الثقافة القرآنية تحبط مخططات الأعداء وتتربع مستقبل الألفية الثالثة.
ذمار نيوز | خاص | تحليلات: فؤاد الجنيد 25 رجب 1440هـ الموافق 1 إبريل، 2019م
وأنت تطوف شوارع مدينة ذمار أو صنعاء وغيرها من المدن اليمنية راجلا أو على سيارتك، ترى اللوحات المجسمة والكبيرة شامخة طوال العام وهي تحمل صورة رجل اربعيني بلحية خفيفة ونظارة زجاجية ثاقبة، مذيلة بعبارة “الشهيد القائد”، عندها تعود بذاكرتك للوراء، تتذكر قبل أعوام قليلة كيف كان مجرد النطق بهذا الإسم جريمة تستدعي الملاحقة والإعتقال، وكيف أن اقتناء ورقة واحدة من دروسه تجعل حياتك على المحك بين تصفية أو اغتيال، عندها تؤمن يقينا أنه ما كان الله ليمكن لهذا الرجل لولا أن مشروعه هداية أمة وصناعة رجولة وهندسة نصر، وتنظر بأفق بصيرتك لترى كيف مد الله مشروعه، لا ليشمل نطاق جغرافيا الوطن فحسب، بل في امتداد إقليمي وعالمي، وستجده اليوم في كفة والعالم أجمع في كفة أخرى، ولم تزل كفته راجحة.
مشروع إنقاذ
مثل انطلاق المشروع القرآني على يد قائده المؤسس الشهيد حسين بدر الدين الحوثي سلام الله عليه، أحد أهم الاستجابات التفاعلية الكبرى للفكر السياسي الإسلامي المعاصر في اليمن بما قدمه على الصعيد النظري من قراءة للواقع الملبّد بمختلف المشاكل والمكبّل بالاستبداد والتخلف و بروز أزمة الهوية مع انسداد أفق المشروع الوطني في اليمن وفضاءه القومي العربي والاسلامي، والدولي وكانت الحركة كذلك تفاعلاً واعياً مع العصر ومتغيراته السلبية والإيجابية التي ألقت بثقلها السلبي على الإنسان اليمني العربي المسلم شعوراً متعاظماً بالظلم في الداخل، وأمام الزحف الاستعماري الغربي السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني والثقافي، وما تعانيه الأمة من تخلف علمي عن ركب التقدم الحضاري الذي يقود البشرية كل يوم إلى انجازات علمية جديدة على شتى الأصعدة.
نبتة حقيقية صحيحة
لم تكن حركة أنصار الله بثقافتها القرآنية نبتة في فراغ الواقع الثقافي والفكري اليمني والعربي المشهود له بالتجدد والحيوية الدينية الاجتهادية والثقافية والفكرية، فمن طبيعة ذلك الفكر الاسلامي المتجدد والمشبوه أن يعلن عن نفسه كلما اقتضت الضرورة والحاجة المجتمعية فنراه مقتحماً الواقع الراكد مثيراً للأسئلة و القضايا ومشخصاً لإشكالات واقعه محللاً ومفنداً ومعترضاً ومقترحاً الحلول والرؤى والمعالجات المناسبة، لكن مشروع الثقافة القرآنية أمرا مغايرا ومختلفا، فلقد كان الشهيد القائد يحمل هم الأمة والمسؤولية تجاهها وهي تستهدف في كل شيء، ويمتلك كل مواصفات المفكر الناقد المستشعر للمسؤولية الدينية والوطنية، والاجتهاد النابع من داخل ثقافة الأمة ومرجعيتها الدينية والفكرية، وعمق انتمائها الثقافي المتطلع ليس إلى إعادة انتاج الماضي وليس إلى القطيعة مع الحاضر أو التنكر للعصر وحقائقه التي يجب أن تضاعف الحركة والسير نحو المستقبل؛ بل إنه تحرك من أجل قضية عادلة صحيحة ليستنهض الأمة التي ينتمي إليها باعتباره فرداً منها يشعر بالمسؤولية الدينية والوطنية تجاهها، في زمن عصيب ومرحلة صعبة.
