في ذكرى الشهيد …..نفحات من حياة شهيدة.
بقلم | أمةالملك الخاشب
ولأن الشهادة منحة إلهية من الله تعالى يمنحها لمن يستحقها من المؤمنين والمؤمنات ولأنه تعالى أثاب المؤمنين والمؤمنات فلم تكن الشهادة يوما حكرا على الرجال من دون النساء فالله تعالى يقول من عمل منكم صالحا من ذكر أو أنثى فلنحيينه حياة طيبة.
وفي ذكرى أسبوع الشهيد سأحكي لكم شذرات من حياة شهيدة عظيمة رغم صغر سنها شذرات نستطيع من خلالها أن نزداد يقينا على يقيننا بأن الشهادة هي اصطفاء واختيار إلهي
هي شيماء عبدالرحمن أحمد الخاشب التي استشهدت في قصف غادر على منزلهم الكائن في حصن الظفير في محافظة حجة بتاريخ .28/9/2015. ولم أتكلم عنها من باب التعصب الأسري أو التحيز لا والله بل لأنها تستحق أن تكون من الخالدات لعلمها وجهادها وحرصها على أن يفهم كل من حولها ما فهمته من حقائق التاريخ المزورة ومن الحقائق المغيبة
فشهيدتنا فتاة لم تتجاوز العشرين ربيعا ولكنها استحقت أن تلتحق بركب أهل البيت الذي لطالما قرأت عن تاريخهم وتعلقت بسّيرهم العظيمة وهي تقرأ كتب من مكتبة جدها العلامة المرحوم أحمد بن مطهر الخاشب الذي كان إمام وخطيب جامع الامام أحمد بن يحيى المرتضى سلام الله عليهم أجمعين الموجود في قرية الظفير في مديرية مبين محافظة حجة
حصن الظفير التاريخي الذي يعانق السحاب شموخا وينافس الجبال علوا ورفعة ولكن هذا لم يشفع له بل كان سببا في أن كان هدفا لحقد العدوان الأمريكي على بلادنا وكان الهدف هو منزل العلامة المرحوم محمد الكحلاني الذي كانت تسكنه شهيدتنا مع أسرتها بجوار منزل جدها العلامة أحمد مطهر الخاشب
فلماذا يا ترى اصطفاها الله وأكرمها بالشهادة دون الآلاف من بنات عمرها أو من نساء عصرها؟ رغم أن هناك من سبقنها عمرا وجهادا ؟ قد يعتقد البعض أن الأمر لا يستحق التأمل وأنها مجرد صدفة ولكن عندما تقرأون هذه الشذرات من حياتها الجهادية العلمية ستتأكدون أنها فازت بهذا اللقب عن جدارة
لقد كان كل دفتر من دفاتر دراستها سواء في الثانوية أو في الجامعة تترك الصفحات الأولى والأخيرة وفي الغلاف لتكتب عليها عبارات تدل على عشقها للشهادة والجهاد كمثل (القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة ) و(هيهات منا الذلة )و (والله ما خرجت بطرا ولا أشرا وإنما خرجت بقصد الإحياء في أمة جدي رسول الله ) وقد قال أحد جيرانها لوالدها الاستاذ عبدالرحمن الخاشب أنه بعد أيام من العدوان استغربت عندما وجدوا بعض الأوراق ودفاتر الشهيدة المتناثرة وفيها من العبارات التي كانت تكتبها والمقالات ما أبكتهم حين قرأوا قولها بخط يدها (نسجت أكفاني بيدي ) وكأنها كانت تشعر أنها ستستشهد .
