ما سر التصعيد المتبادل بين برنامج الغذاء العالمي وحكومة صنعاء؟
ذمار نيوز || مقالات 26 شوال 1440هـ الموافق 30 يونيو 2019م
بقلم / حميد رزق
في جلسة مجلس الامن الاخيرة حول اليمن المنعقدة يوم 17 حزيران/يونيو، شن مدير برنامج الغذاء العالمي ديفيد بيسلي هجوما مركزا على حركة انصار الله في اليمن متهما اياها بعرقلة وصول المساعدات الانسانية الى مستحقيها بل وسرقتها من افواه الجائعين، وتوعد مدير البرنامج بتعليق عمليات الاغاثة الانسانية في المناطق الخاضعة لسيطرة المجلس السياسي الاعلى وحكومة الانقاذ في صنعاء المناهضة للتدخل السعودي في اليمن.
التهديد بوقف المساعدات المتزامن مع حملة اتهامات مركزة ضد انصار الله، بدت غريبة لحجمها وتوقيتها.. صحيح ان علاقة حكومة الانقاذ في صنعاء ببرنامج الغذاء العالمي ليست مثالية لكن ثمة تعاون وتفاهم مشترك يحرص عليه الطرفان، غير ان الامريكي ديفيد بيسلي بدا في جلسة مجلس الامن الأخيرة خصما مباشرا وطرفا لا تختلف لغته عما يرد في بيانات دول التحالف السعودي.
ليست المرة الأولى التي يلجأ التحالف السعودي الامريكي الى تسييس ملف المساعدات الانسانية في سياق الحرب الدائرة على اليمن، فقبل حوالي ستة شهور ترددت نفس الاتهامات ولكن بنبرة أقل حدية واكثر تهذيبا مما حدث خلال الأيام القليلة الماضية.
في صنعاء رفضت حكومة الانقاذ اجراءات برنامج الغذاء العالمي الذي يريد اعتماد اخذ بصمة الوجه والعين بالاضافة معلومات تفصيلية عن المستفيدين، الأمر الذي يضع علامة استفهام حول الاهداف الحقيقية لمثل هذه الاجراءات التي حولت السلة الغذائية الى وسيلة لجمع المعلومات والبيانات لسكان المناطق غير المحتلة.
ملف المساعدات الانسانية وتنظيم عمليات الاغاثة والاستجابة الانسانية في اليمن ليست مثالية وتواجهها اشكالات عديدة، منها ما يعود الى قصور او فساد محلي ومنها ما يتعلق بسياسات المنظات الدولية التي ترتبط بأجندات خارجية، وتوقيت الحملة التي دشنها مدير برنامج الغذاء العالمي ديفيد بيسلي على الاطراف الحاكمة في صنعاء لا ينفصل عن التطورات العسكرية والميدانية.
فبعد أيام من بدء التحول الاستراتيجي في الرد اليمني على السعودية وتواتر الضربات الصاروخية والجوية في عمق المملكة، برزت الى السطح اتهامات برنامج الغذاء العالمي وتهديداته بايقاف المساعدات عن ملايين الجوعى في اليمن.. حكومة صنعاء فسرت الأمر باعتباره ردا على الرد اليمني بقصف الاهداف الحيوية والاستراتيجية داخل السعودية، وبجردة بسيطة لحسابات الحرب والمواجهة يتضح ان النظام السعودي استنفذ خلال الاعوام الاربعة الماضية كل ما لديه من اوراق الضغط العسكرية والسياسية والاقتصادية، وفشل في اجبار اليمنيين على الاستسلام، فكان اللجوء الى تسييس نشاط المنظمات الاغاثية والانسانية كورقة أخرى يحاول التحالف استخدامها للضغط على اليمنيين.
السعودية بعد اربع سنوت من الحرب واستنفاد كافة اوراقها لتسجيل الحسم العسكري، تفاجأت بالتحول الاستراتيجي في المعركة، بعدما دشن الجيش اليمني مرحلة القصف شبه المتواصل والمركز على الاهداف الحيوية والحساسة داخل المملكة.
وفي هذا السياق تفهم صنعاء حملة التصعيد التي يقودها مدير برنامج الغذاء العالمي وتهديده بوقف المساعدات عن ملايين اليمنيين المحاصرين، ليضيف الى مشاكل حكومة صنعاء المزيد من الاعباء الضاغطة والمؤثرة.
تسييس المساعدات الانسانية وتحويلها الى ورقة من اوراق الحرب ليس جديدا ولا حكرا على الحالة اليمنية، فتاريخ المنظمات الدولية حافل بالوقائع المشابهة حيث تتحول الازمات والكوارث والحروب الى فرصة للكسب وجمع الأموال الهائلة على حساب ملايين الجوعي والمحرومين.
وبحسب دراسات، فقد بلغت المنظمات العاملة في اليمن حوالي 69 منظمة محلية ودولية، استلمت في عام 2018 ففط 2.6 مليار دولار، وقائمة اخرى بعدد 62 منظمة استلمت خلال الاشهر الاربعة الاولى من العام 2019 حوالي 450 مليون دولار.
وبلغ اجمالي المساعدات من بداية العدوان حوالي 20 مليار دولار، نصفها جمعت تحت مظلة الأمم المتحدة من الدول المانحة والنصف الثاني تبرعات من دول وجهات خارج الامم المتحدة.