الخبر وما وراء الخبر

السكرتير الخاص للرئيس الشهيد يروي في حديث خاص لــ” الشعب” : الرئيس الصماد من ميلاد “المجلس السياسي الأعلى” إلى الاستشهاد

178

ذمار نيوز | الشعب 25 رجب 1440هـ الموافق 1 إبريل، 2019م

الشهيد الرئيس صالح علي الصماد- سلام الله عليه ورضوانه-   شخصية كارزمية احتوت كل خصال ومعاني الإنسانية، والوطنية، والحوار، والتسامح، والسلام، والشجاعة، والإباء، والعزة، والتواضع والأخلاق، والجهاد، والعلم، والصمود، وغير ذلك من الصفات العظيمة، التي يندر أن تجدها في شخص آخر، فقد كان – سلام الله عليه- رجلا قرآنيا واعيا؛ يتحرك بحركة القرآن، مدركا لأبعاده وتوجيهاته، ومجاهدا ضرغاما، وسياسيا محنكا، وكان رجل المستقبل، ورجل الدولة الواعي والباني بمعنى الكلمة، يقف من الجميع على مسافة واحدة، ويمثل شوكة الميزان بين جميع الأحزاب و القوى السياسية المناهضة للعدوان، وخلال فترة قصيرة حاز على كسب ود اليمنيين؛ ورأوا فيه مشروع المستقبل لبناء يمن العزة والكرامة… يمن جديد مستقل القرار والسيادة، والاستقرار، والتقدم والازدهار.

الشعب ألتقت الأستاذ المجاهد / أحمد الرزاحي, السكرتير الخاص للشهيد الرئيس, في حوار تجلى فيه بعض جوانب الشهيد الرئيس صالح علي الصماد على المستويين الشخصي والرسمي, ومواقفه, وبرنامجه اليومي الجهادي, ونظرته لكرسي الرئاسة, وتعاملاته الانسانية  مع من حوله, وكثير من الأمور التي نطرحها بين أيديكم في سياق الحوار الآتي, فإلى التفاصيل:

حاوره / أمين النهمي   

س/ بصفتك السكرتير الخاص للشهيد الرئيس صالح الصماد؛ متى كان ارتباطك الشخصي بالرئيس ؟

في عصر يوم 14 أغسطس 2016م تم التواصل معنا من قِبلِ مراسيم الرئاسة وأشعرونا بأن غداً (الخامس عشر من أغسطس) مراسم تسليم السلطة من “اللجنة الثورية العليا” إلى “المجلس السياسي الأعلى” وأنه لابدّ أن نحضر حسب البروتوكولات المعمول بها، وتم إبلاغ طاقم العمل جميعاً، وحضرنا كبقية الضيوف إلا أنّ مراسيم الرئاسة كانوا قد أعدّوا لنا مكاناً في الصفوف الأولى حسب البروتوكول المتعارف عليه في تعاليم المراسيم الرئاسية.

وفي 15/ أغسطس /2016م شهد “القصر الجمهوري” ذلك اليوم فعالية استلام “المجلس السياسي الأعلى” برئاسة “الرئيس صالح الصماد” السلطة من “رئيس اللجنة الثورية العليا” محمد علي الحوثي، في حضور عدد من كبار المسؤولين في الدولة والقيادات السياسية والمدنية والاجتماعية، وفي الفعالية التي حضرها عدد من كبار المسؤولين من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، ألقى “الرئيس صالح الصماد” خطاباً أشاد فيه بالدور العظيم الذي قام به “رئيس اللجنة الثورية  العليا” وأعضاء اللجان الثورية في كافة المؤسسات والمرافق الحكومية من المحافظة على بقاء مؤسسات الدولة، وإدارة شؤون البلاد خلال الفترة الماضية، والتي تُعد من أصعب المراحل التي مر بها الشعب اليمني …. بعد ذلك صعَدَ الرئيس صالح الصماد والنائب “قاسم لبوزة” إلى المنصّة لاستلام “العلم الجمهوري” من رئيس اللجنة الثورية العليا، وانتهت الفعالية ، وبعد  الانتهاء من الفعالية عقد المجلس السياسي الأعلى اجتماعاً برئاسة الأخ صالح علي الصماد رئيس المجلس لمناقشة مشروعي قراري المجلس السياسي الأعلى بشأن تحديد اختصاصاته ومهامه ولائحته الداخلية، وبقي الجميع لتناول وجبة الغداء.

أمّا نحنُ فكان لا يروق لنا الأكل في القصر، وعزمنا على المغادرة بعد انتهاء الفعالية، وعندما وصلنا عند البوابة الجنوبية للقصر الجمهوري مغادرين، تلقّيتُ اتصالاً من الرئيس صالح الصماد بأنه في انتظاري في (فلة 7).

