يوم الأرض
ذمار نيوز | مقالات 25 رجب 1440هـ الموافق 1 ابريل 2019م
بقلم | بثينة شعبان
مهما كانت القرارات التي توصلت إليها القمة العربيّة في تونس بشأن الجولان أو بشأن فلسطين، فإنّها من دون شكّ وكسابقاتها ستبقى حبراً على ورق وستعبّر عن مواقف لفظية لا مرتسمات لها على أرض الواقع. وأكثر من يعرف هذه الحقيقة هو العدو الصهيوني نفسه، والذي لا يقيم وزناً لكلّ تصريحات هؤلاء وقراراتهم وبياناتهم، ولكنّه يخشى الروح المقاومة التي تولد مع ابن فلسطين أو ابن الجولان، لأنّه يعلم أنّ هذه الروح هي التي تهدّد كيانه واستيطانه واستعماره لأرضنا ولمقدساتنا.
أطفال ونساء ورجال وشيوخ يدفعون من دمهم ثمن أرض عزيزة عليهم ليورّثوها لأولادهم وأطفالهم
أطفال ونساء ورجال وشيوخ يدفعون من دمهم ثمن أرض عزيزة عليهم ليورّثوها لأولادهم وأطفالهم
لا بدّ للمراقب لأحداث يوم الأرض، يوم السبت في 30/3/2019 من أن يعيد حساباته وتفكيره وتقييمه لمعظم المسلّمات التي آمن بها بديهياً منذ نعومة أظفاره. ذلك لأنّ منظر الفلسطينيين العزل وهم يخرجون وأطفالهم يتحدّون الموت والفقد ليقولوا للعالم هذه أرضنا وسوف نقضي في سبيلها، بينما يرزح معظم العرب الآخرين تحت وطأة مفاهيم وابتزازات دولية لن تقودهم إلا إلى مزيد من الخسران والهوان.
أطفال ونساء ورجال وشيوخ يدفعون من دمهم ثمن أرض عزيزة عليهم ليورّثوها لأولادهم وأطفالهم، بينما يجلس أصحاب القرار على الكراسي الثمينة ويسيرون فوق السجاد الأحمر في دلالة على قيمة الخدمات التي يقدّمونها لشعوبهم، بينما هم يطبّعون مع عدو شرس مجاناً، فيدعمون غطرسته ضد ذلك الشعب الشقيق الأعزل، ويوهمون أعتى أعداء العروبة والإسلام أنّهم وبجرّة قلم قادرون على تغيير التاريخ والجغرافيا، بما يخصّ أشقاء لهم أيضاً في الجولان وبلاد الشام.
والمراقب المتبصّر لهذه الأحداث يتساءل أين حدث الخطأ الأكبر وما هي الانزلاقة التي أدت إلى كلّ هذا الانهيار، وأين حصلت في التاريخ ولماذا لم تتم معالجتها في حينه أو بعد حين؟؟
مهما كانت القرارات التي توصلت إليها القمة العربيّة في تونس بشأن الجولان أو بشأن فلسطين، فإنّها من دون شكّ وكسابقاتها ستبقى حبراً على ورق وستعبّر عن مواقف لفظية لا مرتسمات لها على أرض الواقع. وأكثر من يعرف هذه الحقيقة هو العدو الصهيوني نفسه، والذي لا يقيم وزناً لكلّ تصريحات هؤلاء وقراراتهم وبياناتهم، ولكنّه يخشى الروح المقاومة التي تولد مع ابن فلسطين أو ابن الجولان، لأنّه يعلم أنّ هذه الروح هي التي تهدّد كيانه واستيطانه واستعماره لأرضنا ولمقدساتنا. ولهذا فهو لا يحتجّ يوماً على اجتماع عربيّ أو تصريحات عربيّة، ولكنّه يرتكب جريمة القتل بحقّ طفل أعزل يرفع علم فلسطين، وبحقّ ممرضة تنقذ جرحى، وبحقّ أمّ ترضع أطفالها حليب العزّة والإباء، ويستمرّ في قضم الأراضي دفعة بعد دفعة، مطمئناً إلى أنّ كلّ الأحاديث والتهديدات التي تُطلق ممن يسمّون أنفسهم حكاماً هي للاستهلاك المحليّ فقط ولذّر الرماد في العيون، ولخلق الوهم بأنّ هؤلاء المسؤولين عن قضايا الأمّة جديرون بحملها، بينما هم في الواقع لا علاقة لهم بمصائر وقضايا البلدان والشعوب، بل يمثلون دوراً يرضى عنه أسيادهم ويوهم شعوبهم بأنّهم على قدر المسؤولية وبأنّهم يفعلون كلّ ما يستطيعون من أجلها ومن أجل مستقبل أفضل لها.
