الخبر وما وراء الخبر

 الحج إلى البيت الأبيض

34

بقلم / د. أسماء الشهاري

“أيّها الناس حجّوا إلى الله قبل أن تحجوا إلى بيته.!”
هي عبارة أحببتُ أن أبتدئُ بها هذا المقال، ولكن قد يتساءل البعض عن معناها؟

عبادة الله عن علم ودراية ومعرفة هذا ما أراده الله للناس ولهذا أرسل إليهم الرسل والأنبياء بالحجج والبراهين والكتب السماوية، وأكرمهم وشرفهم بنعمة العقل ولم يرغمهم حتى على عبادته وترك لهم الحرية الكاملة في ذلك.

وقد شرف الله مكانة الإنسان ورفع قدره وفضله على سائر خلقه ثم فضل المسلمين على سائر الناس وجعل الدين عنده الإسلام وليس الإيمان، لأن الله هو أعلم بالمؤمنين وإيمانهم وهو وحده سبحانه من يحق له محاسبة عباده على ذلك،
فمن دخل في حظيرة الإسلام فله حرمة المسلمين في دمه وماله وعرضه وغير ذلك، بل إن الذمي وغير المسلم له حرمته أيضاً في بلاد المسلمين، والعهود والمواثيق لها حرمتها حتى مع غير المسلمين.
هذا هو الإسلام الذي ارتضاه الله ديناً لعباده.

لكن في التيار الوهابي والذي لا يرقى حتى إلى أن نقول عليه أنه أحد المذاهب، التابع لمحمد بن عبدالوهاب وليس محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه يحق فيها لأصحاب اللحى الطويلة والعقول الصغيرة وهي الدليل الوحيد إلى جانب السواك والثوب القصير على الدين عندهم تقريباً أن يقوموا بتكفير الآلاف المؤلفة من أبناء الإسلام ويبيحون دماءهم ويدمرون ممتلكاتهم وغيرها من الممارسات الشاذة تماماً عن دين الإسلام القويم، ومحاججة هؤلاء بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة قد لا يتسع المجال لذكره هنا.
وبالحديث عن فريضة الحج، فقد فرض الله الحج على عباده من استطاع إليه سبيلاً وعظَّم حُرمة بيته، إلا أنه جعل حُرمة الفرد المسلم أعظم وأكبر من حرمة بيته، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم :”لأن تهدم الكعبة حجرًا حجرًا خير عند الله من أن يسفك دم امرئ مسلم”!!
إذًاً حرمة المسلمين لها الأولوية عند الله حتى من بيته المحرم!

فمالِ هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً!

أنا لستُ هنا بصدد الفتوى فلها علماؤها والمختصون فيها، ولن أتحدث من باب الفتوى الدينية ولكن من باب الفتوى العقلية أو على الأقل الإنسانية.!
فأنا أحب وبشدة المثل الذي يقول : استفتِ قلبك وإن أفتوك الناس وأفتوك.

ولذلك أوجه حديثي إلى عامة المسلمين في شتى بقاع الأرض_أيها المسلمون حجّوا إلى الله قبل أن تحجوا إلى بيته.

أخي الحاج المسلم، هناك العديد من الأسئلة لعل أهمها وهو ما أتمنى منك أن تجيبني عليه :
من هو المسئول عن إدارة شئون الحج والعمرة في الحرمين الشريفين هذه السنوات وما قبلها ومنذ ردحٍ من الزمن؟ وإلى من تصل أموالهما؟
لماذا يتم رفع تكاليف الحج والعمرة وكل ما يتعلق بهما ومن ضمنها الفيز والفنادق وأماكن إقامة حجاج بيت الله الحرام وأسعار السلع وغيرها الكثير بشكل مبالغ فيه جدًا؟؟
لماذا أصبح الحج كأنه سلعة تجارية يتم بيعها من حجاج بيت الله؟
هل هناك فوائد مالية كبيرة تعود على الأسرة الهالكة من بني سعود، فإن كانت كذلك، فإلى أين تذهب؟

