيون جميعاً بصوتٍ عالٍ ، مُنذ متى تم صناعة هذا الاصطلاح الشوفيني المناطقي؟ ومن هي الجهة التي تقف من ورائه؟ ومن يشملهم هذا الاصطلاح؟.
العقلاء يدركون ويعرفون بأن دولة جنوب الوطن بمسمى (جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية) تأسست في الـ 30 نوفمبر 1967م فحسب، وللتذكير هُنا بأن جنوب الوطن كان يتكون من 23 سلطنة ومشيخة وإمارة، ولكل واحدةٍ منها سكانها وثقافتها وحتى هويتها الخاصة (ودولتها)، أي أننا كُنّا نعيش حالة انعزالٍ مناطقيٍ تام، وهذه الهويات استمرت حتى يومنا هذا وإن كانت بأشكال متعددة.
الخلاصة: إن ما يحدث اليوم في مدينة عدن من ممارسات وأعمال وحشية وعنصرية مقيتة بهدف تهجير وطرد المواطنين اليمنيين والتنكيل بهم، تنفذه وتقوده وحدات أمنية عسكرية من (الحزام الأمني) التي أنشأها وصنعها المحتل السعودي الإماراتي هي الدليل الأحدث بفشل العدوان على اليمن ، وهزيمته أخلاقياً وإنسانياً وحقوقياً بعد أن فشل عسكرياً.
كما فشلت النُخب السياسية والثقافية والإعلامية التي ساندت دول العدوان وظهرت هزيلةً وهي تتمزق بين استجداء الرياض تارةً وأبوظبي تارةً أخرى، وهذا حال جميع العملاء ممن وقفوا وساندوا المحتل الأجنبي ضد وطنهم وشعبهم ومبادئهم، والأمثلة كثيرة من سجل كتاب التاريخ المفتوح لمن يفهم ويتعظ ويتعلم .
والله أعلمُ منّا جميعاً.
وفوق كُلّ ذيِ عِلمٍ عَلِيم)
رئيس مجلس الوزراء