ظلت الحرب طوال التاريخ مصدرا للأسئلة الأخلاقية الخطيرة، وتكاد تتفق وجهات نظر المفكرين في الموقف من إدانة الحروب التي تقوم على أسس عدوانية وأطماع توسعية والدعوة إلى ضرورة مناهضتها ، فهي حروب ليست عادلة ولا أخلاق لمن يديرونها، فيما أكد القانون الدولي مشروعية الحرب وعدالتها للأمة إذا كانت للدفاع عن نفسها ضد المعتدي، وكانت بحسب الكاتب توماس مان “من أجل تحرير الأوطان وتطهيرها وتحقيق الآمال الكبيرة “.
عندما شاهدت طائرات التحالف العدواني على أرض الواقع وعلى شاشات التلفزة تستهدف منازل المدنيين اليمنيين وتدكها على رؤوسهم فتقتل الأطفال والنساء والشيوخ، وبلا وازع من ضمير أو نزعة من إنسانية تمارس القتل الجماعي العشوائي وتلقي بصواريخها وقنابلها على أسواقهم ومخيماتهم فتخلف ضحايا بالعشرات والمئات، أيقنت بأن هذا العدوان الذي تقوده السعودية على اليمن لن ينتصر مهما امتلك من العدة والعتاد، ومهما حشد حوله من الدول والمنظمات والجماعات الإرهابية، لأن جرائم الحرب التي اقترفها بحق اليمنيين المدنيين تشهد بتجرده من كل القيم الإنسانية والشرائع السماوية والقوانين الأرضية، فانهزم أخلاقيا ومن ينهزم على المستوى الأخلاقي لا بد أن ينهزم على المستوى العسكري ولو بعد حين أمام الشعب اليمني الذي ينطلق في مقاومته من عدالة قضيته ومشروعية حقه في صد العدوان عن وطنه، وإيمانه بأن قوى العدوان ليسوا إلا مجموعة من العصابات الإرهابية تشن حربا بالوكالة لصالح قوى الاستعمار العالمي لتحقيق مصالحها اللا مشروعة وأحلامها التوسعية ونزواتها المريضة في المنطقة.
ومنذ بداية الحرب قبل أكثر من تسعة أشهر دأب المعتدون على ممارسة الفهلوة الإعلامية بعد كل جريمة إرهابية يقترفونها، فهم لا يكتفون بنفي علاقة تحالف العدوان بالجريمة عبر آلتهم الإعلامية وناطقهم العسكري ، بل يتعمدون استضافة بعض المرتزقة من المسؤولين اليمنيين الهاربين في الرياض وتركيا والقاهرة وغيرها ؛ من باب وشهد شاهد من أهلها لتأكيد براءتهم من الجريمة وإلحاقها بالطرف الآخر المقاوم من الجيش واللجان الشعبية، ولتزيين ما تقومون به من عدوان في اليمن يستنفرون خطباءهم وكتابهم لإقناع جماهير شعوبهم وتضليلهم عن الحقائق، ثم يسعون أخيرا إلى إسكات المنظمات الحقوقية والمواقف الدولية بما يوزعونه من أموال ورشاوى.
ليس غريبا أن توظف هذه العصابات العدوانية الأقلام المأجورة لتحسين صورتها أمام مواطني شعوبها، لكنني لم أكن أتوقع أن يصل التزييف والتضليل إلى درجة أن يكتب أحد هذه الأقلام وهو الدكتور لطف الله بن ملا عبدالعظيم خوجة مقالا مطولا عن أخلاقيات الحرب في عاصفة الحزم في موقع صيد الفوائد يذكر فيه بأنه “منذ أمد ليس بالقريب، لم نسمع بحرب تعيد إلى الأذهان أخلاقيات الحرب في الإسلام عند المسلمين، مثلما رأينا وسمعنا في عاصفة الحزم….وكل من في اليمن، وكل المراقبين من خارج، حتى حقوق الإنسان، لم يضبطوا خرقا واحدا على عاصفة الحزم ، ولا على سبيل الخطأ…وأن المنظمات الحقوقية في العالم، لم تجد شيئا تدين به التحالف، بل وجدت شيئا عجبا؟!.فبعد بلوغ الطلعات الجوية عدد 2415 طلعة، وانهاك العدو الحوثي، إذ بالقيادة تعلن إيقاف العاصفة، وتغيير الشعار إلى “إعادة الأمل”، يتقدم ذلك أمر خادم الحرمين الملك سلمان – أعزه الله وأبقاه ذخرا للأمة – بتقديم مساعدات لليمن “.
إن ما تقوم به الأقلام والأصوات المبررة للعدوان من تزييف للوعي الجماهيري وتضليلهم عن حقيقة الجرائم العدوانية التي يمارسها التحالف العدواني بحق المدنيين في اليمن لا يختلف في شيء عن الدور الذي يقوم به أولئك الإرهابيون الذين يحتزون الرؤوس بسكاكينهم، فكلاهما مفسدون في الأرض يخدمون العدوان ويتحركون في خدمته ، أولئك يقتلون النفس ويمثلون بالأسرى وهؤلاء يقتلون الحقيقة ويزيفون الوعي.
على الجانب الآخر شاهدنا أخلاق الحرب تتجلى في سلوكيات الجيش واللجان الشعبية ولا سيما في معاملتهم لأسرى دول العدوان الذين ظهروا وهم يثنون على حسن المعاملة التي يحظون بها، فكان انتصارهم الأخلاقي إيذانا بانتصاراتهم العسكرية التي أذهلت العالم وهم يدكون مواقع العدوان السعودي ويخترقون تحصيناته ويحيلون أضخم آلياته العسكرية الحديثة دخانا يتصاعد إلى السماء، وأشلاء حطام متناثر على الأرض.