الواشنطن بوست تكشف تأثير المال السعودي على السياسة الأمريكية
كشفت صحيفة “واشنطن بوست” أن السعودية مازالت تضخ أموالاً كبيرة في واشنطن بإطار سعيها للتأثير على السياسة الأمريكية.
وتابعت الصحيفة الأمريكية أنه وفي خطوة نادرة في واشنطن، قامت العديد من مؤسسات الفكر والأبحاث والدراسات بقطع علاقتها المالية ورفض المال السعودي عقب مقتل الصحفي السعودية جمال خاشقجي، بمبنى قنصلية بلاده في إسطنبول بالثاني من أكتوبر الماضي.
ولكن بعد تسعة أشهر من الجريمة، فإن الجهود السعودية للتأثير على السياسة الأمريكية تستمر وبلا هوادة، وهي جهود تأتي في ظل الدعم الذي يقدمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
يأتي ذلك على الرغم من تقرير الأمم المتحدة الأخير بأن بن سلمان كان متورطاً في جريمة القتل الفظيعة لكاتب العمود في صحيفة “واشنطن بوست” ومعارض سياسي سعودي.
وتضيف “واشنطن بوست”: “منذ خريف عام 2018، حصدت جماعات الضغط والمحامون ذوو النفوذ ملايين الدولارات لمساعدة السعودية في عملها لتطوير الطاقة النووية وشراء الأسلحة أمريكية الصنع وإطالة المساعدات الأمريكية لحرب التحالف التي تقودها المملكة في اليمن، وهو ما تبينه سجلات جماعات الضغط الأجنبية”.
وتعمل شركات الضغط والنفوذ الأمريكية التي تمثل الغطاء السياسي للسعودية في واشنطن، في ظل غطاء سياسي يقدمه لها ترامب.
ففي قمة مجموعة العشرين الأخيرة، التقط ترامب الصور مع بن سلمان واصفاً إياه بـ”صديقي” وعندما سئل عن مقتل خاشقجي أعاد الرئيس الأمريكي التأكيد على أهمية العلاقات الاقتصادية السعودية الأمريكية والفوائد التي تجنيها أمريكا من وراء تلك العلاقات.
وتتبع “واشنطن بوست” تاريخ تشكيل جماعة الضغط السعودية داخل الـ”كابيتول هيل”، مشيرة إلى أن الأمر كان عبارة عن شبكة علاقات معقدة تم بناؤها خلال عقود، ورغم ذلك إلا أن حرب اليمن ومقتل خاشقجي كلها كانت أسباب لمزيد من الضغط الذي يقوم به الكونغرس على إدارة ترامب من أجل اتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه الرياض.
ففي الأشهر الأخيرة، انضم بعض الجمهوريين إلى الديمقراطيين في محاولة للحد من المساعدات العسكرية الأمريكية ومبيعات الأسلحة إلى السعودية، ولكن مع وجود مليارات الدولارات، ساعدت جماعات الضغط السعودية على احتواء الانشقاق الجمهوري.
وقال بن فريمان الذي يتتبع التأثير الأجنبي في مركز السياسة الدولية، وهو مركز أبحاث ذو ميل يساري: “لقد خسر السعوديون بعض جماعات الضغط العام الماضي، لكن الشركات التي لا تزال تعمل من أجلهم ذهبت إلى درجة كبيرة، طالما بقي ترامب إلى جانبهم فإنهم سيحصلون على أسلحتهم ويكون لهم دور أمريكي في اليمن، لذلك لا يوجد حتى الآن عقاب حقيقي لهم، واللوبي جزء رئيسي من تحقيق ذلك”.
20 شركة ضغط
عثرت السعودية على معززات جديدة في الولايات المتحدة منذ مقتل خاشقجي، ففي فبراير الماضي، استأجر صندوق الثروة السيادية -الذي يرأسه ولي العهد- شركة “كارف” للاتصالات، وهي شركة علاقات عامة في نيويورك يديرها أندرو فرانك، الذي كان يعمل في وكالة الإعلام الأمريكية في إدارة كلينتون.
