دروس من هدي القرآن الكريم الدرس السابع “معرفة الله-عظمة الله” ( 6 )
ذمار نيوز | من هدي القرآن 27 ربيع ثاني 1440هـ الموافق 3 يناير، 2019م
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 25/1/2002م اليمن – صعدة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
قال تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(الحشر:24) {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ} هو من قال لبني إسرائيل: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً}(الإسراء:6) فعندما يقول الناس: نحن قليل الآخرون قد يستذلونا، قد يُقتل منا كذا، ونصبح قليل لا نستطيع أن نعمل شيئاً. الله هو الخالق، هو الذي يستطيع أن يمدكم بأموال وبنين، ألم يقل نوح لقومه هكذا؟ {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ}(نوح:10-12) إذا ما قتل ابني هذا وابني هذا هو من سيمدني بأبناء آخرين {يُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً}. هو الخالق, هو البارئ، كلمة {بَارِئ} تشبه معنى كلمة {خَالِق} فيما تعنيه أيضاً من الإبداع أو الابتداع، أو أنه فاطر ما خلقه. {الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} أن يخلق الشيء على نحوٍ معين، على كيفية معينة ويقال الذي برأ النّسَمَة، كما كان في قَسَم الإمام علي (والذي فلق الحبّة وبرأ النّسَمة) خلقها على كيفية معينة، فطرها هو وابتدعها هو بدون مثال سابق. {لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} فهنا ذكر لنا مجموعة من أسمائه الحسنى، التي تعني ماذا؟ تعني كمالاً بالنسبة لله سبحانه وتعالى، ليس مجرد أسماء ألفاظ لا تعني شيئاً. الآن لو وضعنا لشخص منا خمسة أسماء هل يمكن أن تزيد في معانيه شيئاً فنسميه: أحمد ومحمد وقاسم وصالح ومسفر وجابر. هل لهذا زيادة فيه؟. لا. هل تعطي هذه الكلمات معاني بالنسبة لك؟ يعني شهادة بكمالك؟. الله هنا عرض لنا مجموعة من أسمائه الحسنى التي هي حديث عن كماله، كماله المطلق في كل شيء، (عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر). ثم قال لك أيضاً: له الأسماء الحسنى، عُد إليها في بقية الآيات والسور داخل القرآن الكريم وجمِّعها وستجد كم هي.
أشبه شيء بإحالة لنا إلى ما ذكره من أسمائه في بقية السور والآيات الأخرى، ارجع إليها من هناك حكيم، حليم سميع، بصير إلى آخر أسمائه الحسنى، تلك الأسماء التي تشهد بكماله؛ لترى نفسك بأنه يمكن لك، بل يجب عليك، بل لا يجوز لك غير هذا هو أن تعتمد عليه، وأن تثق به، وأن تستشعر عظمته سبحانه وتعالى. استشعار عظمة الله في نفوسنا, أن تملأ عظمته نفوسنا، قضية مهمة، قضية مهمة، ولا شيء يمكن أن يمنحنا هذا الشعور سوى القرآن الكريم فيما يعرضه من أسماء الله الحسنى، ومعانيها، وما فيها من شهادة بكمال الله سبحانه وتعالى. {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} هذه آية الكرسي – تحدثنا عنها في درس سابق – هي في نفس هذا المسار يمكن أن نتحدث عنها في مجال خلق شعور بعظمة الله سبحانه وتعالى، وثناء عليه، وشهادة بكماله، وكل أسمائه الحسنى، هي مفردات تعبر عن كماله المطلق سبحانه وتعالى هو العلي العظيم. وهذا الأسلوب بالنسبة لنا يجب أن نرسخه في حياتنا أن تكون هناك أوقات كما نحن ندعو الله في أوقات, يكون هناك أوقات نمجِّد الله فيها، نعظم الله, نقدس الله.. من خلال ذكره الكثير الذي شرعه من مثل (سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، ولا إِلَهَ إلا اللَّهُ، واللَّهُ أَكْبَرُ) يردد الإنسان هذه التسبيحة كلما تذكر، هي ثناء على الله، وتعظيم وتمجيد لله سبحانه وتعالى، تترك في النفس أثراً طيباً هو شعور بعظمة الله، وتذكر دائم لله سبحانه وتعالى. هناك أيضاً في دعاء الإمام علي (عليه السلام) أو في ما أثر عنه، وفيما أثر عن الإمام زين العابدين من هذا النوع، من الكلام الذي هو تمجيد لله الشيء الكثير، مناسب جداً أن يعود الإنسان إليه. فقط نحن نرى أنفسنا ندعو الله أدعية: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.. اللهم اقض حاجاتنا.. اللهم) أليس هذا هو ما يحصل؟. هذا يسمى دعاء،
