بتوجيه أمريكي إسرائيلي: السعودية والإمارات تقودان ثورة مضادة في السودان.
اعداد | فؤاد الجنيد : في اللحظة التي ركب فيها النظام السوداني العميق الموجة محاولا إيهام الشعب بالإنقلاب على نفسه وإزاحة رأس النظام، دخلت ثورة الشعب السوداني مرحلة جديدة من الصراع الداخلي والخارجي، صراع إرادة داخلية يتسيدها الشعب السوداني التواق للحرية والتغيير، وصراع إرادة خارجية استعمارية وجدت نفسها تخسر أحد اذنابها وحلفائها وادواتها الرخيصة الذي اطاعها ونفذ اجنداتها طيلة فترة حكمه على حساب حياة الشعب السوداني وحريته وكرامته.
لقد نجحت إرادة الشعب السوداني المتمثلة في ثورته الشعبية التي تم تغييبها منذ انطلاقتها والتعتيم عليها وعلى القمع الشديد الذي مارسته السلطة ضد الشعب الثائر، إلا أنها عجزت عن إخمادها فأدت إلى ضغط كبير على النظام وبشكل غير مسبوق، ما اضطر النظام إلى الالتفاف على الثورة، وذلك باستجابته الشكلية للثورة وإزاحة وجه عمر البشير من واجهة النظام، ليبقى النظام كما هو دون تغيير فأسقط البشير ونصب نفسه من جديد حاكماً وشكل مجلساً عسكرياً خاصاً به أولاً بقيادة وزير الدفاع عوض بن عوف قريب البشير وصهره، فارتفعت هتافات الشعب الثائر ضده في نفس اليوم، وبعبارة ” “شالوا حرامي وجابوا حرامي وزي ما سقطت تسقط ثاني”، فتم إسقاط بن عوض في اليوم الثاني ليحل محله على نفس المجلس عبدالفتاح برهان السيسي، وعين محمد حميد داقلو المعروف بـ”حميدتي نائباً مليشياوياً له، ونصب نفسه حاكماً على الشعب والثورة معاً كامتداد لنفس النظام الذي قامت عليه الثورة، وأعلن نفسه شريكاً للشعب في ثورته بسبب حمايته للشعب الثائر من نفسه ومليشياته أمام القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة، وكأن مهمة الجيش كانت قتل الشعب فقط، وليس له مهمة سواها، وبدأ يتصرف مع الشعب والخارج كحاكم شرعي، وبدأ التفاوض مع الثوار على تقاسم سلطة ما بعد الثورة التي لم يتم إنجازها بعد.
شيئاً فشيئاً بدأ النظام الجديد الإستجابة لإرادة الخارج الاستعماري العدو للشعب والثورة والذي كان ولايزال من أخلص أدواته، فبدأ بمطالبة الشعب الثائر في حواراته الطويلة بثمن حمايته له، وأن يكون ثمن حمايته للثورة هو الثورة نفسها، رفضت قوى الثورة ذلك، ولكن بعد أن أصبحت الثورة محصورة بساحة اعتصام واحدة أمام القيادة، ولها حدود لا تتجاوزها، ومحمية بالجيش نفسه، عندها طاف رئيس المجلس ونائبه دول أدوات الخارج وعادوا بقرار بات ونهائي ضد الشعب وثورته، وهو قرار فض الاعتصام بالقوة العسكرية، وتم إنفاذ القرار وقتل الثوار في الساحة وارتكب بحقهم أبشع أنواع الجرائم، لكنهم أخفقوا في قتل الثورة، فتحولت الساحة إلى ساحات، وأعلنت العصيان المدني لثلاثة أيام ثم علقته أملاً في نجاح التفاوض مع مجلس الإجرام والقتل السريع ودون ضمانات بتسليم المجلس للسلطة إلى سلطة مدنية.
يدرك الجميع تأثيرات التدخلات التخريبية لدولة الإمارات العربية المتحدة ومحاولتها فرض الوصاية على الواقع الجديد في الخرطوم، هذا الدور يهدد بالحيلولة دون العودة إلى الحكم المدني في السودان، وذلك بتقديم الدعم الاقتصادي للمجلس العسكري الانتقالي، الذي ينظر إليه المتظاهرون على أنه جزء من النظام السابق. والتنصل من دفع الدفع الذي كانت اقرته هي والسعودية لدعم ثورة السودان بعد الإطاحة بالبشير. وتعهدت الدولتان بتحويل 500 مليون دولار للبنك المركزي السوداني لدعم احتياطي النقد الأجنبي الذي يوشك على النفاد، كما سترسل الدولتان أغذية وأدوية ومنتجات نفطية تبلغ قيمتها 2.5 مليار دولار. لكن مراقبون يرجحون أن الدعم الخليجي للمجلس العسكري “يُعتقد أنه يهدف في المقام الأول إلى بقاء القوات السودانية في الحرب اليمنية، وهو ما أكده المجلس العسكري سريعاً”. وبحسب تقارير صحيفة، فإن رئيس المجلس العسكري، عبد الفتاح البرهان، أدّى دوراً رئيسياً في نشر القوات السودانية في اليمن عام 2015.
لكن الكثيرين داخل الاحتجاجات يخشون أن تستخدم الحكومات الملكية القوية في السعودية والإمارات ثروتها الهائلة لقمع الديمقراطية ودعم “الثورة المضادة”، كما تم اتهامهم بالقيام بذلك في أماكن أخرى في المنطقة. ويتم تنظيم عملية التجديد الناعم للنظام القديم من قبل بعض قوى الشرق الأوسط، حتى تتمكن من الحفاظ على حلفائها في السلطة. وكان رد فعل السعودية والإمارات تجاه الموجة السابقة من الانتفاضات الشعبية قاسيا، حيث استخدمت المساعدات المالية والدعم العسكري في مصر والبحرين وليبيا وأماكن أخرى لدعم الحلفاء الاستبداديين القدامى أو المستبدين الناشئين الجدد وقد نجحت في خنق الحملات المؤيدة للديمقراطية في كثير من الحالات. وقال محللون إن الإمارات وحليفتها السعودية اتبعتا رؤية مشتركة للمنطقة، تهدف إلى مواجهة النفوذ الإيراني وسحق الحركات الإسلامية السياسية، ووقف انتشار الديمقراطية التي قد تثير التطلعات السياسية لدى السكان في الداخل الخليجي.