تدهور قيمة العملة اليمنية وانهيار الاقتصاد الوطني.. الأسباب والحلول
*في مواجهة الحرب الاقتصادية:
ذمار نيوز | الثورة / نبيهة محضور 28 صفر 1440هـ الموافق 6 نوفمبر، 2018م
يوم تزداد الأوضاع في اليمن سوءاً فخلال الأشهر الماضية وحتى اليوم تشهد اليمن أزمة اقتصادية خانقة تمثلت في تدهور العملة اليمنية حيث وصلت إلى أدنى مستوياتها مقابل العملات الأخرى وخاصة الدولار الأمريكي والريال السعودي إضافة إلى ارتفاع أسعار المشتقات النفطية وارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية في ظل انقطاع رواتب الموظفين، الأمر الذي أثر على حياة المواطن اليمني وأدى إلى انخفاض المستوى المعيشي للعامة إلى ما دون خط الفقر مخلفا آثاراً صحية واجتماعية واقتصادية تنذر بكارثة إنسانية في اليمن .
فما هي أسباب انهيار الاقتصاد الوطني وماهي الحلول والمعالجات والسياسات المالية والنقدية التي يجب على الحكومة اتخاذها لانقاد الوضع والوصول إلى التعافي الاقتصادي خاصة في ظل ظروف الحرب على بلادنا واستخدام العدوان للورقة الاقتصادية كسلاح في الحرب والعدوان ؟
هذا ما سنعرفه من خلال التحقيق الذي أجريناه مع نخبة من الخبراء المختصين في السياسة والاقتصاد:
العدوان السبب
الخبير الاقتصادي الدكتور / عبدالعزيز الترب- مستشار مجلس الرئاسة أرجع السبب الرئيسي في انهيار الاقتصاد الوطني إلى العدوان والحصار وانتقاله إلى الحرب الاقتصادية بمختلف أشكالها وأنواعها بعد فشله في أكثر من جبهة ، إضافة إلى طباعة وإنزال الأوراق النقدية للمضاربة بها في السوق وشراء العملات الأجنبية الأخرى وتهريبها للاستثمار بالخارج على حساب المواطن ومعاناته.
مشيرا إلى أهمية تنظيم البيت اليمني من الداخل من خلال الاسراع في هيكلة الحكومة وتقليص حقائب حكومة الانقاذ الوطني الى (15)حقيبة وزارية وذلك لترشيد النفقات المالية.
وأكد الدكتور الترب على ضرورة تشجيع الاستثمار في القطاع الزراعي ومنع دخول الفواكه أو استيرادها وكذا منع استيراد السلع والمنتجات الكمالية وتشجيع المنتجات المحلية الصنع واعادة تنظيم المصالح الايرادية وتبسيط الاجراءات اللازمة ومنح الحوافز لتحصيل المتأخرات مع فرض الرقابة على النقد الأجنبي واعادة النظر في تراخيص مهنة الصرافة واغلاق مكاتب من يزاول مهنة الصرافة بدون ترخيص مع مصادرة مافيها من أموال .
مؤكدا على أهمية إحالة ملفات الفساد للنيابة العامة مع ما تقدم من الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة في محاكمات علنية وتطبيق مبدا الثواب والعقاب وفرض هيبة الدولة ومحاسبة كل مسؤول لا يحترم الأطر العليا او يعتبر نفسه فوق القانون والمساءلة .
وأضاف: يجب تشجيع الدبلوماسية الشعبية وقطع العلاقات الدبلوماسية مع دول العدوان وإلغاء اتفاقية الطائف واتفاقية جدة طالما والعدوان مستمر .
مع أهمية العمل بالنقاط الـ (12 ) ومصفوفة المعالجات المحددة من قبل قائد الثورة وتنفيذ الخطط التنفيذية لشعار (يد تحمي ويد تبني ) الذي أطلقه الشهيد الرئيس الصماد.
ايقاف التلاعب
من جانبه اشار الدكتور أحمد الاكوع استاذ السياسة والاقتصاد في جامعة ذمار الى أن أهم أسباب انهيار الاقتصاد الوطني وخاصة ارتفاع سعر الدولار وانخفاض القيمة الشرائية للعملة المحلية يعود بعد الحرب والعدوان المفروض على بلادنا إلى زيادة الطلب المستمر على الدولار من قبل التجار والمضاربين والمتلاعبين في اسواق العملة الاجنبية دون وجود الرقابة الفاعلة.