فهي الروح التي تحلق وتشعر بأنها ستعانق الأرواح السابقة التي في عليين ولكن هذا لا يشعر به إلا المقربون فهذا سر من الأسرار الغيبة التي لا يدركها سوى من كتبهم الله عنده شهداء في أعلى عليين …
فعندما أتحدث عن شيماء ،فلا أدري هل أتحدث عن شيماء العالمة، أم أتحدث عن شيماء المتعلمة، أم أتحدث عن شيماء المجاهدة الثائرة، أم أتحدث عن شيماء المستبسلة المضحية ،،شيماء المثقفة، شيماء الشاعرة، شيماء الفقيهة والإعلامية ولا أبالغ أبدا فيما وصفتها فأنا لم أكتب إلا بعد بحث وتحري عن هذه الشهيدة العظيمة التي ظلمت حتى في التعاطي الاعلامي بعد استشهادها رغم أنها كانت من المجاهدات المثابرات سلام ربي عليها
شهيدتنا لم تكن معروفة عبر وسائل التواصل ولم تكن مهتمة بهذه الوسائل إلا للتواصل البسيط فهي كانت تدرك قيمة الوقت جيدا وتستغل وقتها في التحصيل العلمي لمذهب أهل البيت وفي التفكر وقراءة ملازم الشهيد القائد حيث وأنها رغم صغر سنها لكنها كانت ثقافية في قريتها تحاجج بالآيات القرآنية وتحاضر بكل فصاحة وبلاغة وثقة، ترعرعت الطفلة شيماء فكانت كل يوم تنمو يلحظ الكل فطنة لها وذكاء .ما أن وصلت الخامسة حتى بدأت دراستها لاحظ كل معلميها قدراتها الفذة ، ومهاراتها المتميزة ، فكانت الأولى في مختلف المراحل الدراسية وفي الشهادة الأساسية كانت الأولى على مديريتها مديرية مبين .
وفي هذه الفترة كان الناظر إلى الشهيدة لا يراها إلا حاملة كتابا في يدها جُل وقتها إما من كتب دراستها وإما من الكتب والمجلدات الثقافية الأخرى حتى كانت خالاتها وعماتها لا يسمينها إلا العالمة لكثرة ما يرين الكتب مرافقة لها .
فنشوء شيماء في أسرة مرتبطة ارتباط وثيق بأهل البيت عليهم السلام ومهتمة بالعلم وبالأخلاق الفاضلة ومساعدة الغرباء ساعد في نشأتها هذه النشأة التي جعلت حتى من مدرسيها يشهدوا لها بأنها العبقرية المتميزة حيث حصلت أيضا على الترتيب الأول في الثانوية العامة على كل المديرية
لذلك كل من عرفها لا يجدها تتحدث إلا عن العلم والثقافة عن المعارف عن الجهاد عن الأمة ، وهموم الأمة – عن حالة الذل و الانحطاط والخنوع والاستكانة ،عن عوامل الضعف وأسبابه عن مقومات الأمة .
وفي هذه المرحلة بدأت كتاباتها الأدبية مقالات وقصائد شعرية وبدأت التوعية لكل أبناء المجتمع علم وقدرات متميزة فطلب منها التوعية فشاركت في الإرشاد ومقاومة الفكر الوهابي وفضح مخططات العدو الإسرائيلي من خلال الثقافة التي كانت تأخذها من خلال الملازم وكلمات السيد ومتابعتها لوسائل الإعلام فتوعي ما استطاعت من خلال المجالس التي كانت تحضرها .فكانت نموذج للثقافية الواعية التي تحمل هدي الله رغم صغرها وتوصله بالأسلوب الليّن والمقنع وتخاطب الفطرة السليمة فيمن حولها
لذلك كل من إلتقى بها ودخل معها في نقاش يعجز لسانه أمامها ويخرس لأن لديها من الأدلة والإثباتات على ما تقوله وتعتقده ما يدمغ تلك العقول بالحجة الساطعة والبرهان اليقين .التحقت بالجامعة وكانت تعاني جدا عناء الذهاب من الريف الى المدينة من الساعة السادسة صباحا وحتى السادسة مساء لإرتباط مواصلاتها بزميلاتها من مختلف الأقسام وظلت شيماء المحافظة على المرتبة الأولى و في احدى مواقفها الخالدة أنها كانت حاججت دكتور مادة الثقافة الاسلامية أمام الطلاب جميعا بالآيات والقرآن لأن نهجهم معروف في ثقافتهم الاسلامية أنها ثفاقة وهابية فتلعثم الدكتور وطلب منها أن يتناقشوا في مكتبه على انفراد دون التشويش على بقية الطلبة فرفضت شيماء وقالت يجب أن يفهم كل الطلاب الحقيقة ويقتنعوا..