اسمح لي عزيزي الحاج أن أجيب على هذا السؤال، فبكل بساطة يعرف الصغير والكبير والقاصي والداني أن هذه الأموال إضافة إلى أموال النفط الخاصة بشعب بلاد الحجاز وأموال الإقامة الخاصة بالعمالة العربية في بلاد الحرمين والتي تم رفعها بشكل جنوني في الآونة الأخيرة، كلها وغيرها تذهب للحج في البيت الأبيض وأداء مناسك الخضوع والذل والطاعة لخليفة المتأسلمين ومولاهم ترامب!
حتى بعد أن ذهب بنفسه ليستلم ثمن العبودية من رعاة الشاه والذين هم مستمرون في دفعها منذ عهدٍ بعيد حتى وبعد أن استلم مبلغ مهول دفعة واحدة!
إلا أنه يرى أنه يجب عليهم دفع المزيد والمزيد إلى البيت الأبيض!
وبدون شك أن موسمًا مثل الحج لن يمرره ترامب على المهلكة مرور الكرام فهو وحده المسئول عن جباية أموال هذا الموسم!
وما عليهم إلا السمع والطاعة بل وأن يكرموه بما لا يتخيله ولا يتوقعه حتى هو نفسه!

تخيّل!
تخيّل أن ريالا واحدا من مالك الذي ذهبت به من أجل الحج في بيت الله يذهب للطوّاف حول البيت الأبيض!
تخيّل ولو أن ريالا واحدا دفعته لهذه الأسرة الظالمة المجرمة المتأمركة والتي بدون شك أن الأموال تصل إليها وإلى حكومتها العميلة وعلماء البلاط الملكي الوهابيين التكفيريين وليس إلى غيرهم، تم استخدامه في شراء سلاح محرم أو طائرة فتاكة لتذهب بدون شك لكي تشوي تلك الأم مع ولدها، أو لتمزق أحشاء ذلك الطفل أو لتدمر ذلك المنزل على رأس ذلك الشيخ ومن في بيته جميعًا دون رحمة ودون سابق إنذار!
لا أحد يستطيع أن يغطي الشمس بيده وهي في كبد السماء، ولا أن يصمَّ أذنيه وينكر مئات الجرائم وآلاف الضحايا حتى لو تنكر للضوء وحاول أن يمشي في الظل والخفاء.

أخي الحاج، النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول لك: لأن تهدم الكعبة حجرًا حجرًا خير عند الله من إراقة دم امرئ مسلم أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
والله يقول لك :”ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ”
وأنت قد تكون سبباً بمال تدفعه إلى الظلمة والمجرمين في قتل الأبرياء من المسلمين دون ذنب ودون وجه حقّ!

أخي الحاج.
تخيّل عندما يسألك الله عن ذلك، هل ستقول له أنك لم تكن تعلم بعدوان السعودية على اليمن؟
ألم تكن تعلم بقتل الآلاف من نساء وأطفال اليمن بأفتك الأسلحة وبأبشع الطرق من قبل السعودية التي تذهب إليها أموال حجاج بيت الله الحرام؟!
ألم يصل ذلك إليك ولم تسمع عنه بتاتا؟

ليس بالضرورة أن تكون متديناً أو أن تبحث عن فتوى من أحد الشيوخ!
يكفي أن تكون إنساناً. استفتِ قلبك!

هل سبق أن تبرأت إلى الله من الظالمين ومن أعمالهم؟
هل ناصرت مظلومًا أو مستضعفاً؟
هل قلت للباطل والظلم.. لا؟

فإن لم تفعل، فعلى الأقل لا تكن أداةً بيد الظالم يضرب بها المظلوم.
ما ذنب الآلاف من الأطفال والنساء الذين ترتكب بحقهم مجازر إبادة جماعية؟!
ناهيك عن حصار الملايين وقتلهم بالجوع والأوبئة!

لن أقول لك أنه بإمكانك أن تحج إلى الله بأن تدفع الأموال التي تريد بها الحج لكي تغيث بها ملايين المنكوبين في اليمن وسوريا والعراق وفلسطين وغيرها من بلاد المسلمين، وأن تفرج بها عن المكلومين وأن الله أعلم بالنيات وهو أقرب إليك من حبل الوريد وأن إحياء نفس عنده سبحانه كإحياء البشرية جمعاء.

لكن على الأقل لا تجعلها عوناً للظالمين وسببًا في استقواء رأس الإجرام والشر في العالم كله، ودمارًا و وبالاً على المستضعفين من المسلمين وبلدانهم.!

أخي في الدين والإنسانية: لستَ بحاجة إلى فتوى دينية يكفي أن تكون إنساناًً.