تعز بين بيادق الأصلاء وبنادق الوكلاء.
ذمار نيوز | خاص |تقرير : فؤاد الجنيد 22 شعبان 1440هـ الموافق 27 إبريل، 2019م
في آخر تطورات المشهد اليمني ثمّة ما يؤكد انقلاب السحر على الساحر، وسقوط من حفر الحفرة في الحفرة ذاتها، فلم تكن دول قوى تحالف العدوان وحدها من تعيش انقساماً جوهرياً في قواعدها وقياداتها؛ بل حتى أدواتها التي تمثلها على الأرض تعيش هذه الحالة العالية من الانقسام والتصادم الذي وصل مؤخراً إلى الإشتباك والاقتتال والعنف في جولة جديدة من تحديد المصير وحسم الصراع الوجودي الذي لا يقبل بوجود الآخر تحت اي مسمى واي ظرف، فبعد الاقتتال في مدينة عدن الجنوبية بين الأدوات الإماراتية والأدوات السعودية التي تغذيها الرياض عبر ما يسمى بـ “شرعية الفنادق”، تشهد مدينة تعز اشتباكات مسلحة وصراع دموي حقيقي بين فصائل مرتزقة العدوان المتوزعة بين كتائب أبو العباس السلفية الموالية للامارات وكتائب حزب الإصلاح المدعومة من الرئيس الفار أدت إلى مقتل العشرات وارعاب المواطنين واقلاق سكينتهم وتحوّل المدينة إلى مدينة اشباح لا تبعث على الإطمئنان.
صراع الأصلاء
لا يساور أبناء مدينة تعز الشك على لسان أحدهم في أن السعودية والإمارات هما من تقفان خلف تجدد الصراع بين فصائل المرتزقة في تعز، ويأتي الصراع في المدينة الحالمة امتدادا لصراع الطرفين في ساحات المدن والمحافظات الجنوبية التي باتت مسرحا للإستعراض على حساب دماء اليمنيين وحياتهم المتهالكة، ولعل الفصل الاخير من اللعبة أبتسم للإصلاح هذه المرة، فالجميع يدرك أنها حرب باردة تُخاض داخل أجنحة العدوان نفسه في سياق إعادة التنظيم والتموضع العام وتكريس التوازنات القائمة والجديدة بين الأطراف، خصوصا مع تغيرات الأوراق في مسار الصراعات الجارية الآن، فبالتزامن مع انعقاد قطيع الرياض في ديكور البرلمان بسيئون، استعرضت الأحزاب السياسية في تعز بجماهيرها وخرجت في مسيرات حاشدة لتحرف بوصلة تحالف العدوان نحوها، ولتثبت كل فئة أنها الأجدر بإدارة شؤون المدينة التي باتت تكيل اللعنات لكل من على ترابها.
مشروع غائب
ترك الجيش اليمني ولجانه الشعبية مساحات واسعة تحت سيطرة فصائل مختلفة لمرتزقة العدوان في مدينة تعز ومناطق قريبة منها وهيأ لها مناخاً خصباً من الأمان لعلمه أنها حتماً ستتصارع فيما بينها لاختلاف تكويناتها وتباين أهدافها، ولغياب اي مشروع واضح لبناء المدينة وتسيير شؤونها، فكل ما تفعله هذه الفصائل هو السطو المسلح والسرقة والابتزاز بداعي الحماية، وكذا القتل والذبح وتضييق الحريات وتقييدها حسب الأهواء وملشنة الحياة الطبيعية للسكان، وهو ما يعترف به سكان المدينة انفسهم ويعيشون أياماً عصيبة بإنتظار من يحررهم من هذه الفوضى ويعيد لحياتهم معطيات الأمان والعيش الكريم.
مكب نفايات
استراتيجيا، تبقى تعز المنطقة الأكثر أهمية للعدوان على المستوى العسكري؛ كونها أرضية خصبة للصراع، ومرتع يعج بالتناقضات والتباينات والولاءات من أغلب تكويناتها المنتفعين، وهي فرصة يستغلها العدوان لتحويل المنطقة تلك إلى مكب للنفايات العسكرية، ويدعم فصائل جديدة عقاباً لأخرى، ويحاول جاهداً إبقاء ميزان القوى متكافئاً لإطالة أمد الصراع لحاجة في نفس يعقوب كون المشهد التعزي ضبابي وباهت الملامح، ولا ترغب الرياض وأبو ظبي أن تلدغا مرة أخرى كما لدغتا في الجنوب حين دعمت وغذت قوى لتكتشف في الأخير أنها متمردة عن اوامرها وتنفذ أجندات ثانوية لا تتصل بأهداف تحالف العدوان المرسومة.
بالونات منفوخة
ووسط تعقيدات المشهد التعزي تطفو على السطح العديد من المظاهر والمواقف المريبة أبرزها تدخلات التهدئة التي تقوم بها اللجنة الأمنية في المحافظة التي تعمل في الظل ولا صفة رسمية لها، وعجز وتنصل القوات الأمنية التابعة للداخلية والدفاع التي يديرها محافظ المحافظة وقيادات أمنية رسمية، ولم يكن لها أي دور في حلحلة الصراع.
أزمة الـ”عقالين”
ولا يمكننا اغفال حضور الأزمة الخليجية القطرية في تغذية الصراع وتأجيجه، فالتوتر الإماراتي القطري القى بظلاله على هذا الصراع الذي يرجح مراقبون تمدده لحرب أهلية، إذ يعد حزب الإصلاح الذي تشكل مليشياته طرفاً في الصراع ذراعاً سياسياً وعسكرياً للدوحة؛ لذا كان بديهياً أن تسعى السعودية والإمارات لتفكيكه و الإجهاز عليه عبر تشكيلاتها المتمثلة في كتائب أبو العباس السلفية التي تنفذ اجندتها بإتقان البار المطيع.