أطباء الأعشاب في اليمن: حوانيت وخلطات الربح السريع.
ذمار نيوز../ تقرير: فؤاد الجنيد 29 ربيع ثاني 1440هـ الموافق 5 يناير 2019م
“ما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء”، عبارة تتصدر واجهات مراكز الأعشاب والطب البديل في اليمن، وتتردد على ألسن المترددين على هذه المراكز، وإذا ما شكوت لهم وجعا أو ألما؛ أخذوا بيدك إلى أقرب عيادة طب شعبي بكل ثقة ويقين، وما يزيد الطين بلة أن مرتادي هذه المراكز لم يعودوا من الشيوخ وكبار السن المؤمنين بذلك حسب الممارسة وقصص النجاح التي توارثوها، بل صار الشباب والمثقفين يتزاحمون في طوابير أمام هذه المراكز، ويدفعون أموالا باهضة للحصول على عشبة أو خلطة، مستندين إلى تمتع الأسلاف بصحة متينة اكتسبوها من الطبيعة وليس من معامل الكيمياء والمستشفيات.
إنتشار واسع
انتشرت مؤخرا في عدد من المحافظات اليمنية، عيادات ومراكز الطب الشعبي بالتزامن مع توقف 50% من المؤسسات الطبية عن تقديم خدماتها للمواطنين نتيجة الحصار الجائر المفروض على اليمن، وتراجع مستوى الخدمات في المستشفيات التي ما تزال تعمل رغم العدوان والحصار. وأكد الدكتور عبدالله شديق مدير عام المنشآت الطبية الخاصة بوزارة الصحة في وقت سابق، أن هناك انتشار واسع لعيادات ومراكز طب الأعشاب “الطب البديل” في عموم المحافظات اليمنية في ظل عدم وجود قانون ينظم هذا النشاط او يلزمهم بأي معايير طبية واخلاقية، مؤكدا أن هذه المراكز والعيادات لا تحصل على تراخيص لمزاولة المهنة من أي جهة حكومية، ولا تخضع لأي نوع من الرقابة، منوها بأن الإدارة في وزارة الصحة قامت بحملة تفتيش لمعرفة نوع الخدمات التي تقدمها هذه العيادات غير أنهم لم يحظوا بدعم الجهات الأمنية، حسب قوله.
خلطات سحرية
كل القائمين على هذه المراكز اصبحوا اطباء بالفطرة، ولجأ إلى هذه المهنة كثيرون ممن شاهدوا ما يجنيه أصحاب هذه المراكز من أموال بسبب جهل ضحايا هذا الطب المشبوه، وضحايا الأكاذيب التي يروجها اطباء الطب الشعبي في قدرتهم الخارقة على علاج كل الأمراض بما فيها التي استعصت على الطب الحديث، وساعدهم على ذلك انعدام الرقابة الصحية من قبل الحكومة ووزارات الصحة المتعاقبة، التي غالبا ما يتم اسكاتها بالرشاوي لتتم الأمور بصورة رسمية تحمل طابع التصريح لممارسة العمل. وتتم الخلطات التي يعدها هؤلاء المطببين والعطارين بصورة عشوائية لا تستند اطلاقا على القواعد الطبية، بل تستند على الخبرة والقراءة والإطلاع، والممارسة بالتخمين، ومع ذلك تباع هذه الخلطات بمبالغ خيالية في بيئة يمنية يغلب عليها تدني ثقافي في هذا الجانب.
ترويج إعلامي
وبسبب كثرة الإقبال على طب الأعشاب، باتت الإذاعات المحلية في صنعاء تتنافس لبث برامج دعائية للمراكز التي تستخدم الأعشاب للعلاج. ويؤكّد أصحاب هذه المراكز على أفضليّة طب الأعشاب كطب “آمن” وبديل للأدوية الكيميائية، ويقولون إنهم قادرون على علاج أكثر من 20 مرضاً، كالأمراض الباطنية والتناسلية والعظام والجلد، وحتّى تلك النفسية. ويشير هؤلاء إلى قدرتهم على تشخيص الحالة الطبية لمرضاهم، غير أن استعمال الطب الشعبي ليس مضموناً في كل الأوقات، ويستخدم في الاحتيال على المرضى، خصوصا وأن بعض المحتالين وجدوا في هذا المجال فرصة للربح السريع، وأصبحوا يروجون لخلطات ومنتجات عبر قنوات تلفزيونية ووسائل التواصل الإجتماعي، والغريب في الأمر هو الإقبال الكبير للمرضى الذين يصدقون بوجود وصفات”معجزة” تداوي ما لم يستطع الطب الحديث التغلب عليه.
نصب مزدوج
يصر منتجي هذه المكملات والخلطات على أنها ليست أدوية، ولا يصنفونها في خانة الأدوية من أجل التهرب من إجبارية الحصول على الرخصة من وزارة الصحة، لأن الدواء لا يباع إلا بوجود رخصة من الوزارة. لكن المشكلة الكبيرة تتمثل في تلاعب بعض التجار بمشاعر المرضى وايهامهم بتوفير العلاج تحت ما يسمى بالطب التقليدي، فيوفرون لهم خلطات وأدوية لإيهامهم بأنها تشفي الحالات الميؤوس منها كالعقم والسرطان وداء السكري وضغط الدم والتهاب الكبد الفيروسي.
أسباب متراكمة
يتعامل المعالجون الشعبيون مع المريض على أنه مجموعة من المكونات الثقافية والاجتماعية، وهو الأمر الذي يفسر سبب استمرار العلاج الشعبي بشكل عام حتى وقتنا الحالي في اليمن وغيرها من الأقطار، بالإضافة إلى رسوخ بعض المفاهيم الخاصة التي تعمل على طرح تفسيرات خاصة بالمرض تتناسب مع مستويات الوعي الخاص بالمرض والعلاج، عكس الطبيب الذي يتعامل مع المريض على أساس أنه مجموعة من المكونات العضوية البيولوجية، كما أن الثقة والاعتقاد المتبادل بين المريض والمعالج من الأسباب الدافعة إلى اللجوء إليه طلبا للشفاء من بعض الأمراض. بالإضافة إلى أن هناك عدداً من شبكات المدلولات الثقافية والاجتماعية المفسرة لمرض ما داخل الإطار الثقافي الشعبي نفسه، أي أن النظرة للمرض والأساليب المتبعة في علاجه، يمكن أن تختلف وتتنوع داخل المجتمع الواحد. وإن كان يوجد في ثقافات جميع الشعوب أساليب علاج غيبية تستعين بها، وتستخلص من بينها ما يمكنها من المحافظة على
حياتها ومتابعة نشاطها وتراثنا اليمنى يزخر بكثير من ذلك، و يُزوَّدُ من يعتقد بها بوسائل مختلفة لمواجهة مشكلات مرضية لا يجد أصحابها طرقاً أفضل لحلها بحسب مورثاته الثقافية في هذا الإطار.