الخبر وما وراء الخبر

أيها العزيز

68

بقلم || زينب الشهاري

نشعر بأنفاسك المظطربة، نسمع دقات قلبك القلقة ، ننصت لكلماتك المتهدجة و عباراتك المتقطعة، نحس بعميق ألمك و مشاعر الخوف علينا، نعلم أنا أعزاء عليك، وأن فرط إحساسك بالقهر علينا قد طغى عليك ، لكن هل تدرك أيها الغالي كم حبك محفور داخل أرواحن ، و كيف هي جذور العشق متأصلة في وجداننا، كيف تراك تخاف علينا حد الجنون و أنت من تعاني ألم الطعنات بسنان الرماح و حد السيوف، ألم الشعور بخيانة من أسرفت في الإغداق عليهم من خيراتك، و ظللتهم بمزن النعمة والبركة وأمطرت عليهم من وارف حنانك، كم هي متحجرة تلك القلوب التي أنكرت فضلك بل و امتلأت كرهاً و بغضا لك و حقدا عليك و سارعت باستدعاء كل نجس عربيد أملاً في استعمارك ونهب خياراتك، تتأملهم بعينيك الغارقة بالدموع و هم يستلمون أجر نفاقهم و جحودهم و خيانتهم، ليست تلك الدموع المنهمرة حزنا على مرض عضال أصاب نفوسهم المتعفنة و ألم بأرواحهم الملوثة، وإنما وجعا على مآلهم المحقق والذي تتمنى لو تستطيع صدهم عنه وإخبارهم بمغبة الإقدام عليه ، تتمنى بحق لو تستطيع ردعهم من الإنزلاق فيه، لأنك كنت و ما زلت حريصا عليهم و شفيقا بهم ، لاتساورك الظنون أيها العزيز و لايدخلن الشك قلبك بأن أرواحا أحبتك بصدق و قلوبا استوطنها الولاء لك قد تتخلى عنك يوماً ، لا تلتفت إلى تلك الفئة فإن ابن نوح قد ظل عن الهدى و كم كان ابوه حريصا على هدايته لكنه آثر الغرق في ذنوبه و شده حبل جريرته نحو هلاكه ، تذكر ما فعله أخوة يوسف به حين رموه في غيبات يوسف كيف ورث الأرض والحكم و خزائن الأرض و أصبح عزيزا و عادوا تحت إمرته صاغرين خاضعين ، لاتجعل للحزن مكانا في قلبك أيها العزيز و اعلم أن لك أبناء أقسموا بأن يذيقوا من أجرى الدمع في مقلتيك أصناف العذاب و ألوان الهوان، اعلم أن أرواحاً أقسمت بأن تقدم نفسها قرابين فداء لك ليظل المجد رداءك و الشموخ تاجك و العلياء مكانك في استعداد تام لأن يستمروا في التضحية حتى يأذن الله بانقشاع غيمة الشر و يعود الجو صحوا منعشا من جديد تعودتدحر شرذمة الإجرام إلى غير رجعة.

أيها الغالي إنهم هناك في ساحات المعارك يعزفون سمفونية النصر لك ، فتأمل بعين الفخر تلك المعجزات تجري على أياديهم ولتقر عينك برؤية انكسار من باعوا أنفسهم للشيطان و كيف أصبحوا مجندلين تحت أقدام أبنائك الذين ارتووا من معين البأس و اشتد عودهم من رطب الشكيمة التي تزودوا بها من غزير جودك ، إن أولئك المتجرئين قطعا لم يقرؤوا سير الأولين من ممالك أقوام صب عليهم من كل أنواع النعيم فلم يكن كل ذلك الترف بمانع العذاب عنهم حين كفروا و ظلموا و تجبروا واستكبروا و لم يعلموا بتاتا كيف كانت العاقبة للمتقين بالاستخلاف و وراثة الأرض و الرضوان ، و لم يراجعوا قصص الإباء و كسر شوكة العدوان و هزيمة الغزاة الحافل به تاريخك أيها الشامخ ، إن أحبائك يا يمننا الغالي و موطن أجدادنا الأوائل و مستقر أحفادنا من بعدنا ليوقنون أن أرض اليمن قد حددت بلون الدم اليماني القاني فمن تجاوز تلك الحدود فليبشر بالتنكيل و ليعلم أن كل المهالك وحمام المنايا و صنوف الرزايا تنتظره خلفها و أن جنودا قد غادرهم الخوف بلا رجعة يتربصون بأحداق الصقور وتأهب الأسود في اصطياد فرائسها القادمين من وراء تلك الحدود بكل نهم و ما أن يلوح طيف المارقين حتى ينقضوا عليهم تقتيلا فكل من تجرأ و لامست قدمه النجسة أرضهم يخر سريعا صريعا تنهش جيفته وحوش السماء و الأرض.

فلتطمئن يا يمننا الحبيب،،، فإنك الأمانة التي لا نفرط فيها أبدا والغالي الذي لا يحل مكانه أحد والكنز الذي نحفظه و نصونه أبد الدهر ، و إن مساكن الشهداء التي حلت بأرضك لتخبرك بأنك جنة اليمانيين في الدنيا و حبهم الأوحد و عشقهم السرمدي و مستقرهم الهانيء.