عُدتُّ من بوابة المغادرة، وأثناء مروري في ساحة “القصر الجمهوري” إلى (فلة 7) حيثُ الرئيس الصماد كان في انتظاري، كانت تدور في مخيلتي تساؤلات كثيرة، وأقولُ في نفسي: ربّما الرئيس الصماد يريد أن يوجّهني بدوري التسليم بيني وبين السكرتير الخاص الجديد الذي سوف يعينه، وتارةً أقول: ربما هناك بعض الأغراض المتعلقة باللجنة الثورية العليا موجودة في (فلة 7) التي تُعد فلة الرئيس، يريد أن أستلمها، وصلتُ إلى الفلة والرئيس الصماد في انتظاري هو واثنين من مرافقيه في الصالة التي يستقبل الرئيس ضيوفه الرسميين فيها، ولم يكن الرئيس الصماد آنذاك جالساً على الكرسي المخصص للرئيس في صدر الصالة، وإنّما على كرسيٍ جانبيٍ حيث يجلس الزائر، خرج المرافقون وبقيتُ بمفردي، وقال لي: هل عرفت لماذا استدعيتك بهذه السرعة، كأول شخص من بعد استلامي السلطة بدقائق؟

قلتُ له: يدور في رأسي الكثير، وأحبِّذ أن أسمع منكَ، فكان جواب الرئيس “سلام الله عليه”:  لقد اخترتُك أن تكون السكرتير الخاص لي.

لقد قال الرئيس : أنا بحاجة أن تكون بجانبي فلديكم خبرة في هذا المجال وسبق وإن كنت السكرتير الخاص في اللجنة الثورية العليا  ولن تطول مرحلة رئاستي للمجلس فكل أربعة أشهر سوف يتم اختيار رئيس جديد وأريد منك أن ترفع خطة العمل وهذا رقم خاص بك للتواصل فيما بيننا وسيكون بيننا خط ساخن  وأنا واثق فيك “وقد أنت أحلى نظر”  وعليك بتشكيل الفريق المساعد لك  وسوف  أكون في انتظارك بعد صلاة المغرب والعشاء  للتعرف على أماكن عملنا وتعرف منزلي الخاص لتأتي الى عندي أي وقت تريد ، وكأنه يريد يكشف لي عن برنامج تعامله معي بتلك الكلمات القليلة الممتلئة بالمعاني الكبيرة والكثيرة في منحنا ثقته .

لم يترك لي مساحة للحديث حول انطباعي وأسالتي حول قراره بتعييني سكرتيرا خاصاً له فقد أجاب اثناء حديثه معي عن الأسئلة والمحاذير التي كانت في تجول في نفسي.

دعوت اثنين من المساعدين لي في عمل السكرتارية الخاصة  كانوا في انتظاري في الاستراحة المجاورة لصالة الاجتماع وعرفته عليهم وما هو الدور الذي كانوا يقوموا به اثناء عملنا في اللجنة الثورية العليا وماذا سيفعلون ايضاً في العمل الحالي الذي تم تكليفي به وقال الرئيس  : على بركة الله ودعا لنا بالتوفيق والسداد في عملنا ، واستأذنا من الرئيس  للمغادرة وخرجنا من القصر الجمهوري ونحن نحمل على اعتاقنا حمل جديد لابد أن نكون بحجم تلك المسؤولية الملقاة علينا ، وأن نكون بحجم الثقة التي منحنا إياها الرئيس صالح الصماد، أبلغت فريق العمل أن نلتقي الساعة الثانية بعد الظهر لأطلعهم على ما جرى ونتناقش في وضع الخطة أو تطوير خطتنا السابقة لما يتناسب مع عمل الشراكة وتوزيع المهام فيما بيننا ولم التقي بالرئيس في المساء إلا وخطة العمل معي تم مناقشتها مع بعض وكان يتفاجأ بأننا سنقدم كل الاعمال التي ذكرنا له في الخطة وكنت أستشهد له ببعض المرفقات من أعمالنا السابقة في اللجنة الثورية العليا ، قال لقد تفاجأتُ بتلك السرعة في اعداد الخطة ، أجبتهُ كانت هي خطتنا اثناء عملنا في الثورية العليا  ولم نأتي بجديد وهذا هو المعمول به في عمل السكرتارية الخاصة لرئيس الجمهورية وإنما طورنا المهام المنوطة بنا وتعاطينا مع المتغيرات التي حصلت بالشراكة مع حزب المؤتمر الشعبي العام ، فقال الرئيس لولا خوفي من آثار المديح والاطراء عليكم لمدحتكم كثيراً وتم إقرار الخطة وتم العمل بها مع إضافة بعض التحديثات المهمة كل ما اقتضت الحاجة اليه خلال مرحلة العمل حتى ارتقى الى ربه شهيداً، وعشنا  اثناء العمل مع الصماد أسعد أيام حياتنا ولم تكن سعادتنا نتيجة أي محفز مادي أو لقلة أعمالنا بل العكس كانت أعمالنا كثيرة نعمل الليل مع النهار من  خلال فريق يتناوب في مكاتب العمل الصباحية والمسائية  لاستقبال معاملات الناس وطلباتهم ومراسلات أجهزة الدولة  واعداد البريد اليومي  وتقديم الإفادات والعروض والملخصات للرئيس وفريق يرتب لاجتماعات ولقاءات الرئيس وتنظيم الاتصالات وعمليات لمدى 24ساعة ومواكبة كل الأعمال والتوجيهات الصادرة من الرئيس .

س/ هل لك أن تعطينا صورة واضحة عن الجانب الشخصي الرئيس الشهيد؟.

