الخبر وما وراء الخبر

 سنظلم وسنرتد بعد ايماننا كافرين اذا تفرقنا وتوانينا في مواجهة أهل الكتاب

48

 

ذمار نيوز | من هدي القرآن 2 جماد أول 1440هـ الموافق 8 يناير، 2019م

بسم الله الرحمن الرحيم

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (آل عمران:102-104).

عرفنا تفسير هذه الآيات [في الجلسة السابقة] وصلنا إلى قولـه تعالى: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (آل عمران: من الآية103) هكذا يكون بيان من الله سبحانه وتعالى لكم، من منطلق رحمته بكم، وأنه لا يريد لكم أن تُظلموا، ولا يريد لكم أن تكونوا كافرين، ولا يريد لكم أن تعودوا على شفى حفرة من النار كما أنقذكم منها أول مرة فتعودوا إليها من جديد.

إذاً فالله سبحانه وتعالى عندما يبين لنا فهو يبين لأنه رحيم بنا، فمن منطلق رحمته، وهذا أهم ما رسخه القرآن الكريم هو: أن الله [رحمن رحيم] وأن الله رحيم بعباده، فلأنه رحيم بعباده يهديهم، يبين لهم آياته، ويسميها آيات؛ لأنها علامات على حقائق، حقائق لا تتخلف، حقائق لا يمكن أن تتخلف عن أن تحصل نتائجها سواءً كانت سلباً أو إيجاباً.

فمتى ما تفرقتم ستظلمون، متى ما توانيتم وقصرتم في مواجهة أهل الكتاب قد ترتدون بعد إيمانكم كافرين، وقد تعودوا إلى شفى حفرة من النار.

{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (آل عمران: من ال آية103) تهتدون إلى ما أنتم بحاجة إلى أن تهتدوا إليه، أليس هناك حاجة ماسة، ونشعر بأن لدينا حاجة ماسة إلى أن نهتدي إلى ما به نحافظ على أنفسنا أن نبقى مسلمين، إلى ما به نبتعد عن أن يحوّلنا أهل الكتاب إلى كافرين بعد إيماننا؟ نهتدي إلى ما به نبتعد عن النار التي قد كنا على شفى حفرة منها، هل هناك حاجة إلى هذا أو لا؟ أقول: أنا لست بحاجة إلى أن أهتدي حتى لا أتحول إلى كافر، ما الذي سيحصل إذا أصبحت كافراً؟ هل الكفر مشكلة كبيرة أم لا؟

الناس في الدنيا يرون بعض الأشياء مشكلة كبيرة جداً وغايتها ما هي؟ النتيجة منها التي ترعبهم ما هي؟ قد يكون إما سجناً، أو يخسر قليلا من المال، أو وجعاً في رأسه، أو قليلا من المغص في بطنه، أليس يعتبر هذه مشاكل في الدنيا؟ أو مشكلة كبيرة؛ لأنه قد يؤخذ عليه قطعة أرض، أو جزء من [مَشْرَب] فتصبح مشكلة كبيرة عليه إذا لم يشاجر بعنف ويبذل كل أمواله في سبيل ألا تخرج من تحته، حتى وإن كانت حقاً للآخر، تصبح مشكلة لديه تشغله وهو يأكل، تشغله وهو يصلي، تشغله وهو متوجه إلى فراشه للنوم، تشغله وهو يمشي.

أليست الأمور تحصل هكذا بالنسبة للذين يُشاجرون على قطعة [مَشْرَب] أو على أشياء من هذه؟ تصبح مشكلة لديه كبيرة، تشغل بَالَه وتأخذ كل تفكيره وكل اهتمامه، فيعيش البعض في حالة تقشف، يتقشف يحاول عندما يذهب ويعود من المحكمة يحاول أن يصبر على أن يأكل أكلا كيفما كان ليستطيع أن يواصل شريعته، لكي “لا يربِّطه” غريمه – كما يُقال – لأنها مشكلة كبيرة لديه ، أليست مشكلة كبيرة؟

طيب، أليست مشكلة كبيرة أن تقع في حالة يمكن أن تؤدي بك إلى جهنم؟ أليست هذه مشكلة كبيرة؟ هل هناك شيء أشد من جهنم؟ هل هناك شيء أسوأ من جهنم، من عذاب النار، من عذاب الحريق؟ {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (آل عمران: من الآية103) إذا كانت تهمكم أنفسكم فتبحثون عما يهديكم إلى ما فيه نجاتكم فلا تُظلمون في الدنيا، ولا تصيرون إلى ما تستوجبون به عذاب جهنم في الآخرة.

ثم أي طرف في الدنيا، أي جهة في الدنيا يمكن أن تكون أكثر رحمة بنا من الله سبحانه وتعالى؟ هل هناك أحد؟ وإذا افترضنا أن هناك من هو رحيم بنا، فهل هناك من يستطيع أن يهدينا كما يهدينا الله سبحانه وتعالى؟ لا. قد ترحمك أمك، قد يرحمك أبوك، قد يرحمك إخوتك، قد يكونون حريصين على نجاتك، حريصين على سلامتك، لكن لا يمتلكون علم الغيب، لا يمتلكون ما يستطيعون به أن يرسموا لك طريق الهداية التي تعتبر حقائق لا تتخلف.