كذلك اعتماد المجتمع اليمني على الاستهلاك الخارجي من خلال استيراد كل الاحتياجات من الغذاء والكساء والدواء والسلع الاخرى الكمالية والنصف مصنعة ومواد البناء والمواد الزراعية من البذور والمبيدات بأنواعها واشكالها واعلاف الحيوانات سواءً أعلاف الابقار الدواجن إلخ من السلع والمواد التي لا عد لها ولا حصر
ويضيف : لاستيراد كل ما ذكر يتطلب احتياطياً كبيراً متوفراً في البنك المركزي لفتح الاعتمادات وتلبية الطلب المتزايد على العملة الاجنبية لاستيراد كل ماذكر من السلع وفي ظل تجفيف منابع العملة الاجنبية من الاحتياطي واستنفادها كذلك في ظل منع اليمن من تصدير موارده الطبيعية من النفط والغاز والذي أدى ذلك الى شحة في العملة الصعبة وارتفاع قيمتها على حساب العملة المحلية.
اما على صعيد الداخل اليمني فأشار الدكتور الاكوع إلى أن ارتفاع اسعار المشتقات النفطية وخاصة البترول والغاز والديزل أدى الى زيادة اسعار السلع الغذائية التي يعتمد انتاجها على تلك المشتقات فضلا عن ارتفاع اسعار المواصلات العامة والخاصة ومنها اسعار السلع الكمالية الاخرى التي تشحن من الموانئ الى المناطق الاخرى في ظل منع الدولة من تصدير البترول والانتفاع بعائداته.
واكد الدكتور احمد الاكوع أن هناك مجالاً واسعاً لاتخاذ رزمة من السياسات النقدية والمالية لوقف تدهور الاقتصاد وكبح جماح التضخم إلا انه في ظل استمرار الحرب ووجود كيانين سياسيين (حكومتين ودولتين في بلد واحد) يسعى كل منهما الى افشال جهود الآخر وتحميل انهيار الاوضاع الاقتصادية على بعضهما البعض يعرقل تنفيذ اي إجراءات وتدابير اقتصادية لوقف هذا التدهور.
والحل الحقيقي يتمثل في العودة للمفاوضات ولم الشمل وأن تضع الحرب أوزارها وتشارك كل الاطراف والقوى السياسية في حكومة وطنية تنقذ البلد من أخطر انهيار اقتصادي حل به. وينذر بكارثة حقيقية لو استمرت الحرب.
انقسام
اما الدكتور عبدالله العاضي أستاذ الاقتصاد المساعد بجامعة عمران فقد أوضح ان هناك ثلاثة مؤشرات لأسباب التدهور الاقتصادي وخاصة انهيار الريال اليمني أمام العملات الأخرى وهي الخصائص الرئيسية للاقتصاد اليمني التي انعكست دوما على الوضع الاقتصادي والمتمثلة في عجز العرض الكلي للسلع والخدمات لتلبية الطلب الكلي لتلك السلع والخدمات اضافة الى العجز المزمن في الموازنة العامة للدولة في الحكومات المتعاقبة وكذلك العجز في الميزان التجاري .
إضافة إلى أن الأحداث السياسية والعسكرية التي ظهرت منذ مطلع العام 2011م ساهمت في تفاقم الاختلالات البنيوية للاقتصاد اليمني حيث تراجع معدل نمو الناتج الحقيقي إلى معدلات سالبة .
وأشار الدكتور العاضي إلى أن الجانب الثالث يتمثل في العدوان العسكري والاقتصادي الذي تشهده اليمن منذ أربع سنوات من قبل تحالف العدوان بقيادة المملكة العربية السعودية والذي ترتب عليه تدمير شامل للبنية الاقتصادية سواء بالاستخدام المباشر للسلاح واستهداف البنية الاقتصادية أو باستخدام سلاح النقد والمضاربة بالعملة الأجنبية أو الحصار المفروض على بلادنا وعدم تصدير موردي النفط والغاز اللذين يعدان الموارد الرئيسية للنقد الأجنبي، الأمر الذي تسبب في تفاقم الاختلالات البنيوية للاقتصاد اليمني وساعد في مضاعفة الأعباء الاقتصادية .
وأكد أن الجانب الرابع يتمثل في سوء إدارة وانقسام السلطة النقدية .