وتتمثل مهمة شركة العلاقات العامة في إنشاء تمييز بين “مهمة الصندوق المستثمرة في الاستثمار والقيادة
السياسية في السعودية” والتحضير لـ “التطورات السلبية المحتملة”، وفقاً للعقد الذي تم تقديمه علناً.
وقال فرانك إن شركته لا تضغط على أعضاء الكونغرس، “دورنا هو بناء الجسور، نحن على الجانب الاقتصادي ولا نقوم بالاتصال السياسي، هذه الفترة”.
هذا وتعد السعودية واحدة من أعلى الدول إنفاقاً التي تسعى إلى التأثير على السياسة الأمريكية، حيث تحتل
المرتبة الخامسة في تحليل أجراه مركز السياسة المستجيبة الذي استعرض تدفق الأموال الأجنبية من عام 2017 إلى الوقت الحاضر.
هناك ما يقرب من 20 شركة مسجلة للضغط من أجل المصالح السعودية، مقارنة بأكثر من 25 شركة قبل وفاة خاشقجي، بحسب ما تظهره ملفات الضغط الأجنبية.
وتوصف جماعات الضغط السعودية على أنها شريك رئيسي للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب في وقت تتصاعد فيه التوترات مع إيران، فقد كانت المملكة أول بلد يوقع على خطة وزير الخارجية مايك بومبيو للحلفاء لمساعدة تجهيز ناقلات بالكاميرات لمراقبة تهديدات إيران، في أعقاب إسقاط طائرة أمريكية بدون طيار في 20 يونيو.
ترامب يدعم “القتل البشع”
علاقة بن سلمان مع جاريد كوشنر مستشار البيت الأبيض وصهر ترامب، هي واحدة من مجالات الضغط السعودي في واشنطن والتي تعزز من مكانة الرياض، وهي العلاقة التي جعلت من السعودية أول بلد يزوره ترامب بعد دخوله البيت الأبيض كرئيس للولايات المتحدة، في زيارة حصل خلالها على صفقات بـ460 مليار دولار.
وزير الخارجية الأمريكي السابق، ريكس تيلرسون، قال في مايو الماضي أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، إن كوشنر عزله وغيره من كبار الدبلوماسيين من المحادثات مع الحكام السعوديين، بمن فيهم ولي العهد.
وقال تيلرسون في إشارة إلى كوشنر وبن سلمان: “كنت على يقين أن هناك الكثير من التواصل بين الاثنين”.
وظهر دعم ترامب القوي للسعودية في قمة مجموعة العشرين الأخيرة لزعماء العالم في أوساكا، حيث قال الرئيس إنه “غاضب جداً” من مقتل خاشقجي، لكنه امتنع عن تحديد مسؤولية ولي العهد.
وبينما صوت مجلس الشيوخ في ديسمبر على إدانة بن سلمان ومسؤوليته المباشرة عن مقتل خاشقجي، إلا أنه لم يتابع العقوبات المهددة.
السيناتور ميت رومني (يوتا)، المرشح الرئاسي للحزب الجمهوري في عام 2012 وناقد ترامب في بعض الأحيان، أحيا الفكرة مؤخراً بعد أن وصف ترامب لقاءه بولي العهد السعودي على هامش العشرين بـ”الشرف”.
وقال رومني “لقد أثنى الرئيس على بن سلمان، الرجل الذي تقول الولايات المتحدة إنه أمر أو سمح بالقتل البشع لأحد كتّاب العمود والمعارض السعودي، هذا يرسل رسالة خاطئة إلى العالم، لقد حان الوقت للكونغرس والإدارة لفرض عقوبات على مقتل خاشقجي”.
وقال رومني في بيان “إنهاء دعم التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن سيقوض المصالح الأمنية الأمريكية بالمنطقة ويشجع إيران، لكن في الوقت نفسه، يجب علينا اتخاذ إجراء لمحاسبة المملكة على مقتل خاشقجي، والضغط على السعوديين للنهوض بحقوق الإنسان، والإصرار على أن تعمل المملكة على وقف انتشار التطرف في المنطقة”.