بل قد يحصل العكس، قد توجهك أمك أو يوجهك أبوك أو أخوك إلى الترك، ألا تتحرك في قضية يكون في الواقع سلامتك وهدايتك وعزتك ونجاتك في أن تتحرك فيها، فتنطلق أمك من باب العاطفة من باب الرحمة بك،

أليست تتحدث من منطلق الرحمة؟ لكنها لا تستطيع أن ترسم لك الهداية الحقيقة، لا تستطيع مهما كانت رحيمة. فبالنسبة لله سبحانه وتعالى تجتمع أشياء كثيرة: رحمته العظيمة بنا، وعلمه، هو الذي يعلم السر في السماوات والأرض، يعلم الغيب والشهادة، علمه بكيف يهدينا وما هو الذي فيه هدايتنا، ولهذا يتحدث بأن ما يهدينا إليه هو آيات، معنى آيات: أعلام على حقائق، حقائق لا تتخلف، حقائق هي تمثل هدايتكم إذا سرتم عليها وفي طريقها ، فآياته أعلام على حقائق نسير وراء هذه الأعلام نهتدي بها، ولا بد أن تحصل – إذا مشينا مهتدين بها – لا بد أن تحصل تلك الحقائق من وراءها، سواء ما كان منها في الدنيا من عزة ومكانة وشرف ورفعة واستقامة، وبالنسبة للآخرة الفوز العظيم بالجنة، أليست هذه هي هداية حقيقية؟

عندما يهدينا هو يهدينا إلى ما نحن في أمس الحاجة إليه في الدنيا قبل الآخرة، هذا شيء مؤكد؛ لأن الثمرات كلها ليست مرتبطة بأن ثمرتها هي الجنة فقط لا شيء قبلها، بل يهدينا إلى ما نحن في أمس الحاجة إليه في الدنيا؛ كي لا نُظلم، لا نُذل، لا نُقهر، لا نصبح جنداً للشر والباطل، لا نصبح عبيداً للشيطان، أليست هذه أشياء تهمّ الإنسان ألا يقع فيها؟

وعلى الرغم من ذلك أيضاً يكتب لنا أجراً على كل ما نسير فيه مما نحن في أمس الحاجة إليه فيكتب لنا أجراً عليه، ويكتب لنا الفوز بالجنة، وما أعظم الجنة! وما أعظم رضوان الله الذي هو أعظم من الجنة! أليست هذه هي منتهى الرحمة؟ ولهذا قال الله تعالى: {فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (آل عمران: من ال آية107) كما سيأتي بعد في هذه الآيات، هذه هي الرحمة.

أمك أبوك خالك جدتك أي أحد من أقاربك أي شخص يهمه أمرك لو انطلق بكامل الإخلاص فلن يستطيع أن يهديك على هذا النحو، ومتى ما هداك فإنه لا يملك لك شيئاً من بعد، لا يملك جنة ولا يملك ناراً، وقد لا يملك فعلاً أنك متى ما سرت على النحو الذي هداك إليه أنه سيقف معك بكل ما يملك، قد يكون مجرد نصح فقط، أما الله فقد وعد أنك عندما تسير على ما هداك إليه فإنه سيقف معك، وسيؤيدك، وسينصرك، وسيهديك، ويوفقك، ويرعاك، ويرشدك.

الإنسان إذا تأمل لا يجد أي طرف إطلاقاً يمكن أن يهديه كهداية الله، لا يمكن أبداً، ولا أن يتحقق له من أي طرفٍ مهما كان ناصحاً له كما يتحقق له على يد الله سبحانه وتعالى.

ولأن الآيات هي في سياق الحديث عن أهل الكتاب وعن أعمالهم الخبيثة وخططهم الماكرة، بدأ التوجيه نحو الهداية من الأمر بتقوى الله حق تقاته، ثم الاعتصام بحبله، ثم ماذا؟ {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران:104) في طريق أن تكونوا بمستوى أن تواجهوا أهل الكتاب لا بد أن تؤهلوا أنفسكم, لتتحركوا أولاً في مجال إصلاح المجتمع من الداخل؛ لأن أهل الكتاب سينفذون إلى داخلكم إلى أعماق بيوتكم، إلى أعماق نفوسكم، فلا بد أن تكونوا معتصمين بحبل الله جميعاً, ثم تنطلقوا بشكل جماعي – بعد أن تؤهلوا أنفسكم وتجعلوا من أنفسكم أمة قادرة على أن تتحرك في الداخل أولاً – في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

لا تتصور أبداً بأن معنى المسألة في مواجهة أهل الكتاب هو: أن تتجه بعينيك إلى [نيويورك] أو إلى إسرائيل أو إلى [لندن] أو [باريس] أو نحوها، من هنا، العمل يأتي في مواجهتهم من هنا من الداخل؛ لأنهم هم – وهم في مجال أن يضربوا الأمة – يتغلغلون إلى داخلها بمختلف وسائلهم الخبيثة، {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً}(المائدة: من الآية33) فساداً ثقافياً، فساداً أخلاقياً، فساداً اقتصادياً، فساداً في البيئة، فساداً في كل مجالات الحياة.