الجانب الشخصي والإنساني للرئيس, احتوى كل الخصال الكريمة: تواضعه، أخلاقه العالية، تدينه، قوة إيمانه، موقفه القوي والثابت من العدُو، روحه المرحة والودودة، تعامله الراقي وتسامحه مع الآخرين، سعيَه إلى المصالحة ووقف نزيف الدم الداخلي، بحثه عن السلام الدائم والمشرف.

لا يقترب الملل منه، ولا يسمح لليأس أن يصل إلى قلبه وإن قلّ الناصر، كان يسعى لحقٍ، والساعي لحقٍ له بين المحقين أعواناً وأنصاراً. في حياته الكثير من الدروسٌ والعبر … لا حاجة لنا بتاريخ “غاندي” أو “جيفارا” أو “فلاسفة اليونان” أو “حكماء الرومان” فلهم واقعٌ غير واقعنا.فحياته مملوءة بالجد والجهاد والعمل -بدون ملل- والحكمة والسياسة والشرف الحقيقي.

س/ وكيف تعامل مع المنصب كرئيس للمجلس السياسي الأعلى؟

أبدى منذ البداية حرصه على التداول السلمي للسلطة، لم يتشبث الشهيد بالكرسي… وفي أكثر من مناسبة عرض استقالته، وأبدى استعداده لترك موقعه ليفسح المجال للآخرين، وحرصه على التشاور في الأمر، وأخذ رأي المتخصصين كلٌّ في مجالِ اهتمامه واختصاصه، وعمله الدائم على حلّ الإشكاليات والعقبات في إطار العمل الرسمي، وبذله للجهود الحثيثة للتقريب بين وجهات النظر بين القوى والأحزاب السياسية لاسيّما بين “أنصار الله” و “حزب المؤتمر الشعبي العام”، وأيضاً الجهود الكبيرة في عملية التحشيد ورفد الجبهات على المستويين الشعبي والقبلي، وكيف أدار أحداث ديسمبر، وحكمته في خروج البلد منها بأقل الخسائر، ولملمة الجراح وتجاوز محنتها من خلال المعالجات العادلة؟

  س/ حدثنا عن مناقب الرئيس الشهيد في الإطار الرسمي؟

أظهر حرصه على العمل المؤسسي والعمل من داخل مؤسسات الدولة وتفعيل دورها، واحترام سيادة النظام والقانون، ومحاربة الفساد، وإيمان الرئيس الصادق بتفعيل المؤسسات الرسمية وأنها الحامل الوحيد لمشروع البناء والتحديث، والذي كان المنطلق لشعاره “يد تحمي ويد تبني”…، وورعه، وزهده، وعدم تلطخ يديه بشبهات الفساد.

ولقد ذهبت الأيام، وما عاد ينفع الملام، واستشهد الرئيس الصماد، واكفهرّ وجه الحياة من حولنا، ورزينا بأعظم رزية في غياب مثال السماحة والشجاعة والصدق والطيبة والأخلاق الحميدة، فالماضي لا يعود، والحاضر الدامي لا يبقى، والمستقبل تقرِّره الأمة على هدى من الله وبصيرة.

س/ أذكر لنا بعض المواقف التي عايشتها كسكرتير خاص برفقة الرئيس صالح الصماد؟

عندما بدأ الرئيس صالح الصماد رئيس المجلس السياسي الأعلى بممارسة أعماله كرئيس للدولة  من متابعة قضايا الدولة وادارته وتفقد الأوضاع والعمل على مواجهة العدوان بكل ما أوتي من قوة من موقعه كرئيس للدولة فتارة يجتمع بقيادات الدولة وتارة ينزل الى المحافظات لتفقد أوضاعها ويواكب كل المتغيرات من بعث برقيات لرؤساء الدول من تهاني بمناسبة الأعياد الوطنية باستثناء الدول الرئيسية المشاركة في العدوان وتقديم التعازي وواجب العزاء لكل فقيد يفتقده الوطن  وللشهداء الذين يرتقون الى الله دفاعاً عن تربة هذا الوطن من الغزاة والمحتلين.

ففي 16 / أغسطس /2016م قام بزيارة الى القصر الجمهوري لتفقد المرافق العمل يتفقد كافة المباني مروراً الى التحويلة وبوابات الحراسة ويتفقد الجميع ويسمع منهم ويقدم الحلول لمشاكلهم ويوجه بتوفير احتياجاتهم ، يتجول بمرافق او مرافقين يدنوا من الناس ويقترب منهم، كان يثق بالجميع ويأمن جانبهم .

وفي17/أغسطس/2016ترأس الأخ صالح الصماد رئيس المجلس السياسي الأعلى اجتماعا للجنة العليا للفعاليات الجماهيرية التي تم تشكيلها من أنصار الله ومن حزب المؤتمر والتي كانت برئاسة الشيخ حسين حازب  وكان الترتيب لفعالية الاحتفاء والمباركة بتشكيل المجلس السياسي الأعلى .

جرى خلال اللقاء مناقشة ما تقوم بها اللجنة من أعمال واستعدادات للفعالية الجماهيرية المزمع إقامتها يوم السبت المقبل بالعاصمة صنعاء وجوانب التنسيق والترتيبات الكفيلة بسلامة الفعالية وضمان انسيابية حركة السير وعدم تأثرها بالحشود المتوقعة.

