إحياء ذكرى المولد النبوي.. السؤال المتجدد
بقلم/ إبراهيم السراجي
مظاهرُ الاحتفاء بذِكْـرَى المَـوْلِـد النَّبَوِيّ الشريف التي تتسعُ في اليمن في كُــلّ عام تبعَثُ على الفخر، وتثبت أن الكثيرين قد تخلّصوا سريعاً من الأفكار الوهّابية التي غزت اليمن بالمال السعوديّ وتواطؤ النظام السابق، والأمر ينطبقُ نسبياً على الدول العربية التي إما حافظت على نقاءِ دينها وتحصّنت من الوَهَّـابية أَوْ تلك التي بدأت تثور على هذا الفكر الدخيل.
لكن وبفعل تأثيرات الوَهَّـابية، ما نزال في كُــلّ عام نسمعُ أصواتَ بعض الجهات الدينية ومَن يسمّون بـ “الدعاة” الذين يجّددون فتاواهم التي تحرِّمُ الاحتفاءَ بذِكْـرَى المَـوْلِـد النَّبَوِيّ وتعتبرُه بدعةً، وكثيرٌ من تلك الأصوات يستندُ في فتواه “المسيَّسة” إلى أن الرَّسُـوْلَ لم يجز ذلك، وهي فتوى تثيرُ السخرية، إذ أن تكريمَ الرَّسُـوْل هو حقٌّ له على المسلمين وحقٌّ للمسلمين أن يحتفوا بذِكْـرَى مولد رَسُـوْل أخرجهم من ظلمات الجاهلية وحمل إليهم رسالةَ أعظم دين وهو دين الإسْـلَام.
الغريبُ أَوْ بالأصح “الأمر الفاضح” هو أن تلك الأصواتِ تنتظمُ دائماً في كُــلّ عام على تجديد تلك الفتوى التي تحرّمُ الاحتفالَ بذِكْـرَى المَـوْلِـد النَّبَوِيّ، هي نفسُها الأصواتُ التي تغيبُ كلما حان موعدُ إقامة المهرجانات السنوية التي تقامُ في كثير من الدول العربية التي تستمرُّ لعدة أيام وتقومُ على استضافة مطربين ومطربات لإقامة الحفلات الغنائية الراقصة مثل ما يسمى “مهرجان جَرَش” أَوْ “مهرجان قرطاج”… إلخ من المهرجانات التي تُبَثُّ على الهواء عبر عشرات القنوات الفضائية، فهل يمكن أن تخرج تلك الجهات أَوْ أولئك الدعاة ليقولوا هل إقامة تلك المهرجانات يُجيزُها الإسْـلَام؟!
إنَّ ذلك التساؤُلَ أَوْ السؤالَ لن يحظى بإجابة من قبل تلك الجهات، لكنه يكشفُ حقيقةَ أن الإفتاء بحُرمةِ إحياء ذِكْـرَى المَـوْلِـد النَّبَوِيّ يجري فيها توظيفُ الدين أَوْ بالأصح تشويهُ الدين للحيلولة بين الأمة الإسْـلَامية وأعْلَامها، على رأسهم الرَّسُـوْل محمد صلى الله عليه وعلى آله، خصوصاً إذَا ما شهد الملأُ على تغير تلك الفتاوى بحسب رغبة الحاكم.
تطويعُ الفتوى بحسب هوى الحاكم تجلَّى في إحْـدَى صوره في 14 فبراير الماضي عندما خرج مَن يسمون أنفسهم بـ “الدعاة” إلى شوارع الرياض وجِدّة السعوديّتين ليوزعوا الورودَ على المارَّة بمناسبة ما يسمى “عيد الحب” الذين كانوا أنفسهم يحرّمونه وعادوا عبرَ القنوات السعوديّة الفضائية ليفتوا بعدم حُرمة المشاركة في “عيد الحب” هذا.
قد يكونُ استعراضُ تناقض الفتاوى الوَهَّـابية مفيداً لمعرفة كيف تتمُّ عمليةُ تطويع الفتوى، إلا أن تأثيرَ الوَهَّـابية بات في تراجُعٍ كبيرٍ سواء في اليمن عقب ثورة 21 سبتمبر وخلال أعوام العدوان وفي الدول العربية والإسْـلَامية، وهو ما يتجلى في اتّساع رقعة المشاركة في إحياء ذِكْـرَى المَـوْلِـد النَّبَوِيّ، وهو في الحقيقةِ عودةٌ عربية إسْـلَامية إلى ما كانت عليه قبل أن تغزوَ الوَهَّـابيةُ بالمال السعوديّ المجتمعاتِ العربيةَ والإسْـلَامية.