الخبر وما وراء الخبر

“إسرائيل” غير جاهزة لمواجهة حزب الله 2019: كيف ولماذا؟

61

جهاد حيدر/ العهد الاخباري

منذ 13 عامًا توعد قادة جيش العدو بحرب حاسمة ضد حزب الله، لن يكونوا في ضوء نتائجها محتاجين إلى السؤال عمن هو المنتصر، كونها ستكون واضحة وسريعة. مرت السنوات منذ ذلك الوعيد وجيش العدو يواصل رفع مستوى جاهزيته في البر والبحر والجو. مع ذلك، لم يشن العدو الحرب التي استعد لها، رغم أن قدراته العسكرية تضاعفت عما كانت عليه خلال حرب العام 2006.

كيف يمكن الجمع بين مقولة أن “إسرائيل” تواصل بناء جاهزيتها طوال أكثر من عقد، وبين كونها لم تنجح في توفير هذه الجاهزية طوال هذه الفترة، ولماذا؟ هل ينبغي أن نصدق أن “إسرائيل” الدولة العظمى الاقليمية في قدراتها العسكرية والتدميرية، غير جاهزة لخوض مواجهة حاسمة مع قوة مقاومة. بأي معنى ولماذا؟

يؤكد امتناع “إسرائيل” طوال السنوات الماضية عن شن حرب حاسمة ضد حزب الله على أنها كانت مقتنعة بأنها غير جاهزة لتنفيذ هذه المهمة بنجاح. لكن ما ينبغي ايضاحه كيف تكون دولة عظمى استطاعت أن تحسم حروبًا مع جيوش عربية، وتحظى بدعم الدولة العظمى في العالم، الولايات المتحدة، اقتصاديًا وعسكريًا وتكنولوجيًا، فضلًا عن الدعم السياسي والدبلوماسي. وفي الوقت نفسه تعتبر هذه الدولة غير جاهزة لخوض مثل هذه الحرب مع حزب الله.

تاريخيًا، كان مفهوم جاهزية جيش العدو يتركز على امتلاكه القدرات الهجومية الملائمة لتحقيق الحسم العسكري. أما الآن فقد دخل عامل أساسي على هذا المفهوم تمثل بامتلاك القدرات الاعتراضية والدفاعية عن جبهتها الداخلية. ويعود ذلك إلى امتلاك الطرف المقابل، قدرات هجومية باتت تشكل تهديدًا استراتيجيًا على العمق الاستراتيجي. لم يتبلور هذا المفهوم إلا في أعقاب نتائج حرب العام 2006، التي ِشكلت صدمة ومفاجأة للمؤسستين السياسية والعسكرية. بعد ذلك انطلقت ورش غير مسبوقة لتطوير القدرات، استنادًا إلى العبر المستخلصة.

في المقابل، وبهدف منع الالتباس، ينبغي التأكيد على حقيقة أن “إسرائيل” كانت ولا زالت تملك قدرات تامة لشن حروب واسعة وتدميرية على لبنان أو غيره. ولا حاجة في هذا المجال إلى الاستدلال على هذا التقدير بالأرقام والمعطيات.

هنا يحضر اشكال كيف تكون “إسرائيل” تملك كل هذه القدرات ولا تملك الجاهزية لشن حرب حاسمة ضد حزب الله. الجواب هو أن معيار الحكم على الجاهزية يتم بالقياس إلى تحقيق الهدف المؤمل من أي مواجهة، مع قدر من الكلفة القابلة للتحمل بمعايير معينة. وعلى ذلك، فإن الحديث عن عدم جاهزية جيش العدو ينبغي تحديده بالقياس إلى ماذا؟ بالطبع ليس المقصود أنه غير قادر على التدمير، أو على الحاق أذى كبير بقدرات حزب الله؟ أو على شن عمليات خاصة، أو عمليات خطف، أو… ما شابه كذلك.

الواقع أن عدم امتلاك “إسرائيل” الجاهزية هو لجهة عدم قدرتها على الحسم العسكري مع حزب الله والقضاء عليه وعلى قدراته. وأيضًا، عدم قدرتها على تنفيذ ذلك بكلفة معقولة وقابلة للتحمل. وأيضًا على عدم قدرتها على حماية جبهتها الداخلية من التدمير.

بداية الاكتشاف لهذه الحقيقة من قبل قادة العدو أتى على خلفية نتائج حرب العام 2006، ولذلك هدفت من وراء خطط بناء القوة التي توالت منذ ذلك الحين، “خطة تيفن” في ظل رئاسة غابي اشكنازي لرئاسة اركان الجيش، ومن ثم “خطة غدعون”، والان مع “خطة تنوفاه/ زخم”. وكلها هدفت وتهدف إلى محاولة تحقيق الجاهزية الملائمة التي تُمكّن الجيش من تحقيق الاهداف الاستراتيجية لـ”إسرائيل”. لكن الذي حصل حتى الآن أنها كشفت وانكشفت بأدائها المرة تلو الأخرى أنها لم تحقق الجاهزية المطلوبة.

يعني ذلك، أنه تبلور لدى صناع القرار السياسي والأمني في “تل ابيب” قناعة راسخة أنه على بالرغم مما يمتلكه الجيش من قدرات هائلة في كافة المجالات لا يملك الجاهزية الاعتراضية لصواريخ حزب الله، وأنهم لا يثقون بقدرة الجيش على ردع حزب الله عن استهداف العمق الإسرائيلي (في أي مواجهة واسعة)، وأيضًا عدم امتلاك الجاهزية الكاملة على مستوى القدرات الهجومية لاستئصال قدراته الاستراتيجية. ولو كان العنصر الأخير متوافرًا، لاستغنت “إسرائيل” عن الحاجة إلى تطوير منظوماتها الاعتراضية ما دامت القدرات الهجومية ستزيل التهديد الصاروخي المفترض.

بطبيعة الحال، لم يتبلور هذا العجز الإسرائيلي عن تحقيق المأمول منه، لدى قادته والرأي العام الإسرائيلي، إلا نتيجة مفاجآت حزب الله في بناء وتطوير جهوزيته الدفاعية والهجومية. والأهم أن حزب الله استطاع ايصال رسائل الجهوزية وزرعها في وعيهم وحساباتهم الامر الذي حال دون تورطهم في مغامرات عسكرية واسعة.

وهكذا تبلورت حقيقة أن “إسرائيل” الـ 2019 قد تكون جاهزة لحزب الله 2006، بمعايير معينة، لكنها غير جاهزة لحزب الله 2019.