ولم تتأثر بتهديدات الدكاترة التابعين للمنهج الإخواني واستمرت في نهجها..
وكانت دائما تقول لوالديها (إذا مت فإدفنوا معي دفاتري وكتبي )
وعندما اضطرت أسرتها يوما لإغلاق احدى مكتبات المنزل كان ردها (امنعوا عني كل شيء لا يهم أمنعوا عني الأكل والشرب لا يهم إلا الكتب الرجاء لا تحرموني من القراءة )
.
وبعد انطلاق شرارة العدوان الغاشم في مارس 2015 فكانت الشهيدة مبادرة بكل عزيمة للسطوع بموقفها ضد العدوان من أول وهلة كتبت المقالات القصائد شاركت في الإذاعة مرات ومرات وهو ما نقلته إذاعة صنعاء عنها وأعادت بثه بعد استشهادها في إذاعة يمن الصمود حين أعلن المذيع خبر استشهادها
كانت تحث الجميع على الثبات على الصمود على الإلتحاق بالجبهات ومن سمعته يتردد تقول له لا تكون مثبط كانت تنتظر كلمة السيد بكل شغف كانت تتابع المسيرة ونشرة الثامنة مهما كلفتها الظروف عندما تنقطع الكهرباء كنا نجدها قد اشترت أحجار البطارية للمذياع خصيصا لتسمع أخبار رجال الرجال كانت بمثابة وزير اعلام الأسرة والذي لا تمل من سماع حديثها تحدثك عن كل الأحداث وكأنها تعيشها
هي القائلة (والله لوكنت شابا لكنت في مقدمة الجبهات)
يوم تلو يوم تكرر ذلك حتى ليلة استشهادها كم تألمت حين سمعت بخبر قصف مخيم عرس النساء في المخا بعد عصر ذلكم اليوم حتى أنها أسبلت الدمع من عينيها الكريمتين سلام ربي عليها
وفي نفس الليلة بتاريخ 28 /سبتمبر/2015 كانت ليلة استشهاد شيماء مع شقيقتها زينب ذات التسعة أعوام ونجاة بقية أسرتها الفاضلة المكونة من الأب والأم وبقية الإخوة والأخوات
يروي أباها أنه في نفس الليلة دخل معها في نقاش قبل أن يذهبوا للنوم فكانت آخر كلماتها (إن من بذل نفسه لله في سبيل مبادئ الحق لا يمكن أن يكون هناك شك في تحركه القرآني لننظر كيف استشهد السيد حسين بدر الدين وهو مدافعا عن الحق كيف بذل كل ما معه ذهب الشهداء من أسرته بالعشرات من أسرته في وقت تكالب عليه كل من في الداخل والخارج لا لشيء إلا لإحيائه النصوص القرآنية وتجسيد الإسلام الحق في مواقف عملية حية وعلى نهجه سار السيد عبدالملك ثم انظر يا والدي ماذا قدم الإمام علي والحسن والحسين وفي كربلاء لنا عبرة وماذا قدم إمام المذهب الإمام زيد وولده يحيى وعبدالله النفس الزكية ووووالكثير غيرهم من الأئمة والأتباع وماذا قدمنا نحن نحن لم نقدم شيء يذكر إن واجبنا التحرك الجهادي جميعا وقد تكالب علينا العالم أجمع فوالله لو كنت شابا لكنت في الصفوف الأولى للجبهة )
وذهبت الأسرة للنوم وهم متأثرين مذهولين يدعون على المعتدين الذين استهدفوا حوالي سبعين امرأة في المخا ويدعون بالنصر للمجاهدين