ووجه رئيس المجلس السياسي الأعلى الجهات الأمنية والخدمية والأجهزة ذات العلاقة بتنفيذ خطة عمل مشتركة مع لجنة الفعاليات لضمان نجاح الفعالية وتأمينها وتأمين المشاركين فيها والعمل على تنفيذ برنامج مرور يحل أي إشكاليات وضغط تتعرض له الطرق وحالة السير وتقديم الخدمات العامة.

وكان الرئيس الصماد حريص كل الحرص على إنجاح هذه الفعالية وأن تكون بالزخم المطلوب لكونها أول فعالية مشتركة لقيادة المكونين والتي سيكون لها انعكاس على مستوى العلاقات على مستوى الداخل وايصال رسائل للخارج بأن الشرعية الحقيقية تكمن هنا في صنعاء حيثُ الشعب يلتفوا حول القيادة السياسية .

وفي 20/ أغسطس / 2016م  شهدت العاصمة صنعاء أكبر مسيرة جماهيرية ملايينية في تاريخ اليمن والمنطقة تأييدا ودعما ومباركة للمجلس السياسي الأعلى والاتفاق السياسي بين القوى الوطنية.

والقى الرئيس الصماد  خطاباً أما تلك الحشود الجماهيرية كان فيه الكثير من الرسائل للداخل والخارج وقال: لانمتلك عصا سحرية ولا مستحيل امامنا ، وأنه سيتم خلال الأيام القادمة إعلان الحكومة لتوحد كل الجهود للوصول إلى وضع مستقر إذا أمكن والوصول إلى إجراء انتخابات عامة .. داعيا الأخوة رئيس وأعضاء مجلس النواب إلى معاودة جلسات البرلمان للمشاركة في مواجهة هذه التحديات.

فموضوع الحكومة كان هاجس كل اليمنيين منذ غادر هادي هارباً وحكومة بحاح قدمت استقالتها وكان هذا أول نداء للجماهير ليطمئنهم حول تشكيل الحكومة  وكأن الرئيس رحمة الله عليه كان يُدرك كم سيعاني خلال الأيام القادمة من محاولات لتشكيل حكومة الإنقاذ الوطني.

وكان مسألة الوفد الوطني للمشاورات مطروح على الطاولة منذُ تشكيل المجلس السياسي الأعلى ولذلك وجه لهم الرئيس رسالة في خطابه قائلاً : ” ومن هذا المنبر وباسم هذه الحشود نطلب وفدنا الوطني بسرعة العودة إلى البلاد وعدم الجلوس مع ولد الشيخ قبل العودة إلى البلاد والتشاور مع المجلس السياسي الأعلى فيما يجب أن يفعله”.

وموضحاً برنامج حكمه في العلاقات الخارجية وقال “كما نؤكد أننا سنمد أيدينا لكل دول العالم باستثناء الكيان الصهيوني بإقامة علاقات مبنية على الاحترام والمصالح المشتركة بل سنذلل كل الصعوبات ونقدم كل التسهيلات لكل من يبادر إلى مد جسور العلاقة مع اليمن وستكون لهم الأولوية في تبادل المنافع والمصالح المشتركة”.

وفي المساء  من ذلك اليوم أصدر الرئيس قرار بتشكيل لجنة عسكرية وأمنية فنحن في مرحلة حرب ولابد من سرعة ترتيب الصفوف وتوحيدها وتنظيمها لمواجهة العدوان ,  وبدء الرئيس من صباح 21 أغسطس  بالاجتماع الأول للجنة العسكرية والأمنية التي شكلها ولفت إلى أن العمل الجاري لتشكيل الحكومة والوضع الراهن والتحديات بالغة القوة المفروضة على اليمن تطلبت التعزيز بتشكيل اللجنة للقيام بالأعمال العسكرية والأمنية وتكامل الجهود والإمكانات وزيادة كفاءة الأداء المؤسسي والبناء على ما تحقق من إنجازات في مواجهة العدوان والتحالف العالمي ضد اليمن.

س/ ماذا كان البرنامج اليومي للشهيد الرئيس ؟ أو كيف كان يقضي يومه؟

كنا في أعمالنا السابقة نلتزم ببرنامج عمل مرنٍ، لكن كان “أبا الفضل” يلتزم نظاماً صارماً في اليقظة وليس في النوم؛ مما جعلنا ننظم برنامج العمل على إيقاعه الذي يرغبه، فنضبط الساعات الزمنية على تحركاته وكأنه يمشي وعقارب الساعة، فهو لا يحيد عنها قيد أنملة.

فهو في الثلث الأخير من الليل عندما يرخي الليل سدوله، وتغور نجومه يكون في مُصلاّه يصلي ويذكر الله ويتدارس القران هو ورفاقه حتى مطلع الشمس، كان قليلا من الليل ما يهجع، وبالأسحار يستغفر ويذكر الله ويعظِّمُه ويسبِّحه.

