الخبر وما وراء الخبر

قضايا الثأر في ذمار بين الإنتقاء والترحيل.

115

خاص | للقبيلة اليمنية في محافظة ذمار ومشائخها وأبنائها دور عظيم ومتميز ومسؤول في مواجهة التحديات والأخطار التي تهدد المجتمع والبلد، ومتى ما داهمتهم الخطوب نبذوا خلافاتهم الهامشية ظهريا، ووحدوا صفوفهم ومواقفهم تجاه قضية مصيرية واحدة لمقارعة الخطر وصده والوقوف في وجهه بشتى الوسائل المتاحة، لكن هذا الدور الريادي شُوّه وتلاشى في فترة زمنية مازالت مستمرة حتى الآن، بسبب استفحال قضايا الثأر والتعصب القبلي واستبعاد عقلاء القبائل ووجهائها، وتقريب المتسلطين الذين آثروا إشباع نزواتهم وحساباتهم الشخصية على حساب سلامة القبيلة واستقرارها وامانها، وهذا ما جعل بعض قضايا الثأر في ذمار تنحى جانبا في وقت تشهد فيه العديد من قضايا الثأر حلحلة حقيقية بين الصلح والعفو والتنازل وطي صفحة الماضي كليا والإلتفات لقضية المصير المتمثلة في الدفاع عن الأرض والعرض.

في ظل العدوان السعودي الأمريكي ومنذ أول يوم، سعت القبيلة في ذمار وغيرها من المحافظات اليمنية لإستعادة دورها البارز، وانبرت مدافعة عن سيادة البلد وحريته واستقلاله، مواصلة مشوار النضال الذي أطاح بالعملاء والخونة والمرتزقة، وقدمت الشهداء والجرحى ودعمت الجبهات بالرجال والمال، ومع كل تصعيد من قبل العدو تكون القبيلة في ذمار صاحبة السبق في مواجهة التصعيد، ووأد المؤامرات والمحافظة على الأخوة، والتحرك بروح العزيمة الواحدة. لكن هذا الدور بدا محدودا بسبب التراكمات السابقة بين القبيلة في ذمار ونظيراتها، ووقوف بعض القضايا وأبرزها الثأر عائقا أمام توحد لحمة الجبهة الداخلية، وهذا ما دعا بسياسة “أنصار الله” إلى التدخل المباشر وغير المباشر لمساعدة القبيلة في إستعادة دورها من خلال العمل على حل قضايا الثأر، واحتواء الخلافات أياً كانت لتتوحد الجهود وتتظافر جميعها لمواجهة العدوان ومقارعته على أساس الواجب الديني والأخلاقي والوطني.

يعد ما يسمى “مجلس التلاحم القبلي” المكون الحديث لحل قضايا القبيلة ومشاكلها، وعلى عاتقه بذل جهود طوعية ورسمية لإنتشال المجتمع مما يعانيه من تراكم للقضايا وتكدس للنزاعات، ناهيك عن طبيعة الظروف وخطورة المرحلة التي تتطلب التدخل المباشر في قضايا الثأر الكبيرة والشائكة في ذمار والتي لها أثرها وتداعياتها، وعدم الإنزواء والإكتفاء باستهداف القضايا البسيطة والسهلة وإغفال تلك التي قد تنذر بكارثة كبيرة تنهش اللحمة الداخلية حال إنفجارها واشتعالها. ومع علمنا بأنه ليس جديدا أن يحتكم الناس إلى من يرونه صادقا ومصلحا، سواء كان شيخا أو رجل دين أو ذو وجاهة، طالما كانت النتيجة التراضي والتعهد بقبول الحكم، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في حين يكون هذا الشيخ أو تلك الوجاهة هو من يضمر بقاء الخلاف وضرورة ترحيله لتصفية حسابات شخصية على حساب وحدة القبائل واصطفافها في مواجهة العدوان دون مكدرات هامشية وداخلية.

إن التوجه العام لحل قضايا القبيلة ومشاكلها في ذمار لا يتجزأ، ويجب أن لا ينتقى منه ما يتوافق مع رغبات من تقع على عاتقهم مسؤولية البت والتنفيذ، ومن هذا المنطلق نؤكد على ضرورة جدولة القضايا وفرزها، ومفاضلتها بحسب التأثير والتبعات والتداعيات، وتزمين إستهداف حلحلتها بناء على هذا الأساس، مالم فستبقى مسألة المعالجات والحلول مجرد فقاعات إعلامية تذر الرماد على العيون، وتصرف أنظار الناس عن ملاحظة الإستخفاف بالقضايا الكبيرة والجوهرية، والهرولة نحو القضايا السطحية لإنتاج قصص نجاح تعزز رصيد السيرة الذاتية لمن حملوا مسؤولية هذا الدور وأفرغوه من محتواه بهشاشة الإستهداف وصفرية النتائج.