حيث أشار إلى أن العدوان الدولي على بلادنا نتجت عنه الصراعات العسكرية الداخلية في اليمن والمدعومة بقوى خارجية أدت إلى انعدام قدرة الاقتصاد وتراجع في نمو الناتج الحقيقي حيث وصل أعلى معدل له عام 2015م إلى ( 30 %) وبلغ عجز الموازنة في نفس العام ( 900 ) مليار ريال في حين وصل عجز الميزان التجاري إلى أعلى قيمة له ( 6405.9) مليار دولار عام 2016م مما أدى إلى تغيير سلبي في معدلات التضخم وأسعار الصرف سواء على مستوى السوق الرسمي أو السوق الموازي .
إضافة إلى انقسام السلطة النقدية ونقل البنك المركزي من العاصمة صنعاء إلى محافظة عدن في إطار الصراع السياسي والعسكري مما أدى ذلك مزيد من الضعف في السيطرة على السياسة النقدية تمثل في ظهور سوق سوداء للمضاربين بالعملات الأجنبية وطباعة نقد إضافي من العملة المحلية دون توفر حماية اقتصادية من قبل السلطة النقدية في محافظة عدن مما ساهم بشكل كبير في تدهور الوضع الاقتصادي سواء كان على مستوى البيئة الإنتاجية أو البيئة النقدية .
أما عن الحلول والمعالجات من وجهة نظره فأكد الدكتور العاضي على أهمية الاستخدام الأمثل لموارد النقد الأجنبي من خلال تحديد حجم الطلب والعرض من قبل وزارة الصناعة والتجارة مع العمل على الحد من استيراد الكماليات وأهمية الترشيد في استخدام المشتقات النفطية وتحفيز الإنتاج المحلي والبحث عن سلع بديلة للمستوردات .
منوها بأهمية تفعيل دور مؤسسات الدولة وبخاصة البنك المركزي ووزارة التجارة والصناعة والجهات ذات العلاقة مع أهمية السعي نحو التكامل الاقتصادي الإقليمي بدلا من التسوية السياسية التي طال أمدها .
أما على صعيد الحلول السياسية فأكد الدكتور العاضي على ضرورة السعي الجاد لتوفير مرونة سياسية عالية على المستوى الداخلي والخارجي والتوجه نحو العدالة الاجتماعية باعتبارها ركيزة أساسية للحكم والتوجه الجاد نحو العمل المؤسسي والفصل بين السلطات .
وبالنسبة للمعالجات في الجانب الاجتماعي والعلمي فقد أكد الدكتور العاضي على أهمية الاهتمام الجاد من قبل أجهزة الدولة بالمواطن من حيث ( الأجور والمرتبات والخدمات التعليمية والصحية ) والعمل على تحقيق السلم الأهلي داخل المجتمع اليمني والسعي الحثيث لتطبيق سيادة القانون مع الأخذ بعين الاعتبار الاعتماد على الأسس العلمية في اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية على المستويين الداخلي والخارجي والاستفادة من الكفاءات البشرية وتفعيلها ودعمها بعيدا عن أي اعتبارات أخرى .
المساءلة والشفافية
وأوضحت الخبيرة الاقتصادية الدكتورة بشرى راوية انه وللوصول للتعافي الاقتصادي ينبغي معالجة الفجوة بين الاغاثة والتنمية من خلال إعطاء الأولوية للأنشطة الاقتصادية ذات الأثر الكبير على النشاط الاقتصادي والعمالة وإيجاد فرص وأنشطة لتوليد الدخل ومعالجة البطالة والاهتمام بإعادة بناء رأس المال الاجتماعي .
وأكدت على أهمية بناء المؤسسات لتعزيز الإدارة الاقتصادية السليمة وخاصة الإدارة المالية بما في ذلك نظم تحصيل الإيرادات والنظم المصرفية مع تفعيل دور المؤسسات التي تضمن المساءلة والشفافية مثل منصب النائب العام والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وهيئة مكافحة الفساد وتشكيل لجان متخصصة للإشراف على إعداد وتنفيذ الميزانية .
لافتة إلى ضرورة الاهتمام بتدريب وتأهيل الكوادر البشرية لتكون قادرة على وضع السياسيات وتقدير الاحتياجات وتخطيط البرامج والأنشطة لتساهم في مختلف جوانب التنمية واستقطاب الكفاءات اليمنية للاستفادة من قدراتهم ومهاراتهم وتشجيع الشراكة بين المنظمات المحلية والدولية الضالعة في أنشطة التنمية الاجتماعية –الاقتصادية .
مشيرة إلى أهمية إعادة تأهيل وتنمية القطاعات الاجتماعية الرئيسية مثل الإسكان ،الطاقة ، الماء ، الصحة وإتاحة وصول السكان لخدماتها ، مع التركيز على الانضباط المالي وانضباط الميزانية في إدارة الموارد العامة .