الخبر وما وراء الخبر

 فاعلم أنه لا إله إلا الله

43

ذمار نيوز | من هدي القرآن 11 شعبان 1440هـ الموافق 16 إبريل، 2019م

{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (محمد: من الآية19) ومتى ما تحقق لدينا ـ بإذن الله وبتوفيقه وبتنويره ـ معرفة كافية بمعنى (لا إله إلا الله), معرفة كافية بمعنى ألوهيته, أنه إلهنا ونحن عبيده فإن هذه تعتبر من أهم الفوائد وأعظم المكاسب التي لو قطع الإنسان عمره الطويل في ترسيخ معانيها في نفسه لكانت من أعظم النعم التي يحصل عليها طول عمره.

الله سبحانه وتعالى هو إلهنا ونحن عبيده، ومعنى ذلك أنه وحده الذي له الحق أن يكون له الأمر فينا, والحكم فينا، هو من له الحق أن يشرّع لنا، ويهدينا ويرشدنا، هو من له الحق أن يحكم فينا، هو من له الحق أن يدبر شؤوننا؛ لأننا عبيده، هو من له الحق أن لا يتدخل غيره في شأن من شؤوننا بما يخالف ما يريده ـ سبحانه وتعالى ـ لنا ومنا، هو وحده الذي له الحق أن نطيعه, ونطيع مَنْ طَاعتُه مِنْ طَاعته.

هذه القاعدة المهمة, والقاعدة الواسعة هي التي تفصلك عن كل إله في الأرض سواء تمثل في هواك، أو تمثل في إنسان، أو تمثل في أي شيء من هذا العالم، فمتى ما فصلت نفسك عن كل ما سوى الله أن يكون إلهاً لك تحقق لك معنى (لا إله إلا الله), ومنحت مِن عزة مَن وحدّته، مِن قوة مَن وحدته، مِن حكمة مَن وحدته، مِن علم مَن وحدته، كما قال الله سبحانه وتعالى في نبي الله يوسف، ونبي الله موسى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (يوسف:22).

لو تقرأ ما قرأت طول عمرك، ورصَّات الكتب بين يديك مجلد بعد مجلد وأنت لا تحظى برعاية من الله سبحانه وتعالى أن يعلمك هو، أن يرشدك هو، أن يهديك, أن يفهمك فإن غاية ما تحصل عليه قليل من العلم وكثير من الجهل.

كم سمعنا عن أشخاص في تاريخ الإسلام، كم تركوا من تراث من الكتب؟ وكيف عرفت حياتهم حتى قيل عن بعضهم: أن كراريس علمه بلغت أكثر من أيام عمره، أكثر من شخص قيل فيه هذا، ولكن لو تستعرض ما تركه تجد أنه كان بحاجة ماسة, في حاجة ماسة إلى أن يهتدي بالقرآن الكريم، وأن يستأنف حياته من جديد مع القرآن الكريم.

إن كل خلل يحصل سببه نقص في معنى (لا إله إلا الله) في نفسك، فترى الركام الذي تركه هذا، والركام الذي تركه ذاك، وتلك العبارات المنمقة عند هذا، والعبارات المنمقة عند ذاك، تراها وكأنها هي الحكمة، وكأنها هي الهدى, وكأنها هي الصواب، وترى وكأن القرآن الكريم الذي عايشته وأنت صغير, وقرأته وأنت ما تزال طفلاً, ما يزال فهمك محدوداً, ما يزال إدراكك للمعاني ضعيفاً، تتعامل معه وكأنه هو ذلك الكتاب الذي عايشته في الصغر فتنطلق بعد هذا, وبعد ذاك, وبعد تلك العبارات المنمقة، وبعد تلك المجلدات الطويلة، وكأن هناك الهدي, وكأن هناك الحكمة, وكأن هناك العلم.

وفي الحقيقة ـ كما أسلفت ـ نحن نعرف أشخاصاً كابن تيمية مثلاً من العلماء الذين عُرفوا بغزارة العلم ـ بالمعنى المتعارف عليه ـ أي: كثرة المقروءات، والكتابة، والحديث هنا وهنا، في هذه المسألة وتلك المسألة، لكنه كان يفتقد إلى أسس، إلى أسس ينطلق منها، أسس يرشد إليها القرآن الكريم، لينطلق منها هو وغيره من أمثاله ممن يمكن أن تلمس لديهم عقائد باطلة، أقوال غريبة، وجهة نظر شاذة.

