الخبر وما وراء الخبر

شتاء المجاهدين

51

بقلم | سكينة المناري.

لا تزهُ أحرفنا إلاّ بالحديث عنهم ولا تنتشِ أرواحنا إلاّ بذكر سجاياهم وبطولاتهم التي عبرت المحيطات وتجاوزت رقعة أرض اليمن، يرابطون على الثغور في الحرّ والقرّ ليس عندهم نزهة إلا نزهة لقاء العدو، لا يتركوا متارسهم مهما اشتدت الظروف فقد أصبحت شيئاً منهم، فيها أسرار صمودهم، وأحاديثهم وذكرياتهم التي حُفرت على جدار الحرية والعزة بعد رحيلهم ..

إذا اشتد البرد وحل الشتاء أوينا إلى فراشنا، وتلحفنا الصوف وأشعلنا موقد النار ولكن دون فائدة.

لانستمد دفئنا إلا منهم حين نسمع ونشاهد انتصاراتهم هنا وهناك، أما هم إذا هلت الأجواء برداً وصقيعاً، وأوت الأعداء إلى أوكارها والوحوش إلى أحجارها قضوا في متارسهم وجبهاتهم على ضوء ضئيل يقرأون القرآن وما تنفك ألسنتهم بالدعاء والتسبيح والإستغفار وأجسادهم ترتجف من البرد الذي ينفذ إلى عظامهم بشدة.

يأخذون وقتاً قليلاً من الإستراحة، فيقص ذاك المجاهد كيفية التحاقه بالجبهة وكم لاقى من التخويف والترهيب من قبل أقارب له!.

وذاك يقص لهم كيف كانت نظرته للدنيا نظرة قاصرة وكيف أصبحت بعد أن عرف هدي الله وطريقة الحق ويحمد الله أن سلك هذا الطريق!.

وذاك يحدثهم حديث الألم على هذه الأمة التي مازال من أبنائها تائها ضائعاً لا يعرف طريق السبيل ويحسب أنه على الطريقة المثلى والصراط المستقيم !
وذاك يطربهم بصوته الحماسي بزوامل “عيسى الليث” فتنشرح أفئدتهم وترتفع معنوياتهم ويتأجج شوقهم لخوض المعركة.

تجري بينهم الأحاديث وخارج مترسهم الرياح تعوي عواءً مخيفاً والصقيع يتدفق على أجسادهم كهطول المطر وينفذ إلى عظامهم كوخز الإبر .

يحمدون الله أن منحهم مقاومة هذه الأجواء الباردة والعصيبة في متارسهم ويثنون على الله أن اصطفاهم من غيرهم بأن أتى مثل هذه الظروف وهم في جبهاتهم ليكتسبوا أجر المعاناة ضعفين، ثم لا تلبث ألسنتهم أن تخالط أجفانهم وقد انقسموا مجموعتين، مجموعة ترابط في عتمة الليل وتكون يقضة من هجمة عدو قد يغدر ويزحف عليهم في حين غفلة، ومجموعة تأخذ قسطا من النوم ليأتي دورها الصباح، ينسلون إلى مضاجعهم وينامون نوماً هادئاً ساكناً لا قلق فيه ولا اضطراب رغم شدة البرد والصقيع، تحدث شبه معجزات في تلك محاريبهم المقدسة، إذا عزم العدو على الزحف ويكاد يصل إليهم أتت رياح شديدة جداً تُيقضهم وكأنها مرسلة من الله تخبرهم أن العدو قادم إليهم، ينهضون نهضة ليس فيها تكاسل أو تباطئ فيشاهدوا العدو قادم من وكره إليهم..

إذا نزل بأحدهم نازلة مرض أو سقط جريحا، أو وقع في أيديهم أسيراً جريحاً أثناء المواجهة رأيتهم قد أحاطوا به وبسطوا عليه جناح عطفهم ورحمتهم وكأنما قد أصيبوا من دونه بالذي أصيب به يجارحونه ويمارضونه حتى رأيته متشافياً متعافى..

يصحون قبل آذان الفجر لتطبيق البرنامج اليومي يسبحون ويستغفرون ويصلون ويتلون القرآن خاشعين والروحانية تسري في قلوبهم كنسمات هادئة تسلل من على الشاطىء، حتى تشرق شمس الصباح وتبسط خيوطها فيأخذو منها ما يشعرهم بالدفء.

يدرسون الخطط ويحكمون زرع العبوات الناسفة والألغام وتعتلي أكتافهم الهاونات والقذائف فإذا صقل العدو عليهم أطلقوا وفجروا ما زروعوه في طريقه وسددوا رمياتهم الحيدرية فيولي العدو مهزوماً مرعوباً ..

إيمان راسخ في أعماق قلوبهم حتى يخيل إليك أن الفضاء والأرض التي بين أيديهم إنما هي معبد مقدس يصلوا لله في أي بقعة من بقاعها شاؤو ويروا الله في أي مطلع من مطالعه أرادوا وكأن الأرض بين أيديهم آيات تتجلى ومعجزات تتحقق.

بفضلهم ننعم بالأمن والإستقرار ونشعر بالدفء والأمان، على أيديهم تسحق الطغاة وينسج النصر خيوطه في سمائنا كل يوم.