الخبر وما وراء الخبر

 النصيري: رجل بحجم اليمن..

260

كتب | أمين النهمي

تمضي أربعون يوما على وداع الوالد الشيخ المناضل/ ناصر بن ناصر النصيري – عضو المجلس السياسي الأعلى (رحمة الله تغشا روحه الطاهرة)؛ ذلك الرجل الحكيم والسياسي الشجاع؛ والإنسان بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ والشخصية الوطنية التي إحتوت كثيرا من الصفات؛ فقد كان (رحمه الله) طوال حياته متلمسا لأوضاع المناضلين الذين مروا بظروف صعبة؛ والحالات الإنسانية التي تحتاج إلى الرعاية الكريمة؛ وفي الجانب الإجتماعي؛ كان مصلحا إجتماعيا ويسعى إلى إصلاح الشأن في الخلافات التي كانت تحدث بين بعض القبائل في محافظة ذمار؛ وغيرها من المحافظات..

مثّلَ الوالد الشيخ/ ناصر النصيري في حياته نموذجاً حياً للسياسي المكافح والمناضل الصلب الذي يقف إلى جانب الوطن مهما تغيرت الظروف؛ فكان بحق هامة وطنية ثابتة المواقف وصلبة الإرادة..

الشيخ/ ناصر النصيري لم يكن شخصية عابرة وإنما رجل صنعته تحولات كبری مر بها الوطن؛ وشارك هو أيضا في صناعتها؛ وأسهم بكل بسالة وشجاعة وتضحية في إعادة الإعتبار للوطن أرضا وإنسانا وتاريخا؛ حيث كان في طليعة الرجال الذين حملوا على عواتقهم عبئ تحرير الوطن من المحتل البريطاني وهو في ريعان شبابه؛ وقد وهب الوطن زهرة عمره وخلاصة حياته وظل ملتحما بكل قضاياه مدافعا عن الحرية والمواطنة، ومناهضا للظلم والقمع والقهر ورافضا لجميع أشكال التمييز.

وفي هذا السياق نجد الوالد/ ناصر النصيري، واحداً من أبرز رواد العمل الكفاحي والنضالي، ورمزاً من رموز القيم الإنسانية النبيلة ومثالاً رفيعاً للسياسي الشجاع والثائر الحر الصبور والمتفاني، بعيداً عن مظاهر الحياة وزخرفها، مناضلاً صلباً لا يستكين، إختط لنفسه سيرة حافلة بالمجد الإنساني ثرية بالنضال السياسي المشبع بنقاء الثورة؛ فمنذ بواكير الكفاح الوطني وإرهاصاته الأولى سجل فقيد الوطن الوالد/ ناصر النصيري حضوره كواحد من أولئك الذين اجترحوا خط الثورة، ومضوا صوب الحرية الغالية، مرفوعي الهامات تتزاحم في أرواحهم الباسلة قيم الإنتماء الوطني ومعاني الشرف الخالدة.

ينتمي المناضل/ ناصر النصيري (طيب الله ثراه) بصورة جلية إلى زمن القادة الإستثنائيين بكل أصالة وإقتدار؛ فكان حاضراً كقائد سياسي من الطراز الرفيع، ولطالما تجلت إرادته القوية في أوقات المحن والشدائد، وفي تلك اللحظات التي تتطلب الشجاعة وصلابة الموقف.

الوالد الفقيد/ ناصر النصيري؛ كانت له إسهامات كثيرة في مختلف المحطات الوطنية؛ حيث يعد أحد أبرز وأهم مؤسسي الجبهة الوطنية الديمقراطية، ومن مناضلي ثورة ال26 من سبتمبر 1962م في شمال الوطن؛ واحد المناضلين الوطنيين الذي قادوا حملة التحرر من الإستبداد والإستعمار البريطاني في جنوب الوطن حتی تحقق النصر في ال14 من أكتوبر 1963م.

وقبل قيام دولة الوحدة عمل الشيخ المناضل/ ناصر النصيري؛ مع عدد من القيادات الوطنية والمناضلين على تقريب وجهات النظر بين قيادتي الشمال والجنوب؛ حتى تم الإتفاق وإعلان دولة الوحدة في 22 من مايو 1990م، والتي لطالما ناضل وكافح وعانى هو ورفاق دربه من ظلم وبطش وتسلط النظام في الشمال آنذاك، وتحمل الكثير والكثير من ويلات الصراع الذي كان يعرف بحرب المناطق الوسطی؛ وبسببها هاجر الی جنوب الوطن في مرحلة عرفت بالتشطير وذلك لسنوات طويله؛ وكل ذلك كان فداء من أجل تحقيق الوحدة اليمنية المباركة.

وبعد الوحدة أستقلت الجبهة الوطنية الديمقراطية عن الحزب الإشتراكي اليمني؛ حيث كان المناضل/ النصيري من أبرز مؤسسي الجبهة؛ وعقدت الجبهة مؤتمرها العام وتم إنتخابه أمينا عاما للجبهة الوطنية الديمقراطية.