سبب ذلك كله هو أنه لم يحصل اعتماد ـ بالشكل المطلوب ـ على القرآن الكريم، وأنه لم يحصل اعتماد بالشكل المطلوب على القرآن الكريم، سببه تأثر بثقافة معينة, وضعف في تحقق معنى (لا إله إلا الله)؛ لأن مما أكد الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم وهو يؤكد ألوهيته أنه هو من له الحق أن يهدي عباده، وأنه هو من سيتولى هدايتهم، وعندما يتولى الله هدايتك فما أوسع هداية الله، إنه عالم الغيب والشهادة، إنه الذي يعلم السر في السموات والأرض، إنه العليم بذات الصدور.

فعندما يهديك هو يهديك للمعرفة الصحيحة الواسعة يهديك إلى أبواب من الهدى تفتح أمامك أبواباً, وأبواباً.

مهم جداً أن تترسخ لدينا معاني (لا إله إلا الله) والتي من أبرزها أن نمنح أنفسنا لله فنفتح قلوبنا لهديه، نَدَعُه هو الذي يهدينا؛ لأنه هو الذي قال: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} (الليل:12) يقول: هذا عليَّ، وهذا هو مسئوليتي، وهذا أنا سأتكفل به لمن فتح قلبه لي {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ}(آل عمران: من الآية73) {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} (النجم: من الآية23).

فنحن عندما ننطلق لنتعرف على إلهنا يجب أن نعتمد على القرآن الكريم، وأن نتوجه إلى الغوص في بحور معرفته.. معرفته الواسعة.عندما نأتي إلى كتب علم الكلام ونجدها تتحدث عن قضايا محدودة وبأسلوب محدود ومناقشات [طويلة عريضة] حول قضايا أفعال الإنسان هل هي منه أم هي من الله؟ حول قضايا من هذا النوع، سببها أن الجميع ابتعدوا عن القرآن الكريم فلم يكن لله في نفوسهم العظمة، العظمة التي تجعل كل مسلم ينـزه الله تلقائياً عن أن يقضي بالباطل، أو يقدر المعاصي، أو يريد الظلم، أو يريد القبائح، أو يخلقها أو يقدرها أو يسيَّر إليها.

القرآن الكريم تكفل بهذا تلقائياً.. بينما الغوص في خضم تلك القواعد تخرج منها وفي رأسك من الإشكاليات ما يجعلك تتأوه وتتأسف على ما فاتك من فطرتك السليمة، ومعرفتك البديهية التي كان بالإمكان لو بقيت سليمة، وقدمت أمام القرآن الكريم لكان ما يحصل من خلال القرآن الكريم هو ما ينسجم معها، ويخلق الطمأنينة، ويزكي النفس، ويطهر القلب، ويوسع المعرفة، ويخلق الخشية والعظمة والخوف والتقى والإيمان وغير ذلك من المعارف.

لذلك كان من المعروف أن المتكلمين هم من عرفوا بالخشونة حتى قال الإمام القاسم بن إبراهيم (صلوات الله عليه) ـ لا أدري حكاية عن غيره أو قالها عن نفسه ـ (أنه لم يُعْرَف أن متكلماً خشع) أي أحد من علماء الكلام أولئك الذين ينشغلون بتلك العبارات، والتي معظمها مصبوغة بمنطق الفلاسفة ومتأثرة بأساليب الفلاسفة من الإماميين وغيرهم، وتلحظ أن هناك تقبُّلاً للمعرفة من نافذة واحدة وبشكل محدود، معرفة الله تحت عنوان: هو تحصيل عقائد صحيحة فيما يتعلق بالأفعال بالذات والصفات ـ كما يقولون ـ فيما يتعلق بأفعال الله وأفعال العباد.

لكن القرآن الكريم يأتي للإنسان من كل الجهات وهو يعرفه بإلهه، وهو يرسخ في قلبه المعرفة، تلك المعرفة التي تخلق في نفسه خشيةً وخوفاً وثقة عظيمة بالله، وتوكلاً عليه, وحباً له، ورغبة في الحصول على رضاه.

لم يعرض المتكلمون مسألة النعم الكثيرة التي أسبغها الله على عباده كأسلوب من أساليب معرفته سبحانه وتعالى.

#سلسلة_معرفة_الله (2 – 15)

#دروس_من_هدي_القرآن_الكريم

معرفة_الله_نعم_الله_الدرس_الثاني #

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي

بتاريخ: 19/1/2002م

اليمن – صعدة

الله أكبر

الموت لأمريكا

الموت لإسرائيل

اللعنة على اليهود

النصر للإسلام