هناك نوع آخر يسمى (تمجيد لله وثناء عليه)، هو عبادة مهمة ذات قيمة عظيمة، ولها أثرها فيما يتعلق بالنفس، في مقام معرفة الله سبحانه وتعالى واستشعار عظمته. فيما أثر عن الإمام زين العابدين في دعاء يوم عرفة قال (عليه السلام): (الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد بديع السموات والأرض ذا الجلال والإكرام، رب الأرباب، وإله كل مَأْلُوه، وخالق كل مخلوق، ووارث كل وارث، ليس كمثله شيء، ولا يعزب عنه علم شيء، وهو بكل شيء محيط،وهو على كل شيء رقيب. أليس هذا تمجيد أم هو دعاء؟ تمجيد لله وثناء على الله, وتعظيم لله. أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد المُتَوحِّد، الفرد المُتَفَرِّد. وأنت الله لا إله إلا أنت، الكريم المتكرم، العظيم المتعظم، الكبير المتكبر. وأنت الله لا إله إلا أنت العلي المتعال الشديد المِحَال. وأنت الله لا إله إلا أنت الرحمن الرحيم العليم الحكيم. وأنت الله لا إله إلا أنت السميع البصير القديم(2) الخبير. وأنت الله لا إله إلا أنت، الأول قبل كل أحد، والآخر بعد كل عدد. وأنت الله لا إله إلا أنت الدّاني في علوّه والعالي في دُنُوِّه. وأنت الله لا إله إلا أنت ذو البَهَاء والمجد، والكبرياء والحمد. وأنت الله لا إله إلا أنت الذي أنشأت الأشياء من غير سِِنِِخٍ(3)، وصوَّرت ما صورت من غير مثال، وابتدعتَ المبتدَعات بلا احتِذَاء، أنت الذي قدَّرت كل شيء تقديراً، ويسرت كل شيء تيسيراً، ودبرت ما دونك تدبيراً. أنت الذي لم يُعِنْك على خلقك شريك، ولم يؤازرك في أمرك وزير، ولم يكن لك مشاهد ولا نظير، أنت الذي أردت فكان حتماً ما أردت، وقضَيتَ فكان عَدلاً ما قضيتَ، وحكمت فكان نَصَفاً ما حكمت، أنت الذي لا يحويك مكان، ولم يقم لسلطانك سلطان، ولم يُعْيِك برهان ولا بيان. أنت الذي أحصيت كل شيء عدداً، وجعلت لكل شيء أمداً وقدرت كل شيء تقديراً. أنت الذي قصُرَت الأوهامُ عن ذاتيّتك، وعجزت الأَفهامُ عن كيفيتك، ولم تدرك الأبصار موضع أيْنِيَّتِك، أنت الذي لا تُحَد فتكون محدوداً، ولم تُمثَّل فتكون موجوداً(4)، ولم تلد فتكون مولوداً. أنت الذي لا ضد معك فيعاندك، ولا عِدْل فَيُكَاثِرَك، ولا نِدَّ لك فيعارضك، أنت الذي ابتدأ واخترع، واستحدث وابتدع، وأحسن صنع ما صنع. سبحانك ما أجل شأنك، وأسْنَى في الأماكن مكانَك(5)، وأصدع بالحق فرقانَك، سبحانك من لطيفٍ ما ألطفك، ورؤوفٍ ما أرأفك، وحكيمٍ ما أعرفك، سبحانك من مليكٍ ما أمنعك، وجوادٍ ما أوسعك، ورفيعٍ ما أرفعك، ذو البهاء والمجد، والكبرياء والحمد، سبحانك بسطت بالخيرات يدك(6)، وَعُرِفت الهداية من عندك، فمن التمسك لدين أو دنيا وجدك. سبحانك خضع لك من جرى في علمك، وخشع لعظمتك ما دون عرشك، وانقاد للتسليم لك كل خلقك، سبحانك لا تُحَسّ ولا تُجَس،