وعندما اندلعت حرب صيف 1994م؛ المشؤومة كان للوالد / ناصر النصيري دورا عظيما وجهودا جبارة في لم الشمل ورأب الصدع الذي حصل بعد تلك الحرب الظالمة؛ وسعى بكل جهد إلى تطبيع الأوضاع؛ وإعادة الكثير من قيادات الحزب الإشتراكي اليمني إلى ممارسة نشاطهم السياسي..

يعدّ الوالد الشيخ / ناصر النصيري أحد القامات والهامات الوطنية الذين أثروا الحياة السياسية والديمقراطية بالأفكار والرؤى المستنيرة؛ عاش مناضلاً جسوراً غيورا على وطنه؛ وفي العام 2006م؛ عمل فقيدنا على إنشاء تحالف سياسي عريض يضم في عضويته عددا من الأحزاب السياسية؛ والذي أفضى إلى تشكيل (أحزاب التحالف الوطني الديمقراطي)؛ بعد أن كان قد شكل في المرحلة التي سبقت ذلك تكتل (المجلس الوطني للمعارضة) الذي ضم العديد من الأحزاب السياسية؛ وكذا مشاركة الوالد/ ناصر النصيري في العديد من المهام الداخلية والخارجية؛ حيث كان له دور هام في مؤتمر الحوار الوطني بإعتباره عضوا في (فريق القضية الجنوبية)؛ وشارك أيضا في مؤتمر جنيف1، وغيرها من المشاركات التي كان له الدور البارز في نجاحها علی الصعيدين الداخلي والخارجي.

وعند بدء العدوان الهمجي الغاشم على شعبنا اليمني الصامد والصابر في 26 من مارس 2015م؛ وفي الوقت الذي تساقطت فيه رموز وقيادات الأحزاب ووقعت في وحل ومستنقع العمالة والإسترزاق، ومدت أيديها وتحالفت مع قوى الشر والإجرام والغزاة المحتلين؛ تمترس فقيد الوطن الشيخ المناضل/ ناصر النصيري في خندق الدفاع عن الوطن ومواجهة العدوان؛ لم تغريه أموال بعران النفط؛ ولم تهزه التهديدات؛ وفضل البقاء والصمود في وطنه وبين أبناء شعبه؛ مصطفا ومنحازا إلی جانب الحق؛ مناهضا وبكل قوة وشجاعة ضد العدوان الخارجي والتآمر الداخلي والحصار الجائر (بري وبحري وجوي)؛ مقارعا لسياسة التجويع والقتل والدمار الذي فرضت علی وطنه وأبناء وطنه ظلما وباطلا..

وفي ال6 من أغسطس 2016م؛ تم إختيار الوالد الشيخ/ ناصر النصيري عضوا” للمجلس السياسي الأعلى أعلی سلطة تحكم البلاد حتی يومنا هذا ممثلا لأحزاب التحالف الوطني الديمقراطي؛ لما يتمتع به الوالد من حنكة قيادية حكيمة وخبرات سياسية متراكمة؛ فكانت جميع مواقفه شامخة تمثل نموذجا للسياسي الشجاع الذي يصطف الى جانب وطنه مناصرا للحق والعدل رافضا للذل والإنحطاط؛ فقد جابه العدوان بكل شجاعه ووقف ضده منذ اللحظة الأولى لإنطلاقه؛ ودفع ثمن ذلك حياته بسبب تعنت ورفض الأمم المتحدة ودول العدوان وتعمدها في منعه من السفر لتلقي العلاج بالخارج.

وفي ال9 من إبريل 2019م إرتقت الروح الطاهرة لفقيدنا الوالد المناضل/ ناصر النصيري؛ وانتقلت روحه الی الرفيق الأعلی؛ وهو رافعا رأسه شامخا في مواقفه عزيزا في أخلاقه كريما في تعامله؛ توفاه الله وهو بين أبناء شعبه ودفن في تراب وطنه (رحمه الله تعالی) ..

ختاماً فإن اليمن خسرت برحيل الوالد المناضل الشيخ/ ناصر النصيري هامة سياسية حكيمة، وقامة وطنية قلما يكررها الزمان؛ ولذلك فإن الكتابة عن والدنا وشيخنا الفقيد/ ناصر النصيري – عضو المجلس السياسي الأعلی (رضوان الله عليه وعلی روحه الطاهرة)، وتاريخه النضالي المشرق تحتاج إلى كثير من المجلدات..

وهنا انتهزها فرصة وأدعو رفاق دربه ومحبيه والجهات الرسمية في الدولة بتدوين مآثر ومحطات الوالد الشيخ/ ناصر النصيري (رحمه الله) ومسيرته النضالية التي قضاها في خدمة الوطن قرابة السبعين عاما؛ وحفظها لكي تكون في متناول الأجيال القادمة.

وطب خلودا أبا نشوان فإننا سنظل ماضون وسائرون على نهجك الوطني، ودربك النضالي، ورؤاك الوضاءة التي رسمتها لبناء الدولة اليمنية الحديثة، حتی يتحقق النصر لوطننا الغالي (اليمن)..

فسلام الله عليك وعلی روحك الطاهرة وطيب الله ثراك يا فقيدنا وفقيد الوطن المناضل/ ناصر بن ناصر النصيري – عضو المجلس السياسي الأعلی (رحمه الله) ..