سوريا: “العودة الصاروخية” الى ساحة المعادلات
الصاروخ السوري الذي انطلق ليل الثلاثاء الماضي نحو الكيان الإسرائيلي، لا يدخُل حصراً ضمن الردّ العسكري وحسابات الردع وتوازن الرُعب، بقدر ما أصاب مقتلاً من طبيعة الشعب الصهيوني الذي اعتاد الحياة الآمنة فيما طيران عدوانه يقصف العُمق العربي.
بدا هذا الصاروخ وكأنه راجمة غضب على نحو 250 ألف إسرائيلي تأثروا بالردّ السوري على غطرسة العدوان الجوي المُتمادي، ومستوطنو الخضيرة وقيصرية وزخرون يعقوب وأور عقيفا وبنيامينا، شعروا بالهزة الناجمة عن هذا الصاروخ وقوَّة انفجاره الهائلة، فيما انتشرت في الأجواء رائحة البارود على مدى ساعات، وسط ذهول من الآتي الأعظم، سيما وأن تجارب هذا الشعب قاسية عليه، سواء مع صواريخ المقاومة التي انطلقت من لبنان أو من قطاع غزَّة وحققت الإنتصارات في مكان وفَرَضت وقف إطلاق نار في مكانٍ آخر.
كل ترسانات “إسرائيل” والدروع الصاروخية والقبب الحديدية، أثبتت أنها ليست بذات جدوى، سواء كانت بمواجهة صواريخ حزب الله بمختلف تشكيلاتها وقياسات مداها، أو صواريخ قطاع غزة التي صُنِعَ بعضها محلياً في وِرَش حدادة، أو من سوريا التي زوَّدتها روسيا بالصواريخ اللازمة خلال السنوات الماضية، لأن هذه الترسانات الى جانب كونها غير ضامنة بالكامل لردع الصواريخ، ليست ضامنة على الإطلاق بأن هؤلاء المستوطنين الذين “استوردتهُم” “اسرائيل” من كل مناحي الأرض لإحداث توازن ديموغرافي عنصري بوجه الفلسطينيين، سيكون لديهم يوماً الإنتماء الوطني الذي يمتلكه اللبناني والسوري والفلسطيني في أقسى وأقصى ظروف المواجهة بدماء الشهادة.
وأهمية هذا الصاروخ السوري، تكمُن صُدفةً، في توقيت إطلاقه، لأنه حَمَل الرسائل في كل الإتجاهات:
– الى أميركا التي أعلن رئيسها دونالد ترامب سحب قواتها من سوريا بعد أن زعم انها “أدَّت واجبها” في الإنتصار على داعش، مما استدعى ردوداً أوروبية خاصة من فرنسا وبريطانيا، أبدت استهجانها من السيناريو الذي ابتدعه ترامب لتغطية خيبته في سوريا، لأن داعش لم يتم القضاء عليه بعد. وهذا السيناريو الذي تسبَّب في استقالة وزير “الحرب” الأميركي جيمس ماتيس في اليوم التالي لإعلان ترامب، مع حصول إرباكات في الكونغرس، لم ينجح ترامب في إيجاد إخراجٍ له عبر زيارته السرِّية لقواته في العراق، وإعلانه عن عدم وجود خُطط لِسَحبها من هناك في الوقت الحاضر، وهو العالِم بأن نهايتها لن تكون أفضل من نهايات كل وجود عسكري أميركي عدواني منذ الغرق في مستنقع فيتنام حتى زمن التمرُّغ بِوحُول الشام.
– الى العرب سواء عبر ما تُسمَّى الجامعة العربية التي أقصَت سوريا عن تلك القِمَم ومقرراتها الورقيَّة، أو عبر “حلف التِيجان” المُسمَّى مجلس التعاون الخليجي، الذي نَعَاه أحد المُستشارين الإعلاميين لولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعد قِمَّة الرياض الأخيرة، رُبما لأن الرياض خَسِرت والى الأبد الزعامة الفارغة على الدول الخليجية، ورُبما لأنها تلقَّت صفعةً مدوِّية من صمود الشعب اليمني، وفشل حصار قطر و”الرُبما” المؤكَّدة أن النظام السعودي الذي جاهر ترامب بأنه ضمان بقاء الكيان الإسرائيلي، لن تفعل شيئاً صفقات أسلحته مع أميركا، حتى في حماية نظامه التكفيري وعرشه المُخلَّع، نتيجة تداعيات “منشار الخاشقجي” على الداخل الشعبي وعلى البيت الداخلي لأصحاب “السموّ الملكي” الذين وَصَفُهم المُعارض السعودي الدكتور سعد الفقيه بالجُبناء بامتياز، لأن مَن لم يجرؤ على الإنتفاض على أسر الأمراء وتعنيفهم وسلبهم أموالهم في فندق الريتز من قِبَل محمد بن سلمان، ليست لديه الجرأة حتى الآن على قَلب محمد بن سلمان وإبعاده عن العرش لإنقاذ ما تبقى من أشلاء لِسُمعة مملكة الإرهاب.
– الى العائدين لفتح سفاراتهم في دمشق كما حصل منذ يومين بعودة العلاقات الديبلوماسية بين سوريا والإمارات، والى البلدان التي يُنتظر أن تُعِيد فتح سفاراتها في العاصمة السورية، إضافة الى الوفود العربية والأجنبية التي تتقاطر الى سوريا في اعترافِ منها بانتصارها مع حلفائها على أشرس حرب إرهابية كونيَّة عليها، فإن الصاروخ السوري حَمَل رسالةً أيضاً الى المهزومين المُكابرين وفي طليعتهم المملكة السعودية، التي بدأت بنحر “كِباش الفداء” بدءاً من مُجرم العدوان على اليمن أحمد العسيري الذي يُعتبر من ضمن مجموعة قتل جمال خاشقجي، ووصولاً الى عزل وزير الخارجية عادل الجُبير وتخفيض رُتبته الى وزير دولة وتعيين إبراهيم العسَّاف بدلاً منه، في إجماعٍ من المُتابعين، أن ذنب الجُبير أنه عَجِز في الدفاع ديبلوماسياً عن تغطية جريمة المنشار، خاصة أمام الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي، وربما يكون ذنبه الإضافي أنه كان رمز الخيبة السعودية في العدوان على اليمن وفي حصار قطر والهزيمة الماحقة للمملكة في سوريا..