الخبر وما وراء الخبر

 وثائق تكشف كيف أرهبت السعودية القاضي العرشي واختارت صالح رئيسا لليمن

173

 في مثل هذا اليوم قبل 42 تماما كانت السعودية قد حسمت الأمر وقضت بتنصيب علي عبدالله صالح رئيسا لليمن باعتباره رجلها الأول في اليمن وأحد منفذي جريمة اغتيال الزعيم إبراهيم محمد الحمدي.

هذا ما تنص عليه وثيقة بخط الملحق العسكري السعودي في اليمن صالح الهديان بحسب تقرير نشرته صحيفة 26 سبتمبر الصادرة عن وزارة الدفاع في صنعاء في السادس عشر من ديسمبر 2018م.

تشير الصحيفة إلى أن القاضي عبدالكريم العرشي الذي تولى مهام رئاسة الجمهورية بحكم منصبه كرئيس لمجلس الشعب التأسيسي بعد استهداف الرئيس الراحل احمد الغشمي صباح 24من يونيو 1978م واستمر في منصبه رئيساً للجمهورية حتى صباح الـ17 يوليو 1978م أي ما يقارب 22يوماً، كان الأوفر حظاً في تولي المنصب بحكم الإجماع عليه غير أن المملكة العربية السعودية رفضت توليه السلطة واستخدمت نفوذها ومالها وأدواتها لإرهاب العرشي وإجباره على التخلي عن المنصب.”

تبدأ قصة إرهاب الرئيس القاضي عبدالكريم العرشي رحمه الله بحسب الصحيفة بعد ساعات من اغتيال الرئيس الراحل احمد الغشمي رحمه الله صباح يوم 24يونيو 1978م حيث سارعت المملكة العربية السعودية وعبر سفيرها بصنعاء وكذلك ملحقها العسكري إلى تدارس الوضع في الشمال اليمني ومناقشة البديل المناسب بالنسبة لها بعد الغشمي.

تشير الكثير من الوقائع والمراجع إلى أن السعودية سعت وتسعى إلى أن يكون اليمن تحت وصايتها تنفيذا لوصية من مؤسس الدولة السعودية عبدالعزيز آل سعود بأن عز السعوديين في ذل اليمن وذلهم في عز اليمن.

من هنا فقد قضت المملكة السعودية على الزعيم اليمني إبراهيم الحمدي عندما اتجه نحو بناء مشروع وطني مستقل ونصبت أحد المشاركين في جريمة اغتياله وهو أحمد الغشمي رئيسا للبلاد ليتحكم النظام السعودي يتحكم بالقرار اليمني حتى إنه لم يكن يمكن تعيين القيادات المدنية والعسكرية بمن فيهم المحافظون دون موافقته.

ووفقا لصحيفة 26 سبتمبر فإن اغتيال الرئيس الغشمي دفع الملحق العسكري السعودي صالح الهديان إلى الوقوف خلف تشكيلة المجلس الرئاسي وكان القاضي العرشي بحكم موقعه الرئيس البديل أو على الأقل الذي يتولى الرئاسة في حال خلو منصب الرئيس لأي أسباب وفق الدستور.
وقد حظي الرئيس عبدالكريم العرشي بشعبية كبيرة في مجلس الشعب الذي كان على رأسه وكذلك لدى قادة الدولة من مدنيين وعسكريين, بل وحتى المشايخ الذين تحركوا من أجل عودة الحكم إلى المدنيين كما كان الأمر عليه قبل استقالة القاضي عبدالرحمن الإرياني في 13من يونيو 1974م وكل ذلك يؤكد وجود حالة إجماع على الرئيس القاضي عبدالكريم العرشي إلا أن النظام السعودي وعبر ملحقه العسكري بصنعاء رأى تنصيب شخص آخر ودفع الجميع بأساليب الترغيب والترهيب إلى القبول والانصياع لاختياره بما رافق ذلك من إتاوات مالية وزعت لعدد من القيادات.

وتنوه الصحيفة إلى أن القاضي عبدالكريم العرشي تعرض لضغوط شديدة وصلت حد التهديد والوعيد وهو ما يمكن تفسيره بعبارة وردت في واحدة من أخطر الوثائق التي تكشف حقيقة ما جرى في تلك الفترة وهذه العبارة وردت بالنص التالي (سلطنا على العرشي من يرهبه) وذلك بلسان مسؤول سعودي كبير وصل إلى صنعاء لمتابعة إجراءات تنصيب الرئيس الذي اختارته المملكة.
وقد وردت تلك العبارة في رسالة بعث بها المسؤول السعودي الكبير إلى الأمير سلطان بن عبدالعزيز يؤكد فيها أن القاضي العرشي تعرض للترهيب وتم تسليط من ينفذ مهمة إرغامه على التخلي عن منصب الرئيس وعدم الترشح مجدداً لنيل ثقة مجلس الشعب وترك الطريق للشخص الذي رشحه الملحق العسكري السعودي ليكون رئيساً لليمن.
وتكشف الوثائق معلومات خطيرة عن تلك المرحلة وشروط النظام السعودي في أي شخص يتولى رئاسة اليمن وهي الشروط التي لم تكن متوافرة لدى القاضي عبدالكريم العرشي رحمه الله ناهيك عن السبب الحقيقي الذي دفع الملحق العسكري السعودي صالح الهديان ومن خلفه قيادة المملكة السعودية لفرض البديل على الجميع.
وتنقل الصحيفة عن أحد المعاصرين لتلك الفترة والمقربين من مركز صناعة القرار تأكيده أن “القاضي العرشي بالفعل تعرض للتهديد من قبل السعودية وأتباعها لإجباره على التراجع وعدم تقديم نفسه كمرشح لما كان يعرف بمجلس الشعب التأسيسي كونه رئيس المجلس وفي ذات الوقت يحظى باحترام الجميع وبالتالي كان العائق أمام المشروع السعودي هو القاضي العرشي الذي أدار البلاد خلال تلك الفترة بحكمة ولم يكن مشروع أداة بيد السعودية ولا بيد أي قوة خارجية وهو ما جعل الملحق العسكري السعودي يفرض شخصاً آخر تم إعداده في وقت سابق بحسب المصادر التي ذكرت أن علي عبدالله صالح كان سيحل محل أحمد الغشمي في حال إصرار الأخير على التقارب مع سالم ربيع علي وتنفيذ الخطة الموضوعة والمتعلقة بإعادة توحيد اليمن.