غريب أن يصادف يوم الأرض يوم انعقاد ما يسمى قمة عربيّة، وأن يسيل الدم الفلسطيني على أرض فلسطين من دون أن يلحظ من يُفترض أنّهم يجلسون في القمة بأنّ أولى واجباتهم هي اتخاذ الإجراءات التي تحفظ هذه الدماء والتي توفّر على الأطفال والشبان والأسرى دفع حياتهم من أجل قضية تخلّى عنها المعنيون بها والذين يمتلكون كلّ وسائل الدفاع عنها، تاركين قضية بهذا الحجم وبهذه الأهمية لهم جميعاً كي يتمّ التصدّي لها بأيدٍ مكبّلة في السجون الإسرائيلية وصدور عارية على أرض فلسطين.
لماذا إذاً لا نفرش السجاد الأحمر لتلك الأسر ولهؤلاء الشبان المتمسكين بالأرض والقابضين على الجمر، بدلاً من الذين يجلسون في اجتماعات تسمّى اجتماعات قمم، ولكنّها لا تلامس ضمائر شعوبهم ولا جوهر قضاياهم ولا الحفاظ على كراماتهم من قريب أو بعيد.
أين هو الخطأ الجسيم في هذه المعادلة التي تكاد تكون فريدة في نوعها في العالم والتي تكاد تكون أساس البلاء وسبب الاستهتار بأمّة الضاد والتطاول على حقوقها وحقوق أبنائها، ما هي المعادلة التي حوّلت هذا الشعب إلى مسؤول عن نفسه وأعفت من يدّعون المسؤولية عنه من أيّ التزام شرعي أو قانوني أو أخلاقي تجاه الرعيّة؟ هل هي أزمة قيادة أم أزمة آليات أم أزمة تاريخ تاه في الاتجاه الخطأ ولم يعد أحد قادراً على تصحيح وجهته ومرتسماته ومستقبل تحركاته؟
جمعني يوماً ما غداء عمل مع وزير خارجية (ألمانيا الغربيّة في ذلك الحين) يوشكا فيشر، وكنت أتحدث معه عن الحقّ الفلسطيني وعن العلاقة الألمانية الإسرائيلية والتي تقضّ مضاجع الفلسطينيين، علماً أنّ الفلسطينيين لا علاقة لهم أبداً بما ارتكبته النازية بحقّ اليهود، فلماذا يدفعون ثمن جريمة تاريخية لا علاقة لهم بها من قريب أو بعيد؟
فأجابني يوشكا فيشر: “بغضّ النظر عمّا تقوم به ألمانيا لإسرائيل أو عمّا يقوم به أيّ بلد في العالم دعيني أقُلْ لكِ لو كان لدى الفلسطينيين نيلسون مانديلا لكانوا حقّقوا دولتهم المنشودة منذ زمن”.
أيّ إنّ يوشكا فيشر قال لي توقفوا عن وضع اللوم على الآخرين لأنّ الأزمة في القضية الفلسطينية هي أزمة قيادة.
وقياساً على ذلك أتساءل هل الأزمة لدى معظم الساحة العربيّة هي أزمة قيادة، ولذلك نشهد اجتماعات وزراء وعقد قمم، وفي المقابل تطاول على الجولان العربيّ السوريّ المحتلّ وسفك للدم الفلسطيني ودعم للإرهاب والمحتلين للأراضي السورية وتجرّؤ على كلّ المتمسكين بخياراتهم العروبية وانتماءاتهم القومية؟
أم أن الأمر أبعد من ذلك بكثير وهو تخلّي أصحاب المسؤولية عن أن يكونوا أصحاب قضايا وتحوّلهم إلى خائفين وتابعين لدوائر تبتزّهم وتهددهم فيستكينون لها بدلاً من أن يعودوا إلى تراب أرضهم وأحلام أطفالهم وعنفوان شبابهم ليستمدّوا منها القوّة والعون ولتبقى أرضهم عزيزة عليهم يدافعون عنها بالقرار الحرّ المستقل، وكلّ ما يتطلّبه تنفيذ هذا القرار على أرض الواقع من تضحيات بدلاً من أن تكون قرارات التطبيع مجانية وتضحيات الأهل في الجولان وفلسطين وأيّ بقعة أخرى من هذه الأرض المقدسة تضحيات مجانية أيضاً لن تتمكن من تغيير المعادلة جذرياً، لأنّها معزولة عن أصحاب الشأن الذين بيدهم الحل والربط والمال والسلاح.
متى يعود الذين يعتلون الكراسي الفخمة ويسيرون على السجاد الأحمر ليكونوا أصحاب قضية قولاً وفعلاً منذورين لقضايا شعوبهم ولحرية أرضهم وكرامة بلدانهم؟