وفي نفس الليلة الساعة الثانية والنصف كانت ساعات الغدر بقصف طائرات الحقد على منزلهم بغارتين حاقدتين حولت المنزل لركام وانتهكت قدسية تلك الدماء الطاهرة وروعت الآمنين فيروي والد شيماء أنها كانت تهلل خلفه وتردد الشهادة بنصها قبل انفجار الصاروخ الثاني كانت تقول ( لن نظل إلا في مكاننا لن نخرج من مسكننا إذا اعتدوا علينا سينظر العالم أجمع بشاعة جرائم العدوان على بلدنا والله هو المطلع على جرائمهم ولو متنا جميعا) وواصلت جميع الأسرة التهليل والتكبير والدعاء و الشهادات شهادة تلو الأخرى (أشهد ألا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن عليا ولي الله أشهد أن فاطمة أمة الله أشهد أن الحسنين صفوات الله وأشهد أن وأن الموت حق و الحياة بيد الله وأن الساعة آتية لاريب فيها وأشهد أن الله يبعث من في القبور ) حتى شعروا بطمأنينة وسكينة
وانفجر الصاروخ الثاني ..وانهار المنزل الكبير على روؤسهم
وكتب الله النجاة لمن كتبها من أفراد الأسرة الفاضلة.
ولكن شيماء التي تمنت الشهادة وطلبتها من الله تعالى بصدق وإخلاص ..كانت من الفائزين بها فوزا عظيما.. منحها الله ما طلبته بكل كرم وعطاء هي وشقيقتها زينب
كان وجهها مثلما هو لم يجرح ولم تتغير ملامحه
كانتا كالملاكين تفوح منها الرائحة الطيبة بشهادة كل من حضر التشييع
ودفنت شيماء,مع زينب بملابسهما لتكون شاهدة عند الله تعالى على قبح المرتزقة وعلى وحشية المعتدين وكانت قبل استشهادها وهي تحتضر سلام الله عليها حريصة أن لا يرى وجهها وأن لا ينظر إليها غريب وفي هذا رسالة لكل بناتنا العزيزات أن يفهمن ما معنى أن تكون الزهراء عليها السلام وزينب الحوراء قدوة لهن في العفة والحشمة والأخلاق.
لم أستطع أن أنقل كل ما وصلني عن شيماء ..شيماء الشهيدة العظيمة …ولكني أردت أن أقول لكل بناتنا أن الشهادة هي عطاء من الله تعالى ومحال أن تكون العدالة الإلهية تمنح الرجال دون النساء فهناك من النساء من نلن مراتب الشهداء ولو كانت وفاتهن على الفراش .لأنه تعالى أعلم بالنوايا وبالصدق والإخلاص
فعلينا جميعا أن نعمل ونتحرك بصدق وإخلاص ونقتدي بأعلامنا بالعمل وليس فقط بالقول والله تعالى لن يخيب آمالنا وسيوفقنا لما يحبه ويرضاه
سلام الله على شيماء وعلى والدي شيماء وعلى جدها العلامة الوالد أحمد مطهر الخاشب صاحب تسابيح الليل بصوته الرنان وصاحب القيام والصيام والذي قضى شهيدا بعد الحادثة بأشهر قليلة متأثرا بجراحه بعد القصف الذي طالهم فختم حياته بأعظم خاتمة وتوفيق وإكرام من الله تعالى..
السلام على الأرواح الطاهرة وعلى النفوس الأبية وعلى الأنوف الحمية سلام ربي على كل شهداءنا الأبرار رجالا ونساء صغارا وكبارا ..وألحقنا الله بدربهم وبطريقهم الذي نهجوه واتبعوه