وعندما كانت الشمس ترسل أشعّتها لتخترق الشبابيك، كان ينام نوماً خفيفاً ولا يهتم بموعد الإفطار، فيستيقظ ويتناول فطوره – فطور الزاهدين الذين قلوبهم متعلقةً بالملكوت الأعلى- ثم ينصرف إلى أوراده وأدعيته، وكان هو ورفاقه يكثرون من التسبيح والاستغفار، ثم يرتدي ملابسه ليذهب إلى مقر عمله، يستقبل الزوار من قيادة الدولة ومن غيرهم ممن يطلب اللقاء به، ويفصل في القضايا، ويقدِّم الحلول العاجلة والسريعة، ويجبر الخاطر، ويُبلسم الجروح، يبتسم لهذا ويُقبل ذاك فوق رأسه، لا يكل ولا يمل ولا يستفزه أحد، يمتص الغضب بأخلاقه السامية وابتساماته الصادقة، ويٌلقي حكمه ونصائحه كالدُّرر تترك في نفوس المتلقين أثراً ينعكس على تعاملاتهم, هذا جزء من برنامجه الصباحي باختصار شديد، وهناك فترات أخرى وبرامج للعمل، فكان يعمل الليل مع النهار.

س/ مواقف أخرى تتذكرها لفخامة الشهيد الرئيس؟

أذكر في يومٍ من الأيام، كان الرئيس مريضاً وأصبح طريح الفراش لم يستطع النهوض على قدميه فأرسلنا له رسالة بأنّ ثلاثة أشخاص يريدون اللقاء به للضرورة العاجلة، وأننا قد اعتذرنا لهم وأبلغناهم بأن الرئيس مريض وسيقابلهم بعد تعافيه من مرضه، وكُنا نعتقد بأنه سيقول لنا: أحسنتم على هذا التصرف، فكان جوابه علينا: اتصلوا عليهم وأبلغوهم بأنني مستعد لمقابلتهم الآن، وعليكم أن تأتوا بهم إلى منزلي، وقال : “عيبٌ يا رجال بحق السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي -حفظه الله- إذا ما لقيتهم با يضطروا يسافروا إلى السيد ليلقاهم، وهذا ما يجوز من ربي ينشغل السيد بمواضيع هكذا ونحن موجودون” ، وكعادة الرئيس -رضوان الله عليه- عندما يخالفنا الرأي في أي موضوع يُلقي كل الحجج والأدلة التي عنده وكأنه يريد يجبر خاطرنا ويوضح لنا ما غاب عن إدراكنا.

وقال: ” بأن السيد عبدالملك سيعاني من غربة أشد من غربة الامام على -عليه السلام- ولم يبقَ إلاّ أنْ يقول السيد كما قال الامام علي: “لقد ملأتم قلبي قيحاً، وشحنتم صدري غيظا” هذا إذا لم نقم بواجبنا ومسؤوليتنا تجاه الناس، ونكون عوناً وسنداً له ليتفرغ للقضايا الكبرى”.

ولم أذكر ما إذا كانت كلمات الرئيس الشهيد قد أحاطت بهذه المعاني الجليلة، لكن إيحاءها قد نقلنا إلى رؤى وعوالم جديدة، وأخذ بشغاف قلوبنا وخيم على تفكيرنا؛ ليرسم معالم ومسارات جديدة لم نكُن نُدركها بهذا الشكل والمضمون.

كلّما أتذكر المواقف من حياة الرئيس تزداد مرارتي ويكون لسان الحال يقول: “وفي الليلة الظلماء يفتقدُ البدر”.

كان الرئيس الشهيد الصماد رجل حزمٍ وعزمٍ وتدبيرٍ، لا يتسرع في إلقاء الأحكام، ويحمل الناس على السلامة، وكان يُذكرنا بما قال الامام علي “عليه السلام” لولده الحسن:

” دع القول فيما لا تعرف، والخطاب فيما لم تُكلف، وأمسك عن طريق إذا خفت ضلالته فإن الكفَ عند حيرة الضَلال خيرٌ من ركوب الأهوال”.

فكان -رحمة الله عليه- يتمهّل ليتبين في أي أمرٍ يصلُ إليه، ولي ذكريات أخرى سأرويها في مكانٍ آخر -إن شاء الله- إذا قدرت لي الحياة، وسأذكر في هذا المقام شاهداً على فنِّ وحُسنِ تعامله.

ففي يومٍ من أيام حُكمه التقى بشخصين من قيادات الدولة، ومن ضمن ما تم عرضه على الرئيس “صالح الصماد” آنذاك، بأنهم أوقفوا أحد الموظفين عن عمله وأعطوا تكليفاً لشخصٍ ثان؛ نتيجة ارتكابه بعض الأخطاء الشخصية، والأخطاء العملية أهمها: عدم الالتزام بالتسلسل الوظيفي، وضعفٌ في الأداء الإداري، وأن تعامله مع الإدارات التي تحت إدارته غير جيد، وقد كثُر شاكوه وقلّ شاكروه، فقطع الرئيس حديثهم -وكان يبدوا على محيّاه الزّعل- وتحوّل إلى محققٍ يُلقي عليهم الأسئلة الكثيرة حول توقيف ذلك الشخص، ولماذا تسرّعوا بهذا الشكل حتى تأكد له صحة أقوالهم؟ ثم طلب الرئيس منهم ألاّ يشعروا ذلك الشخص الذي تم توقيفه بأن الرئيس قد اطلع على أمره.

