الخبر وما وراء الخبر

أمريكا والسقوط من عرش الهيمنة العالمية

45

بقلم | زين العابدين عثمان

بالكاد وصلت الولايات المتحدة الأمريكية إلى عرش القوة العظمى لتتحكم وتهيمن على دول العالم في جميع الأصعدة عسكريا وسياسيا اقتصاديا وتسيرها تحت وطأة سياسات حمامات الدم وسياط حروب مدمرة في فلك استراتيجيتها (أمريكا تتأمر وباقي العالم ينفذ)، سلطة حكم أوحد للعالم بالاستبداد والاستكبار تفرض ما تشاء وتنسف ما تشاء وتغير من تشاء.

اليوم ومع مرور عقود من الزمن على التموضع على عرش إمارة العالم والحكم بلغة القوة والحديد والنار على الشعوب والأمم ، نجد أن “إمبراطورية الدم والأشلاء الأمريكية” اليوم لم تعد هي هي تلك التي كانت في سابق عهدها فقد تلقى عرش هيمنة القطب الواحد التي تتربع عليه ضربات زلزالية نتجت بفعل انفجار الاحتقان الجيواستراتيجي لقوى الممانعة التي كانت نارا متوقدة تحت الرماد وتحت قبة ضغط الهيمنة الأمريكية الاستكبارية، فمن دول شرق آسيا روسيا والصين وكوريا الشمالية إلى القوى الشرق أوسطية محور المقاومة ايران وسوريا واليمن والعراق ولبنان ودول في القارة الأمريكية الجنوبية وعلى رأسها “دولة فنزويلا البوليفارية” جميعها أنتجت الانفجار الذي هز عرش أمريكا وافقدها التوازن الاستراتيجي الأمني والاقتصادي والسياسي و حرب أفغانستان والعراق عام 2001 كان لها ارتداد أخر دفع بأمريكا ليس للاهتزاز فقط بل نحو هاوية السقوط من عرش الهيمنة الدولية الذي بدأت معالمه تضع الخطوط العريضة بعد تلقيها هزيمة ساحقة و خسائر كبرى وصلت ل7 ترليونات دولار دون أي نتائج .

“أمريكا ترامب” 2019 السقوط مستمر والتراجع والانكماش الاستراتيجي لازال مستمرا أيضا ولكن بشكل أسرع، ومحور أعداء أمريكا الآسيويين روسيا الصين كوريا الشمالية اليوم أكثر نضجا وقوة واقتدار ليس للخروج من تحت الإرادة الأمريكية بل لانتزاع رداء الهيمنة والحكم الأحادي من أمريكا خصوصا بعد هزائمها المتكررة في حروبها الاقتصادية أمام إيران وبعد أن هشمت مشاريعها الاستعمارية في سوريا والعراق واليمن ولبنان عسكريا والتي استبدلت بعودة شبح محور المقاومة الشرق أوسطي الذي يزداد تفوقا وقوة مع مرور الوقت.

وعليه فأمريكا اليوم تعاني أكثر من أي وقت من فرط نزيف رصيدها الاستراتيجي والأمني وتداعي هيمنتها ليس في القارة الآسيوية بل في الشرق الأوسط وهذه هي الحقيقة، فهزائمها المتكررة وتحطم استراتيجياتها أمام إيران روسيا والصين ومحور المقاومة وقائمة طويلة من أعداءها جعلتها تتراجع وتبدأ بالانكماش التدريجي وتفقد ثقلها.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي اقحم أمريكا منذ تنصيبه في حقل التناقضات والخط السريع للسقوط والانهيار السياسي والاقتصادي والأمني بقراراته الغبية والمتسرعة فقد خلف جملة من التداعيات الكارثية التي زعزعت الموقع والثقل الأمريكي الدولي والانسجام الداخلي أبرزها تفكك النظام والمجتمع الأمريكي وذاهبه إلى مربع الانقسامات والصدامات البينية الساخنة حيث أصبح ترامب وارداته حاليا قطب والدولة الأمريكية العميقة قطب أخر مضاد وما بينهما خلافات حادة وصلت لمستوى الإضرار والصدام الذي يجهض مسار صنع القرار وتوجيه دفة السياسية الأمريكية والذي كان آخره الخلاف على تشريع موازنه إنشاء جدار المكسيك والإغلاق الحكومي الذي كان له تأثيراته المباشرة على المواطنين والموظفين الأمريكيين أنفسهم.

الحديث يطول ولكن خلاصة القول هي أن أمريكا اليوم وفي هذا العالم الجديد 2019 حرفيا أصبحت في طور السقوط والذوبان الاستراتيجي وبدأت تفقد قيمتها وثقلها وهيبتها كدولة قصوى تتحكم بالعالم إلى دولة متداعية ومتفككة مع مرور كل ساعة ، فروسيا والصين استطاعتا كسر شوكتها في مجال سباق التسلح والتوازن الاستراتيجي والاقتصادي وقد استطاعتا أيضا جرحها بجروح استراتيجية في منظومة هيمنتها بالشرق الأوسط والمنطقة بدعمهما دول ممانعة كإيران وغيرها كإنشاء تحالفات معهم وهذا هو ما أفقد واشنطن مبادرة التدخل العسكري الاستباقي الذي تعتمده في ترسيخ وتثبيت هيمنتها بالميدل آيست وعليه فقد صارت ضعيفة لا تقوى حتى على الدخول في حرب مع إيران أو حتى حماية اقرب حلفاءها “إسرائيل ” من ادنى تهديد قادم ..وبالتالي فالسقوط الأمريكي أصبح حقيقي ولا ننتظر حاليا سوى لحظة ارتطامها بالأرض والذي لن يكون بالمنظور البعيد فالأحداث القادمة كبرى ومفصلية كفيله برسم لوحة جيوبليتيكية جديدة لخارطة العالم المستقبلي دون هيمنة أمريكا.