وضوح المنطلقات
في مطلع الألفية الثالثة بلور الشهيد مشروعه النهضوي القرآني بعد تجربة ثرية وخصبة في العمل السياسي والبرلماني والتربوي والمجتمعي، ومن خلال خلفية معرفية دينية وعلمية وأكاديمية مرموقة، وبعد تأملات عميقة في واقع المجتمع اليمني والأمة جمعاء، وطول تأمل واستقراء لواقع الوطن والأمة، ومن خلال عملية بحث ومثابرة عن سبل الخروج من هيمنة الواقع المحبط الذي يدعو المخلصين وحملة الفكر الرسالي وأصحاب الضمير الإنساني اليقظ إلى المبادرة، في تلك الأثناء المفعمة بالصعاب والتحديات والمخاطر قدم السيد مشروعه القرآني في صورة محاضرات متتالية للفترة من 2002م وحتى2004م وهي عبارة عن قراءة ثورية – إذا جاز التعبير – لنصوص من القرآن الكريم تعيد الاعتبار إلى أهمية دور القرآن الكريم المركزي في الواقع كمنهج رباني للهداية والسعادة والتقدم، وتشريع متكامل للحياة بمختلف جوانبها، ومنظومة للأخلاق والتربية الاجتماعية والنفسية ودليل عمل وحركة في الحياة والعلاقات يشخص مكامن القوة والفاعلية والنجاح، ويشخص مواطن الضعف والأدواء والعلل التي اعترت المجتمع والأمة وجعلتها أسيرة التخلف والاستبداد والفقر والتردي الفكري والثقافي، مستباحة وضعيفة أمام أعدائها مبيناً سبل المعالجة القرآنية لتلك المشكلات والخروج من حالة الضعف والوهن والتبعية والهزيمة والتخلف الشامل.
إحباط مخططات الأعداء
على ضوء الهدي القرآني استقرأ الشهيد القائد إشكالات الواقع المعاش في أطره المحلية والوطنية والإنسانية والإقليمية، مقدماً ملامح النظرية القرآنية للمعالجة وسبر جوانب الخلل التي اعترت الواقع الفردي والجمعي للأمة، مبيناً سبل الخروج من المأزق المعاش، باعتبار القرآن الكريم كتاب هداية شامل للحياة ومنهجاً للتفكير والحركة والموقف مضمون النتائج إذا ما تمت ترجمته في الواقع العملي إلى مصاديق ومواقف وسلوكيات ناظمة للحياة الخاصة والعامة.
القرآن جوهر المشروع
يرى المشروع القرآني أنّ الأمة الإسلامية مخاطبة من الله بالقرآن ومتعبدة بالإيمان الكامل بما جاء فيه ومكلفة باتباع منهجه وهديه وتعاليمه وهدي الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وآله، مؤكداً على أن كل معاناتها واحباطاتها أو هزيمتها في واقعها الداخلي أو الخارجي أمام الأعداء إنما هو نتيجة لابتعادها عن القرآن الكريم وعن النبي ومن يهتدون بهديه، وهي كذلك عرضة للحساب الأخروي جراء ذلك الاعراض عن النهج الإلهي والتفريط، مدللاً على ذلك بآيات القرآن وبأمثلة من الواقع وبإشارات مستقبلية عن مآلات بعض القضايا ثبت صحتها، كما تطرق الشهيد القائد في ثنايا مشروعه القرآني بشيءٍ من النقد والتحليل إلى خطأ انصراف الأمة إلى الأخذ بنظريات وثقافات أخرى غير إسلامية ثبت فشلها في الواقع وكانت سبباً إضافياً في ما تعيشه من جهل وشقاء وضياع وتبعية وهزيمة حضارية شاملة.
