الخبر وما وراء الخبر

التكافل الإجتماعي الرمضاني: سجية اليمنيين الراسخة.

69

ذمار نيوز | خاص |تقرير : فؤاد الجنيد 9 رمضان 1440هـ الموافق 14 مايو، 2019م

يعد شهر رمضان في مدلوله الروحي دعوة صريحة إلى حراسة القيم الإسلامية والمبادئ الأخلاقية السامية وحماية المجتمع من الفوضى والفساد والانحلال، وفي ظل الظروف والتحديات التي تشهدها البلاد بفعل العدوان والحصار يصبح التكافل الاجتماعي ضرورة ملحة توجبها الفطرة والقيم، ويباركها الدين والأخلاق والوطنية، ومن الصفات الحميدة التي يتميز بها المجتمع اليمني في رمضان مبدأ التكافل في جميع مناحي الحياة، ولعل الواقع الصعب الذي يعيشه جعله يتصف بهذه الصفة حتى يتقوى ويستمر في الدفاع عن أرضه وعرضه، أو انتمائه لدينه الذي اهتم ببناء المجتمع المتكامل ليكون مجتمعاً قوياً منيعاً قادرا على مواجهة التحديات كافة، وحشد في سبيل ذلك جملة من النصوص والأحكام، وهذا ما جعل المجتمع كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا ويكون سدّاً منيعاً في وجه شتى أنواع المؤامرات والتحديات التي تعصف بالمجتمعات الأخرى والتي أصيبت في أمنها الديني والاقتصادي والاجتماعي.

منظور عام

من هذا المنظور تقوم المساجد بأئمتها لتبيان صفة وخلق التكافل الاجتماعي، مذكرين أن هذا الخلق هو الذي حقّق لأجدادنا وأبائنا الأمن والاستقرار، هذا إلى وقت قريب، حيث كانت هذه الفضيلة الخلقية يتميز بها المجتمع غير أن ظروفا خاصة جعلت هذه الصفة تغيب من عائلاتنا وأحيائنا وقرانا، وفي هذه الأيام الفاضلة نريد أن ننفض الغبار عن هذا الخلق القرآني المغيب، لاسيما ورمضان شهر التكافل والتراحم، وقد دعا قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله إلى ضرورة تجسيد هذه السجية والفضيلة والعمل على ترجمتها فعليا خلال الشهر المبارك.

مفاهيم غائبة

التكافل الاجتماعي ليس مقصورا على النفع المادي بل يتجاوزه إلى جميع حاجات المجتمع أفرادا وجماعات، ومناحي الحياة مادية أو معنوية أو فكرية على أوسع مدى لهذه المفاهيم، فهي بذلك تتضمن جميع الحقوق الأساسية للأفراد والجماعات داخل المجتمع. ومفهوم التكافل من الناحية العملية اليوم، ما زال لا يتسع ميدانياً ليشمل كافة حدود الدائرة التي رسمها الدين الحنيف وأحدث بها نقلةً نوعية من عالم الأنا والفرد والشخص إلى عالم المجتمع والدولة، فدائرة هذا المفهوم ليست حكراً على الجانب المعيشي الذي يوفر للمحتاجين ضروريات حياتهم فحسب، بل أصبح يتسع لحاجات المجتمع وضرورات الدولة التي تشمل كافة ميادين الحياة، بل لعل هناك بعض الجوانب الحياتية التي لا تقل أهميةً عن التكافل المالي، فالتكافل المعيشي في رمضان، حيث تنتشر أماكن لإطعام ابن السبيل والفقراء والمحتاجين، وتقدم أنواع كثيرة من المساعدات مما يبرز من خلالها جانب التكافل الاجتماعي الكبير، وتعود هذا الخلق على رفع المعاناة ورسم الابتسامة على وجوه المحتاجين، وتعتبر كرد فعل لأولئك الذين أرادوا تغييبها في مجتمعنا. والمراد به أن يتحمل المجتمع أعباء رعاية أحوال الفقراء والمرضى والمحتاجين والاهتمام بمعيشتهم من طعام وغذاء وكساء ومسكن والحاجات الاجتماعية الضرورية، وهذا النوع من التكافل له أولويته لأنه مما لا يستغني عنه أي إنسان في حياته، ويكون ذلك طوال السنة ولا يقتصر على شهر رمضان فقط لأن النفوس إذا جاعت دفعت أصحابها إلى فعل كل شر.

أنواع التكافل

يتوسع التكافل ليشمل ميدان العلم والمعرفة، أي نشر العلم والمعرفة وتغذية الروح بالعلم والتعلم، والتكافل أيضا في العبادات التي شرّعها الإسلام، هناك في الإسلام شعائر وعبادات يجب أن يقوم بها المجتمع ويحافظ عليها كصلاة الجنازة، إقامة الجمعة وإقامة فريضة الحج، وغير ذلك من العبادات التي تؤدى جماعةً. هذه الصورة من تكافل المجتمع وتعاونه في أداء العبادات هي سمة بارزة من سمات المجتمع اليمني المسلم، ولها أثرها الكبير في شد أواصر هذا المجتمع وتلاحمه، ومما لا شك فيه أن هذه العبادات إنما أراد بها الله تعالى الجانب الجماعي التعاوني، لقوله عز وجل: “وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ”. والتركيز على أهمية الجماعة وإبرازها بصور عبادية مختلفة ترسيخاً لمفهوم التكافل العبادي وإحيائه، وأيضا التكافل الأخلاقي، ويقصد به حراسة القيم الإسلامية والمبادئ الأخلاقية السامية وحماية المجتمع من الفوضى والفساد والانحلال وإشاعة الفاحشة، ومن منطلق الإيمان بأن المجتمع إذا فسد فإنه يفسد الجميع ويصعب بعد ذلك تدارك الفساد وإصلاحه، ولهذا وجب على المجتمع المسلم أن ينكر على مرتكبي المنكرات الخُلقية وغيرها ويحارب الآفات الاجتماعية.