صيد الطائرة!
بقلم |سكينة المناري
أتى الليل يسحب خيوطه والظلام يتكدس على الأرض بغزارة، الفضاء بحر خضم مترامي الأرجاء إلا أنه ساكن الحركة هادئ الضجيج ، عشش صغيرة في تلك محافظة “الحديدة”عروس البحر الأحمر ، يسكن فيها أناس قلوبهم كبياض الثلج لا يحملون حقداً أو كرها..ً
في عشة صغيرة لا يرى فيها الداخل غير ضوء”نوّارة” ضئيل يحاول تمزيق قطع الظلام المتكاثفه حولها ، هنا الناس البسطاء لم تصل إليهم خدمات حكومية من ماء وكهرباء وغيرها إلا أنهم يعيشون رغم بساطة عيشهم براحة نفسية مطلقة وهدواة بال وتراحم وتآخي لن تجده في أحد غيرهم ..
في تلك العشة الصغيرة المبنية من سعف النخيل ، ترى” سرير” صنع من أعواد النخيل الباسقة، وأثاث مهترئ ، ثلاث طفلات يبدو على ملامحهن الجوع وطفلان اضطجعا إلى النوم وعلى مقربة منهم امرأة صفراء شاحبة جاثية على ركبتيها فوق سجادتها تصلي وتبتهل وتدعوا الله بصوت خافت متهافت أن يرد لها زوجها سالماً وكان قد خرج كعادته لصيد السمك ولم يعد
ترجو أن يعد وقد حمل بين يديه ماتجود به خيرات البحر فالجوع قد أصبح هو المسيطر على أطفالها
يروادها شعور القلق تجاه زوجها الذي تأخر عن العودة ، مضطربة قلقة لقد ذهب جارهم في الأسبوع الماضي لصيد السمك وعاد جثه هامدة جراء قصف طائرات العدوان لزوارق الصيادين وبقيت أسرته وحيده دون معيل
هي بدورها قد حاولت منع زوجها من الذهاب لكنه رفض البقاء فأن يقصف ويموت وهو يكد للعيش خير له من أن يقصف ويموت وهو يحتظر من الجوع مع وأولاده ..
تتسائل في عقلها ماذا اقترفنا كي تعاقبنا هذه الطائرات وتفزعنا من نومنا وتأخذ منا أهلنا وأرزاقنا !
ماذا اقترفنا حتى تلاحقنا بصواريخها وراجماتها الملتهبه!
وإنها لكذلك حتى أزّت الطائرة وحنّت حنيناً قوياً جعل أجزاء “العشه” تهتز فطار الأطفال فزعاً ورعباً إلتموا حول أمهم المسكينة التي بدى عليها الخوف والرعب وهي تجاهد إلا تظهره على وجهها حتى سمعوا انفجار كبير تهاوى قلب الأم وخفق بشدة خفقات يكاد يخرج من بين أضلعها ..
حتى ذهب أزيز الطائرة تحاملت نفسها وخرجت وليتها لم تخرج لتسمع ذاك الخبر الذي خشيت أن تسمعه!
بكت وندبت وهرعت إلى الشاطئ ، شاهدته تتقاذفه الأمواج وهو مضرّج بالدماء وشظايا الصاروخ قد غرّزت في جسده ، لم يصطاد السمك الذي كان يظن أنه سيصبح طعاماً له ولأولاده بل أصبح هو صيداً لطائرة الإجرام السعودي الأمريكي التي تأتي بين الحين والآخر لتلتهم الكثير من الصيادين الذين لا حول لهم ولا قوة إلا هذا البحر الذي أصبح أنيسهم ورزقهم
تقف الأم على الشاطئ أمام هذا العالم المفترس المتوحش، لقد أخذتوا فلاذات أكبادنا وأزواجنا وأرزاقنا لكنكم لم تأخذوا منا إيماننا وهويتنا ستبقى الأرض أرضنا وسنبقى نحن أهلها مهما تكالبتم.