الجبن البلدي في وصاب: صمود في وجه الأجبان المصنعة
ذمار نيوز | خاص- إستطلاع: فؤاد الجنيد 29 رجب 1440هـ الموافق 5 ابريل 2019م
في أطراف مديرية وصاب السافل بمحافظة ذمار، أندثرت بعض المهن والصناعات الحرفية بعد الغزو الصناعي واستغناء الناس عن تلك الصناعات التقليدية وعزوفهم إلى المدن لإمتهان حرف أخرى تأمن حياتهم وتدر عليهم بالدخل الكافي والسهل لديمومة الحياة والعيش، لكن صناع الجبن البلدي لا يزالون صامدون في وجه الانفتاح الصناعي أمام البضائع المستوردة، ويواصلون مهنتهم الشاقة التي تتكلل بإنتاج أجود أنواع الجبن البلدي الذي ينشده كل اليمنيين على موائدهم رغم تلون المذاق وتعدد الأطباق.
وجبة مفضلة
لايزال الجبن البلدي الصناعة التقليدية الشهيرة التي يحرص اليمنيون على اقتنائها من الأسواق التي تبيع هذا المأكول الشعبي والمصنوع من حليب الأبقار والأغنام، حيث يفضلها غالبية اليمنيين لمكوناتها الطبيعية ولقيمتها الغذائية والصحية، بخلاف الجبن الصناعي المستورد، ومع ولوج فصل الصيف في اليمن فإن تجارة الجبن تزدهر وتكون ذات وفرة كبيرة لتوفر اللبن بكميات مناسبة والذي يعد مكونا رئيسيا في صناعة الجبن البلدي اليمني، ناهيك على أن أسعارها في فصل الصيف منخفضة مقارنة بفصل الشتاء والذي تبلغ فيه أسعار الجبن البلدي ذروتها لقلة الإنتاج كون الحيوانات التي تنتج اللبن المصنوع منه قطعة الجبن لا تحصل على الرعي الكافي في فصل الشتاء الذي تبلغ درجة البرد ذروتها.
المنشأ والمحاكاة
تعد محافظة تعز جنوب غرب اليمن من أبرز المدن اليمنية ذائعة الصيت في إنتاج الجبن البلدي ولاسيما في مناطق مقبنة وهجده والبرح المعقل الرئيسي للجبن العوشقي وهو أكثر أنواع الجبن مذاقا وشهرة، لكن بعض المناطق في مديرية وصاب شقت طريقها في مشوار إنتاج الجبن، حتى بات الجبن البلدي من أهم الهدايا التي يحملها المسافر من وصاب إلى المدن اليمنية الأخرى، كما أنه يصدر أحيانا إلى الدول الأخرى خاصة أن مدة صلاحية بعض الأنواع منه قد تمتد لمدة شهر وهو النوع الأكثر صلابة وتماسكا أو ما يعرف بـ “الجبن اليابس” كما أن النوع الأقل تماسكا وصلابة تمتد صلاحيته لثلاثة أيام على الأكثر وهو النوع الذي يعرف بــ “العوب” والذي يمتاز بلونه الأبيض نتيجة عدم تبخيره بالدخان كما في الأنواع الأخرى.
صناعة الجبن
يتم صناعة الجبن بطرق تقليدية حيث تتم عملية صناعته غالبا في المنازل بوضع لبن الأبقار أو الأغنام داخل إناء ذي شكل دائري، وتضاف له كمية قليلة جدا من مادة تسمى “اللفح” وهو اللبن المستخرج من معدة صغير الغنم الذي لا يتجاوز عمره نصف شهر، حيث تعد مادة اللفح أهم المواد في عملية صناعة الجبن. بعد ذلك تضاف لهذه المكونات قطع صغيرة من جبن جاهز ويتم خلط المزيج لمدة نصف ساعة فيبدأ المزيج بالتماسك والتحول إلى الحالة الصلبة، ويتم بعد ذلك نقله إلى وعاء آخر وتركه لمدة يوم كامل، وبعد ذلك يتم تبخير قطعة الجبن الجاهزة بجمر ودخان شجرة “الكباء” كما تستخدم في التدخين أخشاب عدد من الأشجار مثل المشمش والفرسك والرمان والبرقوق، وتدخين الجبن البلدي يساعد في تجلد سطحه ويحافظ على رطوبته، ويعقمه من الميكروبات ما يزيد من فترة صلاحيته كما يمنحه اللون والرائحة المميزة.
إقبال مستمر
ربما لا يخلو مطعم شعبي في مدينة ذمار من بائع السحاوق الذي يقف بخلاطته اليدوية أمام بوابة المطعم ليقدمه لزبائنه بالكميات المطلوبة. ويقدم الجبن البلدي على موائد الطعام حيث يؤكل مع الخبز، غير أن أهم استخداماته في صناعة “سحاوق الجبن” وهي وجبة شعبية يتناولها في الغالب العمال والطبقات الفقيرة كوجبة غداء رئيسي، ويتم اعدادها بهرس الجبن البلدي مع الطماطم والفلفل الحار والثوم والكمون والملح ويضاف له أحيانا النعناع والكبزرة والخوعة حسب الطلب، وتتفاوت أسعار الجبن البلدي حاليا بين 1000 إلى 5000ريال بالمتوسط للقطعة الواحدة، وقد انخفض سعره مقارنة بالأعوام السابقة بسبب قلة الطلب عليه نتيجة الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها البلاد، وضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين.
مسك الختام
تعد صناعة الجبن البلدي من أشهر الصناعات التقليدية اليمنية التي حافظت على طابعها التقليدي، وعلى صمودها في مواجهة الأجبان المصنعة خارجيا بالطرق الحديثة رغم تنوعها ورخص أسعارها مقارنة بالجبن البلدي الذي ظل اسمه مرتبطا بالقرى ومحافظا على رمزيته باعتباره أشهر منتجاتها التقليدية.