وقال الرئيس حينها: لابدّ أن نعملَ لهُ برنامج استعادة، ونعمل على إصلاحه، وننصحهُ حتى لا ينزلق ويضيع فالله رحيمٌ بعباده، التغيير لا يكون حلاً إن لم يكن مربوطاً ببرنامج الإصلاح، وبعد مغادرة الشخصين من عند الرئيس، طلب الرئيس حضور ذلك الشخص الموقف عن عمله.

ولم تمضِ إلا دقائق معدودة وذلك الشخص قد أقبل علينا ودخل على استحياء إلى مكتب الرئيس، واستقبله الرئيس في الباب مرحباً به بحفاوة، بالرغم أنه ليس للرئيس علاقة بذلك الشخصُ من قبل إلا علاقة رئيس الدولة بموظفي الدولة علاقة عمل ليس إلاّ.

جلسَ ذلك الشخص أمام الرئيس، وكان ينظر إلى الرئيس نظرةً وكأنه ألمّ بكل شيء فشعر بالرّعدة تتمشى في أعصابه، وسكَنَ في كُرسيّه سُكون المحتضر على فراش الموت، وكان الرئيس يبتسم له كثيراً، ويُقدم له العصائر والماء بنفسه، ويُظهر كل ما يستطيعه من صنوف العطف وألوان الإحسان لينسيه ما فآت وأنّه لم يبق أمامه إلاّ ما هو آت.

وقد كُنتُ أتوقع بأن الرئيس سيُأنبه، ويلقي عليه الكلام القاسي والجارح، لكنّ ما سمعتُ إلا النُصح غير المباشر وبأسلوب المحترف الذكي، وبالحفاوة والتذكير، لعلّ الذكرى تنفعهُ، ثم دعاه الرئيس لتناول وجبة الغداء معه ليحكي معه أكثر؛ لأن المكان لا يسمح بالكلام الكثير والبقاء لوقت أطول، وقام ذلك الشخص من عند الرئيس  بنفسٍ غير النفس التي دخل بها وقلبٍ غير قلبه، وكان الرئيس يتعهده ويتواصل به ويحنو عليه، ويتفقد شأنه حتى شعرَ بذنبه وبما فعل، وماهي إلا أيامٌ قلائل حتى بعث للرئيس برسالةٍ خطيّةٍ كتبها من صميم قلبه عندما قرأتُها فاضت عيناي بالدموع، وأدركتُ حُسن التصرف وفن التعامل مع الناس، وأدركت معاني ما ذُكر في الأثر: “إِنَّكُمْ لا تَسَعُونَ النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ”.

س/ حدثنا عن لقاءاته واجتماعاته مع موظفي الدولة, أو المواطنين؟

كان -رحمة الله عليه- في لقاءاته واجتماعاته يشجع في المضي في سبيل الله، ومواصلة الطريق والثبات على المبدأ، والحفاظ على القيم والمبادئ في مواجهة العدوان وقوى الاستكبار، وعدم التراجع أو القبول بالحلول الخادعة، أو الانخداع بتلك الشعارات الزائفة، ينشُد السلام العادل الذي يرتكزُ على الإرادة الحُرة للشعب.

يواصل الليل والنهار في جهاد دؤوب وعمل مستمر وهمة عالية، معلقٌ بالمحل الأعلى، بروحٍ ثابتة أمام عواصف الحياة المكتظة دماءً وأحزاناً وفقداناً للأحبة واجتماعا وافتراقاً، لا تزعزعه عواصف الدهر وقواصفه، ولا تثنيه نكبات الزمان وفجائعه، نجدهُ أقل مؤونة وأرفع زهداً في الحياة.

كان لا يسمح بأن يتجاوز أي شخصٍ مّا من موظفي الدولة مهامّه واختصاصاته الموكلة إليه، أو التدخل في أعمال غيره، ويحُث الجميع على الالتزام باللوائح والأنظمة المنظمة للعمل.

وأذكُر في بعض لقاءاته تمّ أن طُرح عليه من قبل أُناس قضاياهم التي تحتاج إلى أحكام قضائية، فكان جواب الرئيس الشهيد رحمة الله عليه: يا أخوتي لست قاضياً، وإن أحببتم أن أُحيل عريضتكم إلى “مجلس القضاء” كجهة مختصة، فأنا في الخدمة وسنحُثهم على الإسراع في الإنجاز بحسب النظام والقانون.

وكان يقولُ لنا: العفو منكم إن أتعبناكم بأوراق الناس، لكن الأجر عند الله عظيم، فالناس لا يريدون إلاّ الاتصال بنا كقيادة مباشرة، فقد اعتادوا في الماضي أن تكون كل صغيرة وكبيرة بيد المسؤول الأول، وهذا السلوك لا يعجبني، ولا أتُوق أن يكون كل شيء بيدي، وإنّما نعمل كمنظومة متكاملة مع بقية مؤسسات الدولة (القضاء والحكومة والرئاسة…)، وسيحتاج الناس إلى وقت حتى يدركوا ويعرفوا أين يتوجهوا بمعاملاتهم وسنعينهم على ذلك.