إذاً فلا بد للأمة – وهي في طريقها إلى أن تؤهل نفسها لتكون بمستوى مواجهة أهل الكتاب، وفي مجال أن تحصّن نفسها من خبث أهل الكتاب حتى لا تتحول إلى أمة كافرة، إلى أمة مرتدة بعد إيمانها – سواء الأمة على مستوى الأمة أو أي مجتمع داخل هذه الأمة لا بد, لا بد أن تتحرك في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير، وإلا فماذا؟ قد تكون أنت تفكر بأنك تجهز قطعاً عسكرية لتضرب (واشنطن) وهم يضربونك في داخل كل بيت من بيوت مجتمعك، هذا لا يتأتى، وهذا هو ما حصل، أليس هذا هو الحاصل؟

صفقات أسلحة للسعودية، لليمن، لمصر، لهذه الدولة، لهذه .. صفقات أسلحة: طائرات دبابات، كل مرة نسمع بصفقة أسلحة، لكن من الذي سيحرك هذه الأسلحة؟ بدءأً من الكبير، من الملك أو الرئيس إلى آخر شخص في المجتمع من هو؟ لقد ضُربت الأمة من الداخل.

وعندما غاب الأمر بالمعروف، الأمر بالمعروف لا يعني فقط أن تقول لفلان: يغطي ركبته فقط، بل بكل ما هو معروف، بكل ما الأمة بحاجة إليه أن تهتدي به، أن تتحلى به أن تسلكه، أن تعمل به، في مجال السياسة في مجال الاقتصاد، في مجال الأخلاق، في كل مجالات الحياة، في كل مجالات الدين، المعروف باب واسع جداً.

إن من المعروف أن نقول للآخرين: إن عليكم أن تهتموا بالجانب الاقتصادي فتجعلوا الشعوب قادرة على أن تقف على أقدامها مكتفية بذاتها فيما يتعلق بقوتها الضروري؛ لتستطيع أن تقف في مواجهة أهل الكتاب، أليس هذا من المعروف؟ ليس المعروف فقط هو فيما نتصور، حتى أصبح هذا المبدأ العظيم مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعني فيما يتعلق بأشياء بسيطة، بسيطة جداً “غلِّق المسجلة، غَطّ ركبتك” أليست هكذا؟ تقريباً تنتهي إلى هذه

(المعروف) ولهذا نحتاج إلى أن تكون هناك أمة، أن يؤهل الناس أنفسهم إلى أن يصبحوا أمة قادرة على أن تدعو إلى الخير تحت عنوان (الخير) الواسع، وأن تكون أمة تأمر بالمعروف تحت هذا العنوان الواسع، وتنهى عن المنكر بعنوانه الواسع، ثلاثة عناوين واسعة جداً، ثلاثة عناوين مهمة تشمل كل مجالات الحياة، سواء ما كان من وجهة نظرنا لا نراه متعلقاً إلا بالدنيا، وما كان منها متعلقاً بالدين.

أليست هذه هي هداية حقيقية؟ إذا أحد تأمل فعلاً، تجعلك تثق بالله، يجعل الإنسان يثق بأنه يضع الخطط الحكيمة للأمة لتسير عليها، وهو يعلم ما سيعمل أهل الكتاب، وكيف ستكون أساليبهم، وأنهم سيغزون الأمة من الداخل فيجعلون الأمة تقف مستسلمة أمامهم، طائعة لهم، متولية لهم، كبارها جنود لهم، وصغارها ضحية لفسادهم، فتتجمد وتتعطل كل وسائل القوة الأخرى.

البترول في الأرض يصبح لا يمثل ما يمكن أن يمثله من آلة ضغط عليهم، هذه الخيرات المنتشرة في معظم البلاد الإسلامية كذلك لم تعد تمثل وسيلة للضغط على دول الغرب (اليهود والنصارى) هذه الأسلحة المتطورة التي يمتلكها هذا الشعب وهذه الدولة وهذه الدولة وتلك الدولة هي أصبحت قطعاً متجمدة لا معنى لها لا قيمة لها، بل ستصبح قطعاً تتحرك بفاعلية في خدمة أمريكا وإسرائيل لضرب الشعوب نفسها! أليس هذا من الدهاء اليهودي؟ أليس هذا من الخبث اليهودي الشديد؟

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

الدرس الثالث – من سورة آل عمران

{ولْتَكُنْ مِنْكُم أمَّة}

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.

بتاريخ: 11/1/2002م

اليمن – صعدة.