الخبر وما وراء الخبر

مناجاة

62

بقلم || زينب الشهاري

تأمل الأوراق المهترئة وقلبها بيديه المتسختين، إنها أجمل لحظاته بعد يوم شاق من التعب، أسرع نحو إحدى البقالات، أخذ يحدج ببصره في أصناف الأطعمة ذات الأغلفة الملونة الجذابة الموضوعة على الرفوف لبرهة، انتبه إلى صاحب البقالة يناديه ألقى ابتسامة فاترة عليه وأخذ كيسه على مضض وواصل طريقه، كانت الرياح تلفح جسده ولم تمنع ثيابه الخفيفة المليئة بالثقوب إحساسه بالبرد الذي جمد أطرافه، أسرع في خطاه عله يطوي تلك المسافة الطويلة، ها هو يصل أخيرا، ما إن سمع الأطفال وقع الأقدام حتى هبوا من فورهم يستقبلون القادم، أخذ الصغار يبطشون الكيس من يد أبيهم في لهفة، نهرتهم الأم وأخذت الكيس منهم، نظرت داخله و علا البؤس تقاسيم وجهها الذي حاولت إخفاءه وراء ابتسامة خافتة، وجهت لزوجها كلمات الامتنان و الشكر و علمت بأنها ستبيت ليلتها جائعة كسائر الأيام الماضية، قسمت أرغفة الخبز على صغارها الذين أكلوه بنهم شديد فلقد كانوا في انتظار هذه اللقيمات لساعات طوال، بسط الأطفال أجسادهم الهزيلة على الأرض واقتربوا من بعضهم علهم يشعرون بالدفء، غطتهم الأم ببقايا البطانية المهترئة في حنان وسرعان ما غطوا في النوم.

وكالعادة أخذ زوجها يجملها بالصبر ويواسيها بأنها شدة وستزول وأيام عصيبة سيعقبها الفرج…

عادت بها ذاكرتها إلى الماضي تذكرت منزلها الريفي البسيط الذي كان بالنسبة لها قصرا رغم بساطته، تلك المزرعة الصغيرة التي كان يعمل بها زوجها و التي كانت الرافد لهم بأصناف الخضار الطازجة ومصدرا للعيش والبيع، عيش هانيء ممزوج براحة بال وسعادة كبيرة، كل ذلك تحول في غمضة عين إلى كابوس بشع خانق.

كان هروبا من موت محقق حين أرسلت طائرة العدوان صاروخا حول بيتهم إلى خراب و أحرق مزرعتهم و نجوا من ذلك بأعجوبة، و حينها بدأت مسيرة العذاب ورحلة البحث عن مأكل ومأوى، لجأوا إلى إحدى المدن حيث استطاعوا وبشق الأنفس إيجاد غرفة تأويهم واستطاع الأب إيجاد عمل بسيط يجلب عليه القليل من المال والذي بالكاد يسد به رمق أطفاله الجوعى.

غفت الأم بينما قضى الأب ساعات ليله يؤرقه التفكير بالغد و هو يتأمل في ألم وجوه أطفاله الأحباء ووجه زوجته الغالية الذي اعتلاه الشحوب واتشح بالحزن.

حينها وكالمعتاد رفع يديه نحو السماء وبدأ بمناجاة ربه والشكوى إليه، فسرت طمأنينة عجيبة في قلبه وسكينة في روحه كأنما تقول له (وبشر الصابرين).