فكان يهتم بالإشراف والمتابعة على تنفيذ الخطط المرفوعة إليه؛ خصوصاً تلك الخطط التي يرى فيها خطة للنهوض بالشعب إما تربوياً أو تعليمياً أو صحياً أو عسكرياً أو اجتماعياً أو تنموياً أو اقتصادياً….

تلك هي مسيرة العظماء الذين ولّووا وجوههم شطر الخروج إلى ميادين الجهاد، فكان يثير في مسامع من يسمعه نوازع الخير والحق والحرية والتحرر، ورفض الهيمنة، وبناء الدولة، وإرساء العمل المؤسسي، فكان يعرف الحق وهو من أهله.

وستعرف الأجيال بأن هذا الرئيس أعاد لواقعنا المعاصر تلك الشخصيات التي شاركت في صناعة التاريخ.

كان يردد مقولة من الأثر: ” نتقدمُكم عند اللقاء ونُقدمكم عند العطاء” وذلك في بعض اللقاءات التي تتطلب التحشيد للجبهات لمواجهة العدوان على بلدنا.

وقد أوفى بوعده، فقد تقدم عند اللقاء وجاد بروحه سلام الله عليه، فكان ما يبهرنا فيه معجزات علمه، وبيانه الواضح، وحلمه، وصبره، وتواضعه، وإيثاره، وصدقه، وإخلاصه، فكان يقول للناس: “أنا لا أعدكم بما لا أستطيع، ولا أقول بأني أمتلك عصاةً سحرية، لكن سأبذل قُصارى جهدي في تقديم الذي استطيع عليه”.

س/ كيف تعاطى الرئيس الصماد مع أحداث فتنة ديسمبر ؟

كان حليماً سمح الأخلاق، وتعاطى مع أحداث ديسمبر بالحلم والبصيرة، وكان يقف على مسافة واحدة من جميع المكونات، يستشعر مسؤوليته المُلقاة على عاتقه المُثقل بالهموم الوطنية العالية، فقد لملمَ الصفوف وداوى الجراح ببلسمه الخاص، وأغلق الصفحة وفتح صفحةً جديدة كان عنوانها لدينا عدوٌ واحدٌ يقتل أبناء اليمن ويحاصرنا براً وبحراً وجواً ويحتل مناطق من البلد لابدّ من تحريرها ومواجهة هذا العدوان، يبذل الجهد الكبير بنفسه الصّلبة وأمله الواسع في إعادة الحياة إلى ما كانت عليه وتطبيع الوضع.

س/ ماذا في ذاكرتك عن الجانب الجهادي للشهيد الرئيس, واهتمامه بهذا الجانب؟

ما تجودُ به ذاكرتي في هذا المقام عندما صعّد العدوان على ” جبهة نِهم” أرسل حمايته الشخصية للنزول إلى “جبهة نِهم” لإسناد المجاهدين وإعانتهم في مواجهة المعتدين، ولم يبق عنده إلاّ السائق وبعض الأفراد لا يتعدوا عدد أصابع الكف، واستشهد البعض، وجُرح البعض، واستمر آخرون إلى يومنا هذا في الجبهات، وكان هناك من يقول له: سيدي الرئيس ليس من الصحيح أن تبقى بدون حماية بالشكل المطلوب … فكان جواب الرئيس: ” والله بأني أستحِي أن أدخل مؤسسةً أو اجتماعاً برفقة بعض الحماية والجبهات في أمس الحاجة إلينا جميعاً، ولولا المسؤولية التي وضعت على عاتقي لحملتُ بندقيتي وجعبتي وما توانيت لحظة واحدة في النزول إلى جبهات العزة والكرامة” وأضاف رحمة الله عليه ” وإذا استهدفني طيران العدوان أكون وحيداً لا يصيب المرافقين أي مكروه”.

فكان كلامه ينزلُ على مسامع ذلك الشخص ومسامعنا كالسيف المُجرد والسهم المسدد، فقد نال الشرف الذي كان يتوقُ له، ولم أكن أعلم ما يخبئه القدر، فقد أنهدّ قلبي الذي حمل الكثير من حياة الرئيس الشهيد…. ولن نقول إلا ما يرضي ربنا.

س/ صف لنا علاقة الرئيس الصماد مع مرافقيه؟

كانت قرابة الصّلاح، وأخوة الإيمان فوق كل علائق اللحم والدم والطين، وكان الرئيس الصماد سلام الله عليه يُعامل مرافقيه معاملة راقية، بل ويكلف نفسه كثيراً في الاهتمام بهم ويميزهم على نفسه، ولا يترك أي حواجز بينه وبين المرافقين، يشاركهم مأكلهم ومشربهم، وأثناء النزول الميداني كان يمازحهم ويلتقط الصور مع أفراد حمايته، ويشعرهم بأنه يتشرف أن يلتقط الصور معهم، وهناك الكثير من الصور تجمع الرئيس مع رفاقه الذين نالوا شرف الشهادة معه ومع غيرهم، وكان يختار الأماكن التي تتمتع بجمال الطبيعة وبجانب بساط الأزهار، وتحت ظلال الأثمار والأشجار وحيث الأنهار.

يتم التقاط الصور في الوديان ذات الزرع والثمر، وفي الجبال أثناء نزول الرئيس لتفقد بعض الجبهات العسكرية.