ثقافات مغلوطة
في مشروعه القرآني سعى الشهيد القائد إلى إثبات أصالة النظرية القرآنية في فهم الواقع وتغييره والانطلاق نحو مستقبل منشود وتفكيك منظومات التفكير السائد وإعادة بناء أنساق معرفية وعلمية تتماشى والنظرية القرآنية لبناء الحياة الكريمة حياة العزة والحرية والسمو الروحي والاستقلال. وانسجاماً مع منهجه سعى في ثنايا مشروعه القرآني إلى إعادة تصحيح المفاهيم حول بعض المفاهيم الفكرية وبعض مسلمات التراث الفقهية والكلامية التي اعتبرها المشروع القرآني عائقاً أمام فاعلية المفاهيم القرآنية، وسعى إلى تسمية الأشياء بمسمياتها القرآنية ودونما مواربة وبمنهجية علمية فيها من الصرامة والدقة والصدق مع الذات ومع الآخرين ما جعل الشهيد القائد والمؤسس مستشعراً الخطر المحدق بالمجتمع والأمة ومستقبلها إذا ما ظل الواقع على ما هو عليه من سوء، مؤكداً على أهمية إعادة بناء الشخصية الإسلامية للفرد والجماعة وربطها نفسياً وفكرياً وسلوكياً بالنظرة القرآنية ومحدداتها بدءاً من وجوب معرفة الله حق المعرفة وانتهاءً بالموقف السياسي العام من مختلف التحديات القائمة في واقع المجتمع والشعب والأمة، بما في ذلك دعوته الصريحة والأساسية للفرد والمجتمع والدولة إلى إسقاط نظرية الخوف من غير الله نهائياً، وصولاً إلى تصحيح العلاقة المختلة والاستلابية اليوم مع الآخر – اليهود والنصارى بالمفهوم القرآني وأمريكا والكيان الصهيوني بالمفهوم السياسي المتداول – الذي يمارس الاستلاب والاستضعاف والظلم بحق أمتنا وقضاياها السياسية والاقتصادية والثقافية، ويتجلى ذلك جلياً وواضحاً في التدخلات العسكرية والأمنية والسياسية في شؤوننا الوطنية وفي دعم الكيان الصهيوني التوسعي العدواني في فلسطين أو غزو العراق وأفغانستان.
تربع مستقبل الألفية
أنطلق المشروع القرآني في رؤيته ومشروعه الاستنهاضي من القرآن كمنطلق ومنهج لتشخيص ونقد عثرات الماضي والواقع المعاصر للأمة و سلبياته وأخطائه وانحرافاته وشواهده وقضاياه من منطلق النظرة الثاقبة، إيماناً منها بمبدأ التحرر والاستقلال والنهوض الحضاري الوطني والقومي والاسلامي الذي يستحيل أن يتحقق من خلال التبعية واستجلاب الأنماط الثقافية النظرية الجاهزية، وهذا ما تؤكده التجارب العربية الفاشلة في النهضة، بهذا المعنى فإن المشروع لا يدعو إلى القطيعة والعداء مع الشعوب الغربية بل يدعو إلى استقلال الارادة والقرار الوطني كسبيل لصنع النهضة واستبدال التبعية بالعلاقات المتكافئة وتبادل المنافع بين الشعوب ورفض العدوان والظلم بكل أشكاله وصوره. وكان الشهيد القائد مؤسس المشروع القرآني معتزاً بانتمائه اليمني والعربي والاسلامي ويرى بأن ثمة مسؤولية على اليمنيين والعرب في تقديم الإسلام وهديه للبشرية وانقاذها من الشقاء والضياع، ولقد رأى من خلال القرآن الكريم ما هو خليق بخير أمة أخرجت للناس من عزة وكرامة ومكانة، ومن دور يجب عليها القيام به إذا ما استعادت القرآن في واقعها منهجاً ومواقف، وبهذا الفهم لم يكن يمارس الدور البكائي على أطلال أمة كانت، بل يمارس دور المحرض الإيجابي على تأكيد أصالة انتماء الأمة إلى دينها وقرآنها وهويتها الحضارية وتجسيد ذلك في واقع الممارسة والسلوك الفردي والجمعي كمبادرة إلى ممارسة الدور الحضاري الوطني والقومي الإنساني المسؤول في هذه الحياة وفقاً لإرادة الله ومشيئته سبحانه في الاستخلاف بشروطه القرآنية المعروفة.
اليوم أصبح المشروع القرآني ملهما للصوت المقاوم في أنحاء العالم، وصار الشعار ذلك السلاح البتار والموقف المسؤول يجلجل بكل اللغات في زوايا هذا الكوكب المستدير.