وتضيف الصحيفة:بحسب المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه وكان شاهد عيان على تلك الأحداث والمواقف فإن القاضي العرشي تعرض لضغوطات شديدة استمرت حتى عشية انعقاد جلسة مجلس الشعب وبعد إلقاء خطابه الذي افتتح به أعمال المجلس وضمنه ترشيح نفسه مما دفع علي عبدالله صالح إلى الحضور والانفراد به للتأكيد بأنه المرشح الوحيد حسب التفاهمات مع الملحق العسكري السعودي صالح الهديان وهذا ينفي تلك الشائعات التي ظلت على مدى العقود الماضية تؤكد أن علي عبدالله صالح قدم نفسه في وقت لم يتقدم أحد لرئاسة البلاد في تلك المرحلة.

الهديان:علي عبدالله صالح رجُلنا وشريكنا في اغتيال الحمدي

كشف الباحث التاريخي عبدالله بن عامر في دراسة نشرتها أيضا صحيفة 26 سبتمبر يوم الأحد الماضي 14 يوليو عن تقارير ومراسلات للملحق العسكري السعودي صالح الهديان بعد مقتل الرئيس اليمني أحمد الغشمي تبين أن صالح هو رجل السعودية الأول وتوصي بالاعتماد عليه وتنصيبه رئيسا على اليمن.

ويقول بن عامر إن القيادة السعودية طلبت من أتباعها في “صنعاء تزويدها بمعلومات اكثر عن العرشي وهل يمكن ان ينفذ اجندة السعودية وبدون نقاش إلا ان كل المعلومات أكدت عكس ما كانت تطمح اليه السعودية فالعرشي لا يمكن له أن يكون أداة وهنا تدخل صالح الهديان لحسم الموقف وذلك بترشيح علي عبدالله صالح للقيادة السعودية ووصفه بـ “رجلنا” أي رجل المملكة السعودية.
حديث صالح الهديان بحسب الباحث بن عامر بل “تطرق الى جريمة إغتيال الحمدي محاولاً القول أن مشاركة صالح في قتل الحمدي وفي إنقلاب 11أكتوبر 1977م الدموي يؤهله لأن يكون رئيساً لليمن فمشاركته في قتل الحمدي يسهم في عدم فتح ملف الجريمة ويحمي القتلة ومنهم صالح الهديان نفسه لا سيما ووضع ما بعد مقتل الغشمي يؤكد توجه ضباط وقيادات عسكرية ومدنية نحو فرض واقع جديد من خلاله يتم إستعادة القرار اليمني وإيقاف المسؤولين السعوديين عن التدخل السافر بالشأن اليمني وكل تلك التحركات كانت تثير مخاوف صالح الهديان الذي أصبح الحاكم الفعلي لليمن بتلك الفترة وهو ما يمكن معرفته من خلال تحركاته المثيرة لتهيئة الوضع لتصعيد صالح الى السلطة من خلال فرضه على أعضاء مجلس الشعب التأسيسي وعلى المشايخ ومستخدماً الترغيب والترهيب مع الجميع”
ويلفت الباحث بن عامر إلى طريقة التعامل السعودي مع المشايخ الذين عبروا عن رفضهم لصعود صالح الى السلطة مؤكدا “أن معظم هؤلاء المشايخ تعرضوا للتوبيخ وتم إجبارهم وإرغامهم على القبول بكل ما تحملة كلمة إجبار وإرغام من معنى”.

ويضيف بن عامر: بل نجد في الوثائق عبارة “أرهبوا المشائخ” في توجيه من القصر الملكي بالرياض الى الملحق العسكري بصنعاء بأن عليه أن يستخدم لغة الإرهاب مع المشائخ حتى يقبلوا بصالح رئيساً ثم يظهر في المشهد شخص يدعى علي بن مسلم وهو مسؤول الملف اليمني في القصر الملكي ويتبع مباشرة الأمير سلطان بن عبدالعزيز أي في اللجنة الخاصة ليتولى هو إدارة الترتيبات بنفسه لإيصال صالح الى كرسي السلطة ولم يكتفي بإدارة العملية من الرياض بل انتقل الى صنعاء بطائرة فيها من الأموال ما يكفي لحسم الموقف.
ويشير إلى أن السعودية وزعت الأموال على أعضاء مجلس الشعب التأسيسي إلا من رحم ربي وعلى قيادات عسكرية ومدنية واستخدم صالح لغة الإرهاب مع العرشي ومع كل المنافسين له والرافضين لوصوله الى السلطة ولعل القصة المتداولة عن الشنطة الممتلئة بالأموال والأخرى برصاصة تؤكد إستخدام لغة الترهيب والترغيب من قبل الهديان وبن مسلم وصالح.