س/ هل هناك مواقف أخرى تتذكرها للشهيد الرئيس؟

أذكر موقفاً يتعلق بأحد مرافقي الرئيس، وهو الأخ “عبد الباري محمد علي مناع” (أبو عادل) والذي استشهد مع الرئيس. كان الرئيس الشهيد يرتاح كثيراً للشهيد “أبو عادل” ويحترمه ويقدره، وكنت أحترمه كثيراً لاحترام الرئيس له، ولكونه نموذجاً فريداً، وكنا لا نتحمل فراقه لأيام.

وفي بداية “المجلس السياسي” كان “أبو عادل” ملازماً للرئيس الصماد في حِلّه وتِرحاله، وكان له دور كبير في مساعدتنا للقيام بأعمالنا, وذات يوم تفاجأت بأن الرئيس نقل عمل “أبو عادل” إلى التحويلة في “القصر الجمهوري”، انتظرت أياماً لعلّه يعود إلى عمله برفقة الرئيس، لكنه لم يعُد، ولم أدرِ ما هو السبب، لكن ابتعاده كان له أثرٌ غير إيجابيٍ على أداء العمل.. قلت في نفسي: لعل هناك مشكلة مّا… وقلت: لابدّ من مناقشة ذلك مع الرئيس… وأكثر من مرّة أحاول أن أسأل الرئيس، لماذا نقلت “أبو عادل” إلى التحويلة؟ ويتم تأجيل السؤال، لقد كنت متردداً في طرح السؤال، وذات يوم ونحن والرئيس في (فلة 7) في “القصر الجمهوري” وقبل مغادرته -بعد انتهاء العمل- طرحت السؤال بأسلوب آخر، بأن انتقال “أبو عادل” إلى التحويلة ترك فجوةً في الدور الذي كان يقوم به عندما يكون برفقته.

فأجاب الرئيس بجوابٍ ما زال يتردّد على مسامعي إلى اليوم، كلما أتذكر “أبو عادل” أو أنظر إلى صورته.

لقد قال الرئيس وهو ينظر إلى الأرض: (يا أخي “أبو عادل” أنا أستحي منه، فهو تقريباً في عمري وأحرج كثيراً عندما أطلب منه مساعدتي في بعض الأشياء), لم أناقشه بعد الجواب، واكتفيتُ بما سمعت وغادرت وأنا محتار في أدب وأخلاق هذا الرئيس, كان وقعُ هذا الجواب على نفسي أشدّ من المشي على شفرات السيوف وأسنة الرماح وأنا أراجع حساباتي في التعامل مع من حولي.

س/ وهل تم إعادة أبو عادل للعمل؟

انتظرت تقريباً شهراً كاملاً ثم طلبت من الرئيس أن يُعيد “أبو عادل” للعمل برفقته، وأبديت الأسباب، وكيف القصور في العمل نتيجة غياب “أبو عادل”, فوافق الرئيس وعاد “أبو عادل” لعمله برفقة الرئيس ولم يفارقه حتى استشهد معه في 19 أبريل فسلام الله عليهم أجمعين.

استشهد “أبو عادل” مع الرئيس الصماد، فعرفت معنى فقدان الصديق، لم يكن صديقي “أبو عادل” أذكى الناس ولا أعلمهم ولا أعقلهم، لكنه كان أوفى الناس وأصدقهم حيثُ لم يترك الرئيس الصماد وحيداً في واقعة طف العصر.

فمن يُرِد أن يكون من الأوفياء فليجعل بين يديه حياة “أبو عادل”؛ ليتعلم منها كيف الوفاء والتضحية.

س/ كلمة أخيرة في هذا اللقاء؟

لقد رحل الرئيس الشهيد إلى ربِّه وترك قلوبنا من بعده متوجعة، لو عرضت في سوق الهموم والغموم والأحزان ما وجدت من يشتريها بأبخس الأثمان.

يا سيدي الرئيس الشهيد الراحل إلى ربه المودّع: إن بين جنبيّ لوعةٌ تعتلجُ لفراقك، لا أعرف سبيلاً إلى التعبير عنها إلا قطرة من المداد يعصرها قلمي الضعيف العاجز عن تبيين ما جادت به حياتك، وأنا أتوارى خجلاً منك فقد أرويتَ بدمك الطاهر قطرةً قطرةً … فشتان ما بين قطرة المداد وقطرة الدم.

فأنت الآن في عالم الأرواح عند الخالق المعبود، وكما روي لنا في الموروث: بأنه ينكشفُ للشهيد أسرار القلوب وخفايا الصدور فلا تزعل مني إن كُشفَ لك ما يكنُّ قلبي من الوجدِ عليك، وأنا لله وإنا اليه راجعون.

وما أصدق ما وصفه من يعرفه أكثر وأكثر “قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي” -حفظه الله- في مساء ليلة تشييع الشهيد الرئيس صالح الصماد حيث قال:

“الشعب اليمني ودّع في هذا اليوم رجلاً عزيزاً عظيماً من خيرة رجال اليمن، كان وفياً وصادقاً وصامداً وثابتاً، وتحرك في موقعه في المسؤولية، وأدّى واجبه على نحو مشرفٍ وعظيم، رحمة الله تغشاه، أحيا مشاعر الإباء والعزة والاستعداد للتضحية”.