اتفاقات السويد: خرق يفعّل السياسة ولا يوقف الحرب
ذمار نيوز | تحليل | لقمان عبدالله 10 جماد أول 1440هـ الموافق 16 يناير، 2019م
على رغم الجدل الدائر حول اتفاقات السويد، يبدو واضحاً أن حركة «أنصار الله» تسعى إلى تطبيق تلك الاتفاقات بكامل نصوصها ومندرجاتها، بغضّ النظر عن قبول الطرف الآخر بها. وإذا كان من الطبيعي جداً أن تقرأ الحركة النصوص الملتبسة والغامضة في التفاهمات بما ينسجم مع فهمها لهذه النصوص، إلا أنها لا تجد حرجاً في التراجع خطوة إذا ما تراجع خصومها خطوة مقابلة.
بمعنى أوضح، تمتلك «أنصار الله» مجالاً للمناورة، فيما الطرف الآخر حشر نفسه في زاوية تقلّصت لديه فيها إمكانية القدرة على المناورة. لكن في الوقت نفسه، ليست صنعاء، بقدر سعيها إلى الحفاظ على الاتفاقات، في وارد التراجع عن مكتسبات تُعَدّ مبدئية بالنسبة إليها.
ومن الطبيعي، كذلك، أن تعمل كل من السعودية والإمارات على عرقلة التفاهمات، بعدما اضطرتا إلى قبولها بالإكراه، جراء الأداء العسكري الفاشل في اليمن، وكذلك الأداء السياسي السيئ في كثير من القضايا، اللذين أوصلا الدولتين إلى تشوّه سمعتهما على المستوى الدولي، وانفضاح صورتهما الحقيقية في الشهور الأخيرة، الأمر الذي دفعهما مرغمتين إلى سلوك مسار التسوية في السويد، وكذلك التعامل مع المرحلة التي أعقبته.
والأكيد أيضاً أن تفاهمات استوكهولم أُلزمت السعودية والإمارات بقبولها بالفرض، إذ لم يكن في وسعهما التعامل مع دعوات وقف الحرب باللامبالاة والتجاهل. ومنذ اليوم الأول لانعقاد مشاورات السويد، وقبلها، كان معلوماً أن الرياض وأبو ظبي مضطرتان للانحناء أمام عاصفة الاعتراض على الحرب التي اجتاحت الرأي العام العالمي، وباتت مادة للصراع الداخلي الأميركي، وعبئاً على إدارة دونالد ترامب جراء بشاعة الأزمة الإنسانية التي صنّفتها الأمم المتحدة بأنها الأسوأ في العصر الحديث.
لكن دول «التحالف»، وخصوصاً الإمارات، تعاملت مع الاتفاقات منذ اللحظة الأولى لإعلانها بالتشكيك في إمكانية تطبيقها، وتحميل صنعاء مسبقاً مسؤولية فشلها. والمتابع لوسائل الإعلام الإماراتية والمحلية التي تدور في فلكها، يتكوّن لديه انطباع بأن وصول الاتفاقات إلى الحائط المسدود مسألة وقت لن يطول. الميزة الوحيدة في التفاهمات، والتي حافظ عليها الطرفان، أنها وضعت حدّاً للعمليات العسكرية الكبيرة، ولكنها لم تنجح في معالجة الخروقات اليومية، وإن كانت الأخيرة لا تزال في معظمها تحت السيطرة.
السؤال المطروح اليوم: هل الخيار العسكري لا يزال قائماً بعد الإخفاق في تطبيق اتفاقات السويد؟ ثمة مؤشرات يُعتدّ بها إلى نية الإمارات والقوى المحلية الموالية لها القيام بإجراءات في إطار تفعيل العمليات العسكرية الكبيرة، فضلاً عن أن الحشود العسكرية لم تتوقف حول الحديدة، كذلك إن المستوى السياسي الإماراتي يلوّح دائماً بالعودة إلى تفعيل الهجمات على المدينة ومينائها. لكن هذه التهديدات لم تصل بعد إلى مرحلة التنفيذ، والخروج العلني عن الاتفاق، ولا سيما أن طرف صنعاء يحاذر الوقوع في الفخاخ السياسية والإجرائية التي تُنصَب له. كذلك إن الأمر النهائي بتجدّد الهجمات العسكرية منوط بالولايات المتحدة الأميركية تحديداً، ولو كان بيد السعودية والإمارات لواصلتا الهجمات على الحديدة حتى مع الفشل، ولما ذهبتا إلى السويد من الأساس.
المرحلة المقبلة مرهونة بالقرار الأميركي، والتراخي المقصود من قِبَل الولايات المتحدة من المنطقي أن يستغله «التحالف» للتلويح بتفعيل الخيار العسكري، مع الإشارة إلى أن تراخي واشنطن ينبئ بلا جديتها في إنهاء الحرب، علماً أن التكتيك الأميركي قائم من الأساس على تقليص العمليات العسكرية، أو ما سماه وزير خارجية الولايات المتحدة، مايك بومبيو، في تصريحاته من الرياض، «خفض التصعيد»، لا إنهاء الحرب. بناءً على ذلك، تراوح الخيارات ما بين تصعيد محدود مع الحفاظ على الهدوء، أو استئناف العدوان. لكن القدر المتيقن، إلى الآن، أن تفاهمات استوكهولم جرى التوصل إليها ــــ بشكل رئيسي ـــ من أجل خفض التصعيد، بحيث لا تشكل العمليات العسكرية إحراجاً للدول الغربية الداعمة للعدوان، وتحمّلها تبعات المأساة الإنسانية الناجمة عنه. لا يبدو، في الوقت الراهن، أن اتفاقات السويد ستوصل إلى إنهاء الحرب المفروضة على اليمن، إلا أنها في الوقت نفسه تُعدّ خرقاً مهماً للأفق المسدود، شرّع الباب أمام العمل السياسي للمرة الأولى منذ اندلاع العدوان، فيما أبقى جهود السلام على مفترق الطرق.