ولا تُمَس، ولا تُكَاد ولا تُمَاط(7)، ولا تُنازع، ولا تجارَى، ولا تُمَارَى، ولا تخادَع، ولا تماكَر. سبحانك سبيلك جَدَد(8)، وأمرك رَشَد، وأنت حي صمد. سبحانك قولك حُكم، وقضاؤك حَتْم، وإرادتك عزم. سبحانك لا رادّ لمشيئتك، ولا مبدل لكلماتك. سبحانك باهر الآيات فاطر السموات، بارئ النسمات). وهكذا الإمام زين العابدين يُمَجِّد الله سبحانه وتعالى بهذا الأسلوب الذي يشد النفوس نحو الله، يشد القلوب نحو الله سبحانه وتعالى، ومن خلاله تتعرف على معاني أسماء الله الحسنى، وتعرف سعة علم الله، ما أمكنك ذلك، وتعرف حكمته، وتدبيره، وقدرته. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يلهمنا رشدنا، وأن يعرفنا بأسمائه الحسنى، وأن يعرفنا من كماله ما يجعلنا نثق به، ونعتمد عليه، ونعتز به فنؤمن به ونقدس له. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،، ملحق بعد الدرس {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ}(النمل82) الناس الذين ما ينفع فيهم تذكير, ما ينفع فيهم عبر مما يحصل.. في الأخير ربما قد يكون قرب القيامة يخرج الله الدابة تنتشر في الأرض, وتنبئ الناس, تكلمهم. قد تقول لك مثلاً: أنت ثور, أنت غبي, لو يأتي حمار يكلمنا ألست تخجل أن يأتيك حمار يكلمك؟ أو أي حيوان آخر يكلمك؟ يقول: أنت غبي, أنت هيِّن, أنت ظلوم, أنت كفار, أنت كنت لا توقن بآيات الله. أليس الواحد يكاد يجن وهو يسمع هذا الكلام؟ وهذا فيه سخرية من الإنسان وهو أنه أنت في الأخير تصبح محط سخرية, لأن تسخر منك دواب الأرض, وأنت من جعل الله لك قلباً, وإدراكاً وفهماً واسعاً, وأنت من ترى كل شيء من العبر والدروس التي ستجعلك ستوقن بآيات الله ثم لا توقن. إذاً سيخرج الله من أرضه من يسخر منك: {تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} ما بقي إلا هذا بعد ما يرسل الرسل يبلغونا, وعلماء يرشدونا, وكتابه بين أيدينا يذكرنا كيف نوقن بآيات الله, في الأخير قد يخرج والله أعلم وكما تعني هذه الآية من يسخر منا واحداً واحداً, عندما تلقاك دابة الله أعلم كيف قد يكون شكلها. {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ} لا تدري إلا وهي أمامك تقول: أنت لا توقن بآيات الله, أنت بغل, بعبارات قد يكون فيها السخرية, يرى الناس أنفسهم بأنهم أصبحوا من تسخر منهم دواب الأرض عندما أعرضوا عن تذكير الله, ورسول الله, والمبشرين من عباده, المبلغين من عباده فلا يستفيدون بشيء, سيخلق ما يسخر منهم. واقعنا الآن هو واقع فعلاً أن نسخر من أنفسنا نحن, أن نسخر من أنفسنا لماذا لا نوقن بآيات الله؟ ما بالنا ترتعد فرائصنا وترجف قلوبنا ممن ليسوا بشيء أمام الله سبحانه وتعالى,
أمام جبروته وملكه وقدرته وعزته وقوته, نخاف سجونهم أكثر مما نخاف جهنم! نرغب في أشياء يعطونا من فتات ما لديهم أكثر مما نرغب في النعيم العظيم عند الله سبحانه وتعالى, نوقن بالأشياء التي تأتي على أيديهم أكثر مما نوقن بما بين أيدينا مما هو من عند الله. أليس هذا موقف سخرية؟ أن نسخر من أنفسنا؟ لاحظوا فعلاً لو تأمل الإنسان القرآن الكريم سيسخر من نفسه, وسيسخر من الناس, سنقول لأنفسنا: ما بالنا هكذا؟! أنت تسخر من كل زعماء العرب عندما يقرأون هذه الآية, أو يسمعونها ثم لا يلتفتون إليها وإنما يبحثون عن السلام من أمريكا! الله يقول لنا: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ}(الحشر23). هل يمكن أن تصف رئيس أمريكا بنصف هذه الصفات؟ لا يمكن. ثم يضع لهم أمثلة أيضاً من واقع الحياة؛ لأن الله رحيم, رحيم بعباده يقول لهم: وشاهدوا أولئك الذين التجأوا إليَّ كيف هم أعزاء أقوياء, ألم يشاهدوا حزب الله كيف يضرب إسرائيل هذه التي يحاولون أن نصمت عنها؟ يضربها وهو لا يبالي, ويتحدونها من عند رأسها وهو لا يبالي, يمطرون معسكرات إسرائيل بالقذائف!. أليس هذا أيضاً من الشواهد الحية على أن من اعتصم بالله فإنه اعتصم بمهيمن عزيز جبار متكبر, وكل هذا لم ينفع لا آيات قرآنية, ولا شواهد كونية, لم يبق إلا أن تقوم الحمير, وتكلم الناس, وتسخر منهم, أو ربما تكون دابة شكلها والله أعلم ربما بالشكل الذي يرى الإنسان نفسه في خزي أن تحدثه مثل تلك الدابة, وتسخر منه وتقول له: أنه كان بآيات الله لا يوقن, الله أعلم في أي زمان قد يحصل هذا.