الخبر وما وراء الخبر

الإنســانية المزيّفة

35

بقلم / علي الزهري

بين مجزرتَي نيوزيلندا وكُشَـــر بمحافظة حجّة اليمنية، كان العالمُ أمام اختبار جديد للإنْسَــانية، فبعد المذبحة المروّعة بحق المصلين التي ارتكبها صاحبُها بدم بارد وهو يستمعُ إلى الموسيقى وبث تفاصيل فظاعاته مباشرةً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تسارعت ردودُ الأفعال المندّدة والمستنكرة والمعزية والمواسية للدولة وذوي الضحايا، ومن جُملة المستنكرين الرئيسُ الأمريكي دونالد ترامب، فقد غرّد على تويتر بالقول: “أبعثُ بأحرّ التعازي وأطيب التمنيات لشعب نيوزيلندا بعد المذبحة المروّعة في المسجدين، مات 49 بريئاً بلا أي معنى وأصيب كثيرون آخرون بجراح خطيرة”، ومثلُه أكّــد الملكُ السعوديّ بأن المجزرة الشنيعة التي استهدفت المصلين الآمنين بمسجدين في نيوزيلندا عملٌ إرهابي، مشدّداً على مسؤولية المجتمع الدولي في مواجهة خطابات الكراهية والإرهاب، التي لا تقرُّها الأديانُ ولا قيَمُ التعايش بين الشعوب، والإمارات والأزهر ومجلس التعاون الخليجي، والبرلمان العربي، وكل العالم بعث سيلاً من المواقف، وهذا في الظاهر شيءٌ جميلٌ وطيبٌ ويوحي بأن العالم يحترمُ حقَّ الجميع في الحياة والبقاء والعَيش الكريم، ويرفُضُ العنفَ والكراهية.

تمنيتُ أن تكونَ هذه المشاعر والمواقفُ صادقةً ونابعة من ضمير حي، وإنْسَــانية حقيقية، ولكن الأمنيات سَرعانَ ما بدّدتها مجزرةٌ قريبةٌ في الزمان، وشبيهةٌ بالهيئة، جريمةٌ تم تصويرُها بالطائرات والتباهي بها وعرضُ تفاصيلها الوحشية على شاشات التلفزة كما صوّر مجرمُ نيوزيلندا جريمتَه، مجزرةُ إبادة بحق ثلاث أُسر في منطقة طلان بـكُشَر بمحافظة حجة اليمنية والتي ارتكبتها مع سبق الإصرار والترصد طائراتُ بعض الدول التي أدانت مجزرةُ نيوزيلندا وراح ضحيتها أكثرُ من أربعين شهيدًا وجريحًا من النساء والأطفال، وبلغ التوحشُ ذروتّه حين تم استهدافُ سيارة الإسعاف التي حضرت لتقلَّ الجرحى، فسكت العالم، وتوارت منظماتُ حقوق الإنْسَــان والمرأة والطفل والشجرة والحيوان.

وهنا نسألُ ويرافقُ التساؤلات الكثيرُ من علامات التعجب!!!!! أين إداناتكم؟ أين إنْسَــانيتكم؟ وما هي معاييركم؟ وما الفرق بين هذه وتلك؟ لماذا كُــلّ هذا الكم من النفاق والمشاعر الزائفة، والجوابُ معلومٌ والرد معروف، سكت الجميع؛ لأَنَّ القاتل سيّدُهم المجرِمُ ترامب، والمنفذ بقرتهم الحلوب الإرهابي سلمان، وهنا يمكننا القول وبدون أدنى شك: إن الإنْسَــانيةَ المزيّفة متفشيةٌ كالوباء عند الكثيرين إلا من رحم ربي، وإن المعاييرَ في هذا العالم الرأسمالي المتوحّش في التعاطي مع الأحداث المتشابهة خاضعةٌ للمصلحة والبيع والشراء حتى وإن باعوا ضمائرهم، والربح والخسارة حتى وإن خسروا إنْسَــانيتهم، وإن البقاءَ للأقوى، ونحن بقوة الله وعونه كذلك وسترَون.