محمد.. رحمة مهداة للعالمين
محمد علي الباشا
يجدّدُ المسلمون في ذكرى مولد، العهدَ مع قائدهم وحادي ركبهم محمد بن عبدالله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله، هذا النبي الكريم الذي أرسله الله تعالى رحمة للعالمين “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” وقال تعالى أيضاً “هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ”.
“إن حياةَ محمد التأريخية لا يمكنُ أن توصفَ بأحسن مما وصفه الله؛ حيث قال: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين».. إن اليتيم العظيم قد برهن بنفسه على أنه أعظم الرحمات لكل ضعيف، ولكل محتاج إلى مساعدة، لقد كان محمد رحمة حقيقية لليتامى، وأبناء السبيل، والمنكوبين، وجميع الفقراء، والعمال ذوي الكد والعناء”. هكذا يوصف الكاتب الأسباني جان ليك، الخصال النبيلة التي أتى بها خاتم الأنبياء.
إن محمداً صلوات الله عليه وعلى آله هو الرحمة المهداة والنعمة المسداة، رأى الناس النور والخير والرحمة بعد أن أرسل، وزاح عنهم ظلام القسوة والغلظة والجفاء، وأشرقت عليهم الدنيا بعد أن جاءتهم رحمته-صلى الله عليه وآله وسلم-، فقد كانوا في ظلمة الظلمة، وقسوة القساة، وغلظة الطغاة الجبارين.
أرسل اللهُ تبارك وتعالى محمداً رحمة بالإنسان والحيوان، يصفه ربُه فيقول: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}، فالرحمةُ صفةٌ لازمة له، فهي عنوانه، وهي سمته التي يعرف بها، فقلوب الناس تهواه وتغشاه وتحبه لأنه رحمة، بعث بالرحمة والعطف والحنان، بعث بالرفق واللين فما أرحمه من نبي، فهذه سيرته العطرة مليئة بالمشاهد الدالة على رحمته- صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد قال المفكرُ إنجليزي كويليام عن خُلق نبي الله محمد: “كان محمد علَى أعظم ما يكون من كريم الطباع، وشريف الأخلاق، ومنتهى الحياء، وشدة الإحساس، وكان حائزًا لقوة إدراك عجيبة، وذكاء مفرط، وعواطف رقيقة شريفة، وكان على خلق عظيم، وشيم مرضية”.
إن رحمةَ النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- تعددت في عدة أمور ومع أصناف الناس، وقصة مع جاره اليهودي شهيرة، رحمته- صلى الله عليه وآله وسلم- نالت الكبير والصغير والرجل والمرأة فلم تترك أحداً إلا نالته يأتي إليه الطفل الصغير فيقبله ويرق عليه ويرحمه فيقول أحد الحاضرين من الأعراب تقبل الأطفال يا رسول الله؟! والله إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا!! فيقول عليه الصلاة والسلام أو أملك لك أن نزع اللهُ الرحمةَ من قلبك ثم أعلنها مدويةً في سماء الجفاء والغلظة، أطلق منهجاً ربانياً (من لا يَرحم لا يُرحم)، ولم تقتصر رحمته مع الأطفال أن يقبلهم فحسب، بل الأمر أبلغ من ذلك فهو يحملهم على ظهره.
لم تكن رحمتُه-صلى الله عليه وآله وسلم- مواقفَ وأحداثَ فحسب، بل إنه أمر وشرع ومنهج وأخلاق شرعها للناس فقد قال عليه الصلاة والسلام مرغباً في الرحمة والرفق واللين على الناس: (اللهم من ولي من أمر أمتي فرفق بهم فارفق به)، وقال متوعداً من شق عليهم وأغلظ وجفاء (ومن ولي من أمر أمتي فشق عليهم فاشقق عليه)، وقال – صلى الله عليه وآله وسلم-: (من لا يرحم لا يرحم)، وقال: (الراحمون يرحمهم الله)، فالرحمة خلق عظيم من أخلاقه-صلى الله عليه وآله وسلم- وصفة رفيعة من صفاته، وأمر عظيم فطر عليها، فحريُّ بالإنسان كل الإنسان في الكون، ليس فقط المسلم، أن يتمثل هذه الصفات النبيلة والشمائل الحميدة.
وقد قال مفكر إنجليزي كويليام: “أوصل النبي محمد الخَلق إلى أقصى مراتب السعادة بسرعة خارقة، ومن نظر بعين البصيرة في حال الأنام قبله وما كانوا عليه من الضلالة، ونظر في حالهم بعد ذلك وما حصل لهم في عصره من الترقّي العظيم رأى بين الحالين فرقًا عظيمًا كما بين الثرى والثريا”.
أما المستشرقة الإيطالية لورا فيشيا فاغليري فتستجلي عالمية الإسلام بقولها: “إن الآية القرآنية التي تشير إلى عالمية الإسلام بوصفه الدين الذي أنزله الله على نبيه (رحمة للعالمين)؛ هي نداء مباشر للعالم كله، وهذا دليل ساطع على أن الرسول شعر في يقين كلّي أن رسالته مقدر لها أن تعدو حدود الأمة العربية، وأن عليه أن يبلغ (الكلمة) الجديدة إلى شعوب تنتسب إلى أجناس مختلفة، وتتكلم لغات مختلفة”.