الخبر وما وراء الخبر

ثباتُ القيادة

35

بقلم / حميد دلهام

من أهمّ عوامل النصر، وأكثرِ متطلبات إدارة أية معركة بنجاح، ثباتُ القيادة، ورباطةُ جأشها، وعدمُ تأثرها بحجم قُــوَّة العدوّ وكثرة عدده وعدته وعتاده.. وما أعده وحشد به وجنّده وسخّره من مواردَ وطاقاتٍ وقدرات، وما استعان به من أحلافٍ وَمرتزِقةٍ وبايعي ضمير وعُبَّاد مال وَ… وَ… إلى آخر ما هنالك..

يبدو ذلك جلياً في مواقفَ حرجةٍ وتجاربَ حقيقية، ومعارك كثيرة عبر التأريخ الإنْسَاني كان لثبات القائد الدورُ الأَسَاسُ والكلمةُ الفصلُ في تغيير مجرياتها، وتقرير نتائجها النهائية، ولعلَّ في تأريخنا الإسْلَامي خُصُوصاً العصر النبوي ما يفيدُنا في هذا الصدد ويُغنينا عن تجارب الآخرين، فهناك معاركُ إسْلَاميةٌ شهيرة، كان المسلمون فيها قابَ قوسين أَو أدنى من الهزيمة، والظفر بهم من قبل عدوهم، لولا ثباتُ القائد ورباطةُ جأشه وتنزُّلُ السكينةِ عليه من ربه..

معركةُ حُنَين وما جمعته هوازنُ وأعدته إلى جانبِ ما تخلل صفوف المسلمين من الطلقاء وضِعاف الإيْمَــان وحديثي الإسْلَام، كُــلُّ تلك، كانت أسباباً موضوعية لهزيمة المسلمين، وفرارِ الكثير منهم من أرض المعركة مع تعرُّضِهم لأول صدمة، ومواجهتهم لأول جولات وصولات العدوّ..

وهو ما حدث بالفعل، حَيْــثُ فر المسلمون وَانهزموا، حتى قال قائلُ النفاق في تَشَــفٍّ واضح، بأن هزيمتهم لن يرُدَّها البحر أَو كما قال..

في تلك اللحظات الحرجة كان لدورِ وثباتِ القيادة كُــلُّ الفضل في تغييرِ مجرياتِ المعركة وتحوُّلها من هزيمةٍ إلى نصر.. فقد ثبت رسول الله صلى اللهُ عليه وآله وسلم، ونادى في الناس أَو بما معناه: أيها الناس.. أنا النبي لا كذب.. أنا ابن عبدالمطلب.. فعاد إليه الخُلَّص ولبّوا نداءه، وَحمي الوطيس وتغيّر كُــلُّ شيء بفضل ثباته ورباطة جأشه صلوات الله عليه وَعلى آله وسلم..

كذلك في معركة فتح خيبر، التي كان من أهمّ أسباب تأخر حسمها، غيابُ القائد الميداني الذي وصفه صلى الله عليه وآله وسلم، بأنه يحبُ اللهَ ورسوله، ويحبُّه اللهُ ورسولُه، وأنه كرارٌ غيرُ فرار.. ومع تواجُدِه وثباته كان الفتحُ والنصرُ من رب العالمين..

هذه النماذجُ المشرقةُ من تأريخنا الإسْلَامي، تمنحنا الثقة، وَتبعث فينا كشعبٍ يمني مظلوم ومعتدَى عليه وتشن ضده حرب كونية وعدوان ظالم وغير مسبوق، تبعثُ فينا كُــلَّ مشاعرِ الارتياح والاطمئنان، فلدينا قيادةٌ تستقي ثباتَها ورباطةَ جأشها من أسلافِها من الأنبياء والأولياء، وتتخذُ منهم أُسوةً وقدوةً في كُــلّ الخطوات والتصرفات..

لا أقول هذا تملقاً ولا تزلفاً، وليس من باب (بالروح بالدم نفديك يا فلان) بقدرِ ما أنقلُ حقيقَةً لمستُها من ثنايا محيطٍ بشري أعيشُ فيه، وشارعٍ أنا أحدُ أَفراده..

تبدَّى ذلك جلياً وبكل وضوح بعدَ المقابلة الأخيرة والحوار المطول، الذي أطل فيه سماحةُ السيد القائد، وَما تخلّله من رسائلَ وصلت إلى العدوّ قبل الصديق، بأن الثباتَ ورباطةَ الجأش من أهمّ ما تتميّزُ به قيادتُنا الحكيمة، وَلتكتملَ بذلك حلقةُ الصمود والثبات مع وجودِ شعبٍ أبيٍّ مغوار.. يُسَمَّى الشعبُ اليمني..

موعدُنا النصرُ بإذن الله، وما